الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحب لا يكفي

الحب لا يكفي
3 سبتمبر 2006 00:34
سعاد جواد:suad-jawad@hotmail.com : كنت الزوجة الثانية، احبني زوجي بجنون، وبذل المستحيل ليتزوجني· عشنا معاً حياة زوجية مليئة بالحب والغيرة العمياء· كان يخبرني دائماً بانني حبه الأول والأخير· الأولى هي أم العيال، لها المال والخير، وانا لي الحب والمشاعر كلها· اعتقدت أنها قسمة عادلة، ولم أكن اريد شيئاً سوى ان ابقى حبيبته، ولا احد في قلبه غيري· ولكن هل هذا ما حدث فعلاً؟ اجدني الخاسرة الوحيدة في هذه المعادلة! لا اعرف كيف اتصرف، ولم اكن اتوقع ان اكون يوماً في مثل هذا الموقف· بصراحة··· مازلت غير مصدقة لما يحدث لي· اجد نفسي وقد صحوت من غفوة طويلة وكأنني كنت مخدرة طوال الوقت· صحوت على حقيقة مرة وقاسية، وواقع صعب لا يمكنني احتماله··· فأين ذهب ذلك الحب؟ وأين اختفت المشاعر؟ وأين حقوقي المادية انا وأولادي؟ والله انني مذهولة· كنت في الحادية عشرة من عمري، مجرد طفلة تروح وتغدو إلى المدرسة وتحلم بالمستقبل الدراسي، وكان هو جارنا، رجل متزوج ولديه طفلان· كان يتابعني بنظراته بشكل غير مريح· تقدم لخطبتي، وكانت المفاجأة كبيرة وغير محتملة لوالدي، صرخ قائلاً: ماذا تقول انها مجرد طفلة··· هل جننت؟ انت رجل متزوج، لديك اطفال· ابنتي بسن أولادك، وحتى لو فكرت بأن أزوجها يوماً فلن تكون لك، فهل يعقل ان ازوج ابنتي لرجل متزوج ولديه اطفال؟ طرده والدي من بيتنا، وصار يوصلني بنفسه إلى المدرسة ويعيدني منها مع انها لا تبعد عن بيتنا سوى بضعة أمتار، ولكنه شعر بالخوف من ذلك الرجل المتربص بابنته، واعتبره مريضاً نفسياً لأنه يلاحق طفلة في مثل سني· مرت السنون، ولم يعجز ذلك الرجل، ولم يكف عن تكرار المحاولة في كل عام تقريباً· يلتقي بوالدي ويقول له: لقد كبرت البنت وانا متعلق بها، فأرجوك زوجها لي· كان والدي يكرر رفضه ويطرده من بيتنا شر طردة، فصار يهدد بأنه لن يسمح لأحد بالارتباط بي وسيمنع ذلك بأي ثمن· وفعلاً فقد فعل المستحيل لإفشال مبادرات من هنا وهناك لخطبتي، حتى لم يعد احد يجرؤ على التفكير بالتقدم لخطبتي· خلو الساحة عندما بلغت الخامسة والعشرين توفي والدي ولم يعد لي احد سوى اختي الكبرى وهي متزوجة، وأخي الذي يصغرني وكان في السادسة عشرة من عمره· فكرت بأن أقبل بهذا الرجل الذي تمسك بي طوال تلك السنين ومنع غيره من الارتباط بي، على الرغم من انه قد اصبح أباً لثمانية اطفال، ولكن اصراره لم يتغير وانما ازداد عاماً بعد عام، مما جعلني اقتنع بأنه لا مفر من الارتباط به والرضا بالأمر الواقع· تزوجنا وعشت معه في سعادة كاملة· فقد احببته كما احبني واصبح هو حياتي كلها· لم تكن زوجته الأولى تعلم بزواجنا، وعندما علمت به غضبت غضباً شديداً واصبحت تهدده بترك الأولاد وطلب الطلاق، فصار يحاول مرضاتها باعطائها كل ما تطلبه· استولت على كل ما يملك من أجل الا تترك لي شيئاً أبداً· فهي تعتقد بأنني قد خططت لخطف زوجها من أجل ماله، لذلك فقد قررت ان اترك لها المال الذي يشغلها وهو كل ما تحبه في زوجها وان اكتفي بالحب وحده، لذلك لم اعترض عندما قام بتسجيل املاكه باسمها ولم يبق لي شيئاً· كنت أقنع نفسي بأنني حبيبته، وانني احصل على مشاعره كلها صافية نقية، لا تشوبها شائبة· كان غيوراً علي بشكل مبالغ فيه، أحياناً كان يؤذيني بتلك الغيرة الشديدة، ولكني كنت اصبر نفسي وأبرر موقفه بأنه وضع طبيعي لحبه الشديد لي· رزقت بولد واحد بعد زواجنا مباشرة، وبعد سبع سنوات قررت إنجاب طفل آخر لأن ولدي كان يشعر بالوحدة طوال الوقت، فياحبذا لو اصبح له أخ يسانده ويشاركه في هذه الحياة أو أخت يسعد بها ويأنس لوجودها· كان حملي صعباً جداً، مررت بظروف نفسية وصحية قاسية بسبب تأخري في الحمل لمدة سبع سنين· ولدت طفلي الثاني وانشغلت به كثيراً ولم انتبه إلى انني تركت موانع الحمل، فحملت مرة اخرى بطفلي الثالث وكان حملاً صعباً أعقبته ولادة قيصرية· على مدى سنتين من التعب المتواصل نسيت نفسي ولم انتبه لما يحدث من حولي، ولم أدرك بانني بدأت افقد زوجي· صحوة متأخرة بعد ان افقت من أزمتي لاحظت أن زوجي قد تغير· لم يعد نفس الشخص الذي اعرفه· لم يعد يكترث بي كما كان يفعل من قبل· صار يتغيب عن الحضور والاتصال كما كان يفعل في السابق· حاولت ان اعرف ما يشغله، سألته فأخبرني بأنه مشغول بعمله وبمشاكل أسرته الأولى، فقد كبر الأولاد وازدادت مشاكلهم· حاولت ان اجد له الأعذار ولكن كان الأمر يزداد سوءاً، وبحاسة الانثى شعرت بان شيئاً ما يحدث من وراء ظهري· بذلت جهداً كبيراً في البحث والتقصي لمعرفة الحقيقة، فعرفت اشياء مروعة ليتني لم اعرفها· اكتشفت بان زوجي على علاقة بأخرى، وانه يخطط للارتباط بها· واجهته بما عرفته فلم ينكر وقال: انا حر أفعل ما أريد ولا يمكنك اجباري على شيء· يا الهي! هل هذا معقول؟ لقد رضيت بالحب وحده في حياتي الزوجية وتنازلت عن حقوقي المادية كلها، حتى المنزل الذي اسكنه مسجل باسم زوجته الأولى، فأين سأذهب ان استحوذت عليه الأخرى وهجرني؟ وماذا سأفعل ان طالبتني زوجته الأولى بإخلاء المنزل؟ اجدني الخاسرة الوحيدة في هذه الحياة الزوجية العجيبة، كيف كنت أفكر من قبل؟ وكيف استطيع ان اجد الحل لأزمتي هذه؟ مر على بالي شريط الماضي وكأنه فيلم سينمائي· كان متلهفاً علي، كان يطالبني بألا اغيب عن ناظريه لحظة واحدة، عندما يكون في بيتي· وعندما يذهب لبيته الآخر كان يتصل بي متلهفاً مشتاقاً في كل لحظة وفي كل ثانية· أتذكر بأنه طلب مني ان اقود السيارة وآتي قرب منزله ليراني ولو للحظات وانا مارة من أمامه· كان رومانسياً معي لدرجة لا يمكن تخيلها، وكان غيوراً علي حتى من الهواء الذي اتنفسه· يا الهي، هل يعقل انه كان يكذب طوال الوقت؟ هل يمكن للحب الصادق الحقيقي ان ينتهي وان يتغير بحسب الظروف؟ اكاد لا اصدق ما يحدث، فهل يعتبر انشغالي عنه بالحمل والولادة مبرراً كافياً لينسى كل شيء ويبحث عن اخرى غيري؟ هل هذا يعقل؟ أنام واصحو وانا في هذه الدوامة المؤلمة· فقدت شهيتي للطعام وبدوت شاحبة وكأنني مصابة بمرض خبيث· مرحلة القرار بعد فترة هذيان ومرض وتعب نفسي توصلت إلى قرار حاسم لأتخلص من وضعي التعس الذي وجدت نفسي فيه· اتصلت به واخبرته بأنني أرغب بالطلاق· كما توقعت فقد جن جنونه· فالحب لا يموت نهائياً وانما بذوره في الأعماق ولربما تمر بفترة سبات ولكنها عندما تجد الظرف الملائم لها فإنها تعود لتنمو من جديد· جاءني بسرعة، طلب مني التفاهم، أخبرته عن مشاعري وبأنني خاسرة وأن هذا الإحساس يؤلمني، فاذا اراد مصلحة أولاده وان بقي لي بنفسه شيء من الود فليطلقني وليشتري منزلاً ويسجله باسم أولادي يضمن لهم عدم التشرد ان حدث له مكروه· اقتنع بفكرة شراء المنزل ولم يقتنع بفكرة الطلاق· قال لي: لم تريدين الطلاق؟ هل تفكرين برجل آخر؟ تذكرت غيرته العمياء فأردت ان استغلها، فسكت ولم أجبه على سؤاله· صعد الدم الى رأسه وصرخ بصوت مرتفع: هل هناك احد في حياتك؟ اجبته بأن لا شيء مستحيلا في هذه الدنيا، فانت استاذي ومعلمي ومثلي الأعلى، منك اتعلم دروس الحياة، ومنك آخذ الخبرة· ازدادت نسبة الغضب في داخله وصار لونه ارجوانياً من شدة الغيظ، صرخ قائلاً: لن اطلقك أبداً، وسوف اجعلك معلقة مدى الحياة· خرج من بيتي وهو غاضب، لم يعد يهمني رضاه أو غضبه، المهم انني فعلت شيئاً لإثارته· من جهة اخرى، حاولت معرفة بعض المعلومات عن الفتاة التي ارتبط بها، فعرفت انها انسانة لعوب تفكر باستغلاله للحصول على المال، فهي شابة صغيرة وجميلة تتقن النصب والاحتيال لكسب المزيد من المال، استخدمت طرقي الخاصة لأوصل لها معلومات حقيقية عن ممتلكات زوجي وانها مسجلة باسم زوجته وانه لا يملك في الحقيقة إلا القليل· كما توقعت فانها كانت الجذوة التي اشعلت نيران المشاكل بينهما· فقد صارت تطالبه بأن يشتري لها بيتاً وسيارة ومهراً كبيراً ومجوهرات، فاتهمها بأنها طامعة في ماله وانها غير صادقة في مشاعرها معه، فأخبرته بصراحة انها ليست غبية لترتبط برجل مسن دون ضمانات لحقوقها· صدمته الحقيقة فتخلى عن تلك العلاقة وعاد لنفسه من جديد· بعد أيام من الانعزال والتفكير عاد إلي بوجهه الذي عرفته به من قبل نادماً على كل ما بدر منه· طلب مني ان اسامحه، مؤكداً لي بانه لو بحث في الدنيا كلها فانه لن يجد انسانة مخلصة وصادقة مثلي· نظرت إليه باستغراب وقلت له: بل قل انك لن تجد انسانة ساذجة وغبية مثلي· عموماً فان موسم الغباء قد انتهى ولن اتراجع عن حقوقي في امتلاك بيت لي ولأولادي يحميني من تقلبات العواطف غير الصادقة، ومن نوازل الزمن· بذل جهداً غير عادي لجمع مبلغ مناسب لشراء ذلك البيت وصار يفعل المستحيل من أجل ان يستعيد حبي له وثقتي به· لأول مرة في حياتي أحس بأنني فعلت شيئاً جاداً لمصلحتي، لأنني طبعاً وبعد تجربتي المريرة اكتشفت بأن الحب وحده لا يكفي وان للحياة مقومات اخرى نحتاج الاستناد عليها عند حدوث العواصف·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©