السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرحمة منةٌ من الله وخُلق تحتاجه النفس والحياة وصفة الأنبياء والمرسلين

الرحمة منةٌ من الله وخُلق تحتاجه النفس والحياة وصفة الأنبياء والمرسلين
24 يوليو 2012
الرحمة، صفة من صفات الله تعالى وخلق لا يستغنى الناس عنه في حياتهم وتعاملاتهم، ولولا هذه الصفة في الله تعالى ما ترك على ظهر الأرض من دابة ولن تسكن الأرض من غير تراحم من يعيش عليها من الإنس. فالرحمة خلق تحتاجه النفس وتحتاجه الحياة. الرحمة في الله تعالى مِنَّة مِنْه تعالى وتفضل وإحسان وتعطف وتلطف بالخلق، قال تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً)، ومن مظاهر رحمة الله تعالى أن جمع بين الغنى والرحمة، قال تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَة)، ومن ثم فجمال غنى الإنسان هو في كونه رحيماً. ولقد حوى القرآن الكريم كثيراً من النصوص التي تتحدث عن الرحمة وتدعو إليها، فقال عن رحمة الله تعالى: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)، وقال تعالى: (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )، ووضع الرحمة في البسملة، وفي سورة الفاتحة وقبل كل سورة، وكأنه تعالى يريد أن يقول لعباده إن العلاقة بيني وبينكم علاقة رحمة لا علاقة نقمة ولذا كان ديننا حنيفاً وكانت كل تشريعاته رحمة ورأفة منه تعالى بالإنسان. هذا وقد امتدت رحمة الله تعالى لتسع كل شيء، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ)، ووصف رسول الله سعة رحمة الله تعالى، فقال: “جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِئَةَ جُزْءٍ، فَأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَأنْزَلَ في الأرْضِ جُزْءاً وَاحِداً، فَمِنْ ذلِكَ الجُزءِ يَتَرَاحَمُ الخَلائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابّةُ حَافِرهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أنْ تُصِيبَهُ”، وقد فسر النبي عظم هذه الرحمة فقد جيء بامرأة من السبي خائفة مذعورة وقد فقدت ولدها، فلما وجدته احتضنته بشدة وأرضعته، فلما رأى رسول الله ذلك أراد أن يوجه أنظارنا إلى سعة رحمة الله تعالى، فقال “أتَرَوْنَ هذِهِ المَرْأةَ طَارِحَةً وَلَدَها في النَّارِ؟”، فقال الصحابة رضي الله عنهم: لاَ وَاللهِ. وهذا حاصل بالفعل، فمن المستحيل أن تلقي امرأة بولدها في النار وإن كان عاقاً لها، فكيف بها وهي امرأة جياشة بالعواطف، وأمٌّ، وفاقدة لرضيعها؟ هنا قَالَ رسول الله: “للهُ أرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هذِهِ بِوَلَدِهَا”. الرحمة في الأنبياء الرحمة صفة الأنبياء والمرسلين، وسمة الأولياء والصالحين، وقد سجل القرآن شفاعة بعض الأنبياء لأقوامهم قال تعالى على لسان خليله: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وأخبر عن المسيح عليه السلام قوله: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، ووصف تعالى نبيه الخاتم بصفتين من صفات الرحمة، فقال (بالمؤمنين رؤوف رحيم)، وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة لامته عن عبد اللّهِ بن عَمرِو بن العَاصِ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تلَا قَولَ اللّهِ عز وجل في إبراهيم (ربِّ إِنّهُنَّ أَضلَلْنَ كثِيرًا من الناس فمَنْ تبِعَنِي فإنه منِّي)، وقال عِيسى عليه السّلَام (إن تُعذِّبْهُمْ فإِنَّهُمْ عِبادُكَ وإِنْ تغْفِرْ لهم فإِنَّكَ أنت الْعزِيزُ الْحكِيمُ) فرَفَعَ يدَيْهِ وقال اللهم أُمّتِي أُمّتِي وبَكَى، فقال الله عز وجل يا جبْرِيلُ اذْهبْ إلى مُحمَّدٍ ورَبُّكَ أعْلَمُ فسَلْهُ ما يبْكِيكَ فأَتَاهُ جبْرِيلُ عليه السّلَام فسَأَلَهُ فأَخْبَرَهُ رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِما قال وهو أعْلَمُ فقال الله يا جبْرِيلُ اذْهبْ إلى مُحمَّدٍ فقُلْ إِنّا سنُرْضِيكَ في أُمّتِكَ ولا نسُوءُكَ. ولذا فقد وجهنا رسول الله إلى أن نتراحم فيما بيننا، ولا نشق على غيرنا، حتى في العبادات، فقد كان يخفف في صلاته ويتجاوز فيها حينما يسمع بكاء الصبي رحمة به وإشفاقاً على أمه، وكان يقول: “إِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ للنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإن فيهِم الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبيرَ، وَإِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّل مَا شَاءَ”. أسباب الرحمة الرحمة من الخلق رِقَّة وتعطف وإرادة إيصال الخير إلى المرحوم، ولها أسباب يستجلبها العبد، منها ما بين العبد وربه ومنها ما بين العباد فيما بينهم وفيما يأتي ابرز الأسباب الجلبة لرحمة الله تعالى: التعامل الرحيم. إذا كان الله تعالى رحيماً بعباده فإنه يحب من كان من عباده رحيماً بعباده، ولذلك جعل تراحم الناس فيما بينهم سبب لرحمة الله ففي الحديث عن النبي قوله: “الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”، فدلَّ الحديث على أن رحمة الله تنال من كان رحيماً بكل المخلوقات من إنسانٍ وحيوان ونبات، وقد رحم الله رجلاً لم يعمل من الخير شيئاً قط إلا أنه كان رحيماً بعباد الله، وكان ينظر المعسر إلى حين ميسرة، فتجاوز عنه وقال عز وجل: “نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه» ورحم الله بغيَّا من بغايا بني إسرائيل وجدت كلباً يلهث من شدة العطش فأشفقت عليه وسقته، فرحمها الله تعالى وغفر لها. 2- التقوى. ومن الأسباب الجالبة لرحمة الله تعالى تقوى الله تعالى، ولزوم طاعته، وامتثال أمره، وطاعة نبيه، قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، فالمطيع بامتثال الأوامر يستجلب رحمة الله أكثر من غيره، فلئن كانت رحمة الله تشمل العصاة، فرحمته لمن كان مطيعاً له ممتثلاً أمره أعظم وأشمل. - تلاوة القرآن الكريم. ومن الأسباب الجالبة لرحمة الله تعالى قراءة القرآن الكريم، وحسن الإنصات له، قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، فعند تلاوة القرآن الكريم يتذكر العبد مولاه، فيخافه ويخشاه، ويرجو رحمته ورضاه، فيرحم صاحب العمل عماله، ويرحم التاجر الناس فلا يغالي ولا يبالغ، ويرحم رب الأسرة زوجته وأولاده، ويتفقد الطبيب مرضاه فيرحمهم، ويرحم الكبير الصغير، ويرحم القوي الضعيف، قال: “لن تؤمنوا حتى تراحموا قالوا يا رسول الله كلنا رحيم قال إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة العامة”،.. - الاستغفار. ومن أسباب نزول رحمة الله تعالى أيضاً الاستغفار، فالاستغفار سبب لنزول الرحمة قال تعالى: (فقلت استغفروا ربكم)، بل إن كثرة الاستغفار حصانة من وقوع العذاب قال تعالى (وما كان الله ليعذبهم) فالاستغفار استرحام واستجداء لعفو الله تعالى ورأفته وعطفه، وهو الكريم الذي يجيب من دعاه ويعطي من سأله لذا كان سبباً لرحمة الله تعالى قال تعالى: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). مدارسة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم مع جبريل عليه السلام، وهذا من شأنه أن يزيد من جوده صلى الله عليه وسلم، لأنه يتأثر بأنوار العلم والمعرفة القرآنية. قال بن حجر:”قيل: الحكمة فيه أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس، والغنى سبب الجود، والجود في الشرع: إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعم من الصدقة، وأيضا فرمضان موسم الخيرات، لأن نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر متابعة سنة الله في عباده، فبمجموع ما ذكر من الوقت والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود” “فتح الباري شرح صحيح البخاري”. وفي نزول جبريل لمدارسة القرآن في رمضان دليل على عظيم فضل تلاوة القرآن ومدارسته فيه. وخلاصة القول إن الله عز وجل قد اصطفى رمضان من بين الشهور، وجعله موسما للطاعات وموردا للنفحات والرحمات، لأنه قد شرف بنزول القرآن الكريم وفرض عبادة الصوم. د. عمر الكبيسي
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©