الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بالبال ·· ذاكرة الجنوب اللبناني مفتوحة على صدى الشطآن

بالبال ·· ذاكرة الجنوب اللبناني مفتوحة على صدى الشطآن
14 فبراير 2008 00:23
ذاك الماضي، الذي يستحيل الهروب منه، يقتحم دوماً مخيلة زاهي الذي كبر وصار بعمر الشباب· يلتقط المخرج ناصر العجمي في فيلمه السينمائي القصير ''بالبال''، أنفاس الحكاية بعدسة مصور يحاكي الوهم الجميل· يظهّر حياة تحتمل أكثر من خدعة: أن تلتقي صبية تشبهك· تسألها: ما اسمك؟ تقول إن اسمها ''يارا'' (يارا عجمي)· تبدأ ترسم بدايات علاقة: ''اسم يارا حلو··· أنا زاهي''· تبتسم لها قبل أن تمسك بيدها في نزهة إلى حقول مفتوحة على صدى الشطآن· تسترخي على العشب الأخضر، وحين تستيقظ لا تجد يارا· تبحث عنها، هي التي تشبهك، تراها في مرآتك، تتماهى معك· تسأل: هل كانت يارا حقيقة؟· يلح زاهي بالسؤال عن ''بيت زغير''· يتوسل سائق الأجرة الذي يقله إلى منزل جدّيه (منير كسرواني وحنان حاج علي)، أن يمنحه فرصة البحث عن ذاك المجسم الصغير· البيت الذي يشغل باله مثلما يشغلك السؤال عن والديه اللذين لا يأتي الفيلم على ذكرهما· تبدأ تفكر بالأمان المفقود لدى الطفل الذي يشهد على بدايات مرحلة دمغت التاريخ اللبناني بخيبات وتجارب مريرة· تبدي تعاطفاً مع زاهي الذي يصرّ على إمكانية حيازة بيت صغير· يجرب حظه بشراء السحبة مقابل خمسة قروش كان يدخرها· لكنه يفشل، ويبقى الحلم معلقاً إلى حين يلتقي يارا من جديد· يسألها إن كانت ترغب بمساعدته في البحث عن علب السجائر تمهيداً لوضع أساسات حلمه الذي يعبر عنه بالاعتراف: ''بحب عمر بيت زغير''· توافقه يارا في البناء الذي يقابله موت في منزل ''مصور الأوهام''· هناك تلاقى أهل القرية بعدما شاع الخبر وقرعت أجراس الكنائس حداداً على الغريب الذي رحل· كان زاهي محور اهتمام المصور الذي لم يكن يعير اهتماماً سوى لكاميرته، ولزاهي، وللسجائر التي قضت عليه· عرف الصبي الحقيقة تلك بعدما لحق بالنسوة المتشحات بالسواد إلى داخل المنزل· فإذا بالصور المعلقة على حبل غسيل تحفظ محطات اللعب التي كانت مرادفاً لحرية الصبي في أن يطلق أحلامه على امتداد الأرض الخضراء· لكن المفارقة أن يارا لم تحضر في أي من تلك الصور· بدت سراباً، أو فراشة بيضاء، تسكن في الداخل، لكنها غير مرئية· لا تظهر إلا في مخيلته· يحمل فيلم ''بالبال'' (مدته 32 دقيقة)، دعوة المنتج سمير عجمي إلى إعادة الاحتفاء بروح القرية، واستعادة الحياة البسيطة التي تحمل عبق التراب وعادات ولغة على وشك أن تندثر· ينبش من المحطات القديمة، ألعاباً صبيانية تبرز عفوية في الأداء· كأن يحاصر الصبية داخل الأزقة الضيقة، سيارة الأجرة شاهرين أسلحتهم الخشبية في وجه السائق· يساندهم في ''أكشن'' الحرب، أزيز الطائرات الإسرائيلية في اختراق الأفق اللبناني· تلك الحرب سرعان ما لبست ثوب الواقع الدموي على أيدي الكبار· وكانت بداية الحرب الأهلية التي اتفق الأطفال بعدها بأنها ليست لعبة، وأن الذين يسقطون متأثرين بنيرانها، لا يعودون أبداً· لهذا حين كبر زاهي، آثر زيارة معرض صور فوتوغرافية· اختار أن يغلّب الفن على اللعب بأدوات النار· هناك داخل المعرض، بدأ الفيلم مثلما انتهى: ''نوستالجيا'' الزمن الجميل بعدسة مصور الوهم، ورفقة يارا التي بقيت في المخيلة يقابلها صبية على أرض الواقع، إنما لا تشبهها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©