الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زايد أدرك أن موارد النفط غير دائمة وأنه من الضروري تأهيل شعب الإمارات ليواكب التطورات العالمية

زايد أدرك أن موارد النفط غير دائمة وأنه من الضروري تأهيل شعب الإمارات ليواكب التطورات العالمية
6 فبراير 2010 19:46
المفكر الفرنسي البروفيسور ديدييه جازانيادو، أستاذ جامعي في علم الإنسان، حائز دكتوراه– مؤهّل لقيادة الأبحاث، محاضر في التاريخ والآداب وعلم الاجتماع، عضو في فريق الإشراف على الدكتوراه في “مركز البحث التاريخي” جامعة باريس 8، باحث في مركز علم الإنسان الاجتماعي– المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) وفي فريق بحث “علم الإنسان المقارن للمجتمعات والثقافات الإسلامية” - كولّيج دو فرانس باريس 5، وهو يمتاز بمكانة عالمية مرموقة، قبل أن يلتحق بالدبلوماسية الفرنسية ويتسلم منصب المستشار الثـقافي في السـفارة الفـرنسية في أبوظبي. اللقاء بهذا المفكر والاستماع إليه وهو يتحدث مستشرفاً آفاق التعاون المستقبلي بين الشعوب، يجعلك تنظر بتفاؤل واستبشار إلى مستقبل الأسرة الدولية يوم يسود مناخ التعايش والسلام ويزداد الحوار والتعاون العلمي بين مختلف الثقافات والشعوب. والدكتور جازانيادو موسوعي الاهتمام درس الفلسفة واطلع على التاريخ بعمق، فضلاً عن دراسته لعدد من اللغات الغربية والشرقية من الإنجليزية إلى الصينية والفارسية والعربية، وهو يؤكد أن الحوار والتعاون الثقافي يساعدنا على فهم أنفسنا بشكل أفضل ويمكن أن يغير من سلوكنا. وهو يقف مع الفيلسوف سبينوزا الذي يقول: “من المفيد للبشر قبل كل شيء أن يعملوا على بناء العلاقات فيما بينهم. هذه الروابط تجعلهم كلهم قادرين بشكل أكبر على تشكيل كيان واحد. كما عليهم أن يبذلوا ما بوسعهم لتعزيز روابط الصداقة بينهم”. نتعرف إليه أكثر في السطور التالية.. ? كيف تتكون الموهبة والتميز من خلال العمل والمثابرة، الطفولة وتأثيرها على شخصية الإنسان، وما يستمده من هذه التأثيرات: البيت، المدرسة، البيئة الطبيعية والاجتماعية؟ ? كل هذه العناصر لها تأثير على شخصية الإنسان. في حالتي أنا، أظن أن المدرسة واللقاءات مع طلاب وتلاميذ مختلفين، خصوصاً في سن مبكرة، كان لها أثر طيب. فاللقاء مع طلاب من أصول عربية وأجنبية لعب دوراً في اتخاذي لبعض الخيارات. في تاريخ دراستي الثانوية والجامعية كان لي حظ سعيد بأن ألتقي بأساتذة، وخصوصاً في مجال التاريخ والجغرافيا، كانوا منفتحين على العالم ولديهم اهتمام بالثقافات المختلفة عن ثقافتهم الفرنسية، وهذا أدى إلى أن يكون لي انفتاح على العالم. كان فكري منفتحاً وموجهاً إلى التاريخ والمجتمعات غير الأوروبية، وبعد ذلك جاءت الفلسفة في الثانوية العامة لتكون عاملاً مهماً في بناء الأساس من ثقافتي وتكويني الفكري، وهي السنة التي نتعلم فيها أن نفكر في المسائل العميقة التي تتعلق بأمور السياسة بالنسبة للإنسان والمجتمعات. وفي فترة الدراسة الثانوية كان معي طلاب من أصول مختلفة: من المغرب وأميركا الشمالية وإفريقيا، وكان لي الكثير من المتابعة للأحوال العالمية والدولية وهكذا درست بالجامعة في قسم الفلسفة. إنني مقتنع بأن تعلم أو دراسة الفلسفة مهم جداً في التكوين الفكري، النشاط الفلسفي والعلمي مهم جداً، وهناك دائماً علاقة بين البحث الفلسفي والبحث العلمي، وإنه من المفيد أن نعلم ونقدم دراسة الفلسفة للطلاب. تراكم الخبرة والمعرفة هل من الضروري متابعة الموهوبين إلى عمر محدد أو هم وحدهم قادرون على صنع المستقبل الذي يريدون؟ ? أظن أن من المفيد تأهيل الإنسان ومرافقته إلى مرحلة معينة، وأظن أن الإبداع الفكري في وقت ما ينبع من الأشخاص أنفسهم. وفي علاقتي مع الطلاب، في بادئ الأمر، أتركهم يختارون بأنفسهم المواضيع، لأننا لا نقوم بتشكيل عمل جيد إلا عندما نختاره بأنفسنا، وخصوصاً عند متابعة الدراسات العليا والإعداد للدكتوراه، وهو عمل صعب ومهم ولا يمكن أن ننجح إلا إذا كان لدينا شغف بالموضوع المختار. دور المرأة ? ما دور المرأة، سواء أكانت أماً أو جدة أو أختاً كبرى في حياتنا، وهل تذكر لجدتك بعض الأشياء؟ ? صعب علي بعض الشيء أن أجيب على هذا السؤال، لم أعرف الجد والجدة من جهة والدي، لأن جدي توفي بعد الحرب العالمية الأولى ولحقته الجدة بعد زمن قليل، كما أن والدتي لم تعرفهم إلا قليلاً، لأنهم كانوا يسكنون بعيداً عنا. لكن لدي فكرة عن جدي لوالدتي بأنه كان كثير السفر، وكان يقص علينا العديد من القصص الخاصة بأسفاره إلى البرازيل وتركيا والمغرب، وبالنسبة لي كانت هذه القصص شائقة جداً وكذلك بالنسبة لجدي. وطبعاً لي ذكرى عن والدتي التي كانت منفتحة كثيراً على الآخرين بالثقافة والموسيقى الكلاسيكية، وإن لم يكن أهلي ينتمون إلى مجتمع عالي الثقافة بشكل خاص، لكنها كانت ترعانا وتهتم بحياتنا ودراستنا وكانت منتبهة جدا لذلك. ? الاهتمام بالثقافات الشرقية، من أين جاء؟ ? أظن أن اللقاءات التي تكونت مع طلاب من أصول شرقية والصين واليابان قد شجعتني على تعميق الاطلاع على تاريخهم، تاريخهم الثقافي، وأعطاني الرغبة في فهم هذه المجتمعات وتاريخها، وفهم الاختلافات ما بين الثقافات وما يتعدى الاختلافات. وهكذا درست اللغة العربية لوحدي، وبعدها تابعت دراستي للغات الشرقية بمعهد اللغات والحضارات الشرقية في باريس، ومن ثم تابعت العمل وهذا الجهد بشكل مستقل. لقد عملت على النصوص العربية ومن أجل التدقيق لبعض الدراسات قمت بدراسة الفارسية، ودرست الصينية واليابانية لمدة عام، وذلك لأعرف تركيبة هذه اللغات. وهناك أمر مهم جداً، حاولت أن أسافر إلى هذه البلدان وأن ألتقي أشخاصاً من هذه المجتمعات، لأنه عبر النظر الدقيق لهذه المجتمعات يمكننا فهمها جيداً إضافة إلى الدراسة والثقافة بعمق. وبعد دراستي للفلسفة قمت بأسفار كثيرة حول العالم، وعندما عدت وجدت ما كنت أريد أن أعمل عليه بشكل دقيق، وبدأت بدراسة علم الاجتماع والإنسان وخصوصا العالم العربي والفارسي وعلاقتهما بالصين. ?بناء العلاقات والروابط بين الشعوب، ما الجهة المسؤولة عن تنظيمها: السلطات العليا في الدول أو المثقفون أو الشعوب ذاتها؟ ?يتعلق الأمر بالمراحل التاريخية. منذ عصور ما قبل التاريخ، كان هناك علاقات بين الشعوب. ومنذ العصور الوسطى نشأت علاقات قوية بين التجار وبدأت العلاقات بين الدول تتطور. ففي بغداد مثلاً، كان العلماء يلتقون في (بيت الحكمة) الذي قام الخلفاء العباسيون بإنشائه، وبالتالي نقول إن هذه العلاقات أخذت طابعاً مؤسساتياً أكثر فأكثر. ومع الوقت والتاريخ أصبح هناك مؤسسات متعددة بنيت بين الدول في القرن العشرين مثل اليونسكو، وتم تنظيم هذه الحوارات على مستوى الدول والجامعات. ? المشروع القائم بين أبوظبي وباريس، مشروع “لويس لوجران”، هل يقوم على تدريس الطلاب باللغة الفرنسية، العربية أو بالإنجليزية، أو الاثنتين معاً؟ وهل يمكن لتلك الطالبات بعد التخرج أن يكملن دراستهن العليا المتقدمة في فرنسا؟ ? أذكر بأن هذا المشروع يقضي بأن يتلقى الطلاب والفتيان الإماراتيون إضافة إلى دراستهم العادية، التعلم الإضافي الخاص في الرياضيات والفيزياء، بدأنا هذا التعليم باللغة الإنجليزية لأنه لم يكن لدينا إمكانية، لكن سوف تدخل اللغة الفرنسية، وبعد انتهاء ثلاث سنوات سيحصلون على شهادة، وهناك مناقشات مع الدكتور مغير خميس الخييلي مدير عام مجلس أبوظبي للتعليم لتحديد التأهيل المتخصص الذي سيقومون بمتابعته بعد الثانوية العامة. حوار الحضارات ? أصبح الجميع يتحدث عن ضرورة حوار الحضارات أو الثقافات، لكن في الحقيقة حتى الآن لا نجد من يعمل بجد على هذا التواصل، بل هناك فجوة كبيرة، وما نظرتك لمستقبل هذا الحوار؟ ? أريد أن أضيف بعض التفاصيل إلى هذا السؤال، هناك لقاءات بين الجامعيين عن طريق “اليونيسكو” أو من دون “اليونيسكو”، الصعوبة بالنسبة إلى المفكرين غالباً ما تكون للسياسات التي تنتهجها الدول وهي ليست دائماً مرتبطة بالوضع الذي يكون سائداً في الوقت نفسه. مثلاً، في العلاقات بين العالم العربي وأوروبا، هنالك أحيانا بعض الصعوبات على المستوى الرسمي، ولكن هذا لا يمنع المفكرين من الحوار، فعلى سبيل المثال أنا عضو في فريق فرنسي للبحث حول العالم العربي يجري دراسات مقارنة بين المجتمعات الإسلامية وتحليلات حولها. نحن مفكرون وباحثون داخل هذه المجموعة، ولدينا زملاء من كافة الدول الإسلامية، إما هم مقيمون في فرنسا أو نوجه لهم الدعوة لكي يعرضوا أفكارهم في هذا الخصوص لتبادل الحوار حتى لو كنا بعض الأحيان غير متفقين، لكن يجب الاستماع إلى الآخر وما يقوله. ? من منظور تاريخي، لماذا كان التواصل الثقافي بين الصين والعرب أفضل من التواصل بين الغرب والعرب؟ ? لم يكن هذا فعلاً مقصوداً، ربما لا بد من توضيح شيئين مختلفين: لا يمكننا المقارنة بين العلاقات بهذه المقارنة على المستوى الكمي. بكل بسـاطة، العلاقة بين العالم الإسلامي وأوروبا أهم بكثير من العلاقة التي قامت بين العالم الإسلامي والصين، والعلاقات التجارية مع أوروبا قديمة جداً وقوية عن طريق البحر المتوسط أولاً، ومن ثم لنأخذ مثال الفكر: إن العرب والمسلمين خلال ترجماتهم تعرفوا إلى الفكر اليوناني، وبالتالي شاركوا بإرث مشترك مع أوروبا، وهناك علاقات مع الصين موجودة ولكن متباعدة أيضاً. كانت هناك حروب كثيرة بين الفرنجة (الحروب الصليبية) والعالم الإسلامي، كان هناك احتلال وعلاقات معقدة، لكن على الرغم من هذه العلاقات المتأزمة بقيت بعض العلاقات بين علماء الدين متواصلة إلى حد ما وكانت ترجمات، وفي العصور الوسطى كانت حوارات حقيقية بين العالم الإسلامي وأوروبا. دور الفرنسية ?هل للغة دور في نشر المعرفة وما دور الفرنسية في ذلك؟ ?ما زلنا متأثرين باللغة الإنجليزية كلغة أولى في العالم، وهي أصبحت اللغة الثانية لكثير من الناس، وهذا يعود إلى القوة الاقتصادية للولايات المتحدة. بالطبع هذا الوضع يؤثر في العالم. إن استخدام اللغة الفرنسية بدأ منذ القرن 17 وخصوصاً في الدبلوماسية والعلوم في أوروبا بأكملها، ولكنها تراجعت شيئاً فشيئاً مع صعود الإنجليزية مما أدى إلى تراجع اللغة الفرنسية في العالم. ولكن أعتقد أنه في العلوم الإنسانية والأدب ما زال هناك فكر فرنسي وفنون ذات جودة عالية مثل Jean Marie Le Clezio (جان ماري لوكليزيو) الحائز جائزة نوبل للآداب منذ عامين، ولدينا مدرسة الرياضيات الفرنسية التي تتمتع بسمعة عالية وثابتة، وكذلك العلوم الإنسانية والتاريخ وعلم الإنسان لديها شهرتها العالمية، وأيضاً علم النفس والتحليل النفسي. ?هل ترى أن الإمارات تؤسس لنهضة ثقافية؟ ? كوني أعمل منذ أكثر من عامين في الإمارات، هذا هو النهج المتبع من قبل المسؤولين في الدولة وفي أكثر من مجال، وأود التذكير هنا بأمر معروف وهو أن هذه كانت رغبة الشيخ زايد رحمه الله. فمنذ البداية، كان له الإرادة والعزم على تطوير تعليم سكان العين، ثم إمارة أبوظبي،ثم باقي إمارات الدولة. لقد كان التعليم وتوفير الحياة الثقافية أحد محاور سياسته، خصوصاً أن المغفور له الشيخ زايد أدرك بسرعة أن موارد النفط ليست دائمة وأنه من الضروري التحضير لمرحلة ما بعد النفط، وذلك من خلال تأهيل شعب الإمارات على المستوى الفكري والعلمي والثقافي. لذلك، انفتح على العالم، على الحضارات والثقافات المختلفة، خصوصاً الفرنسية حيث العلاقات مع فرنسا متميزة بشكل خاص، وهو يصفها رحمه الله قائلا: “نحن العرب لن ننسى ما كان ولا يزال من تفاعل متواصل بين الثقافة العربية والإسلامية والثقافة الفرنسية، فلا غرابة والحال هذه أن تزداد العلاقات العربية ـ الفرنسية توطيداً وأن نتكاتف خاصة لما فيه مصلحة بلدينا ومصلحة القيم الإنسانية التي نؤمن بها...”. متحف اللوفر- أبوظبي ? ماذا عن مجال التعاون الثقافي والتعليمي بين فرنسا والإمارات؟ ?إن العلاقات الخاصة التي أسسها الشيخ زايد مع فرنسا قادت بشكل خاص إلى تعاون قوي في المجالات الثقافية والتعليمية. استمر هذا التعاون وازداد قوة، ويظهر ذلك من قرار بناء متحف اللوفر ـ أبوظبي والذي سيصبح متحفاً عالمياً رائعاً على جزيرة السعديات وافتتاح جامعة السوربون ـ أبوظبي التي تعطي الدروس في أغلب الحالات باللغة الفرنسية والتي تستقبل حالياً نحو 500 طالب (في درجة الليسانس والماجستير) في فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية والحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية، وكذلك بتصميم البرنامج المسمى مشروع “لوي لو جراند” والذي يتلخص بإعطاء تأهيل خاص للشباب والشابات الإماراتيين في الرياضيات والفيزياء والكيمياء (من الصف التاسع والعاشر والحادي عشر)، وفي المستقبل سوف يستمر بعد الحادي عشر في التأهيل العلمي المتخصص جداً في المستوى الجامعي. نحن نستمر طبعاً بالتعاون في مجال تعليم اللغة الفرنسية وفي تنظيم الفعاليات الثقافية خصوصاً من خلال الرابطة الفرنسية في أبوظبي ودبي والعين، علماً بأنه تم افتتاح هذه الأخيرة إلى جانب حضانة ومدرسة ابتدائية فرنسية قبل عام ونصف العام. أتمنى أن يستمر التعاون في التطور والازدهار”. وفي الختام لا بد للمحررة من أن تقدم الشكر للسيدة ناديا قنطري عز الدين التي قامت بالترجمة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©