الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

زهير القيسي يرصد الجذور التاريخية والأسطورية للشطرنج

27 يوليو 2013 00:19
جهاد هديب (دبي)ـ «أنواع المؤلفات سبعة لا ثامن لها، فهي إما شيء لم يسبق المؤلف إلى استخراجه فيستخرجه، وإما شيء ناقص فيكمله ويتمُّه، وإما شيء خاطئ أو باطل فيصححه، وإما شيء مستغلق فيشرحه، وإما شيء مسهب فيختصره، وإما شيء منثور فيرتبه، وإما شيء متفرق فيجمعه». بهذه الكلمات لابن حزم الأندلسي، يختصر زهير أحمد توفيق تعريف منهجه الأكاديمي في صناعة هذا الكتاب الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد العام 1999، فالكتابة هنا صناعة تجمع المتفرق وترتب المنثور وتختصره ثم تقدمه في خلاصة أو ما هو أقرب إلى ذلك؛ أي أن هذا الكتاب، بوصفه بحثاً تاريخياً ينتمي إلى علم التاريخ، هو مناقشة لآراء في حقل نادر هو حقل تاريخ لعبة الشطرنج التي هي حَرفة ولعبة معاً، وحوار مع هذه الآراء كما جاءت في المصادر التاريخية العربية والإسلامية الكلاسيكية. والمثير للانتباه ها هنا، حسب المؤلف، أنْ لا غلبة لرأي على آخر بسبب أن المرويات التاريخية حول الشطرنج، خاصة في الثقافة العربية والإسلامية، ملأى بما هو أقرب إلى الأسطوري والحكائي الشفوي المنقول من جيل لآخر، إلى درجة اختلط فيها الأدبي العجائبي، بعض الأحيان، بالتاريخي ذاته. ويتابع المؤلف أنه مع ذلك، ويقيناً، لم تعرف العرب الشطرنج، إنما وفد إليها من ثقافات أخرى مجاورة من المرجح أنها الهندية تحديداً. وربما حدث ذلك قبل القرن السادس الميلادي، أي قبل ظهور الإسلام، عبر التجارة، إذ تأتي بعض المرويات التاريخية على ممارستها من قبل علية القوم من دون أن تشير في سياق متن سرديتها إلى أي من الحكايا التي تفيد بأن الناس قد مارسوها أيضاً، وبقيت لعبة نخبوية. وبعيداً جداً عن ذلك، فكما لو أنّ هذه اللعبة قد هبطت هكذا من السماء، باسمها ورسمها وقواعد اللعب فيها وبقسمتها على اللونين الأبيض والأسود. يكاد المرء يصدق هذه الأسطورة عن نشأة لعبة الشطرنج، وعن أنها قد نزلت من السماء بعد ولادة قابيل وهابيل كي يسرّي الابنان عن نفسيهما قبل حدوث أول اقتتال أهلي في التاريخ بسبب امرأة كان جمالها جديراً به أن يشعل حرباً بين الشقيقين. ويقول المؤلف يكاد المرء يصدق ذلك من فرط ما أن البدايات التاريخية لهذه اللعبة قد اندفنت تقريباً مع تراكم الأجيال، وبسبب أنها قد ولدت وشاعت عند أغلب أقوام العالم القديم، فلم يبق ثابتاً من تلك التاريخية إلا أمران: الأول أنها نشأت شعبية ثم تحولت إلى لعبة أرستقراطية، بمعنى ما، والثاني أن هذه اللعبة ما من أثر تاريخي أو أركيولوجي يدلّ حتى الآن على انتشار ممارستها بين شعوب العالم القديم قبل القرن السادس الميلادي، بالمطلق. أيضا يؤكد المؤلف في بحثه أنها ولدت ومن غير الممكن لأكثر من لاعبين أن يمارساها، وأن من غير الممكن لأي منهما أن يمارس أي نوع من الغش أو الخداع باستثناء استخدام الذكاء الشخصي المحض في الإيقاع بالخصم. غير أن الأمرين معاً قد أدّيا إلى نشوء تقاليد من غير الممكن اختراقها أو عدم الالتزام بها مهما كانت المكانة الشخصية للاعب وما يحيط بهذه المكانة من اعتبارات. وما يلاحظه قارئ «تاريخ الشطرنج الكبير»، وربما بسبب أنها لعبة قد بدأت شعبية، هو دخول هذه اللعبة إلى المخيلة الحكائية الشعبية بأشكالها المختلفة سواء تلك التي تُسمى «الخُرافة» التي غالبا ما تأتي على ألسنة الحيوانات والطيور أو تلك الأساطير التي تجعل من الآلهة وأنصاف الآلهة هم الذين أوجدوها كي يسلّوا عن أنفسهم عندما تنشغل أقوام البشرية وأممها بالحروب. ومن بين أمته هذه الحكايا التي يورد الكتاب الكثير منها هو ما يتصل بالحضور الرمزي لهذه اللعبة عندما يتلقى واحد من عليّة القوم هزيمة على الملأ وعلى يد رجل من العامة ليصير المهزوم بذلك مطرحا للتندر والسخرية فتعلو رمزية الحكاية الشطرنجية عندما تسخر العوام بطبقاتهم المختلفة من عليّة القوم التي انهزمت في لعبة الشطرنج التي يقيس بها هؤلاء العوام مدى ذكاء حيواناتهم الأليفة وغير الأليفة فيجعلوا من حمار بيت قادراً على هزيمة أسد تربّى في البراري. ويوضح المؤلف أن كتب التاريخ وسواها من الكتب أوردت قصصاً وحكايا عن الخلفاء وزوجاتهم وإمائهم، فكانت الأوفر حظاً من بينهن اللواتي يتقن الغناء والعزف وقول الشعر، بالإضافة إلى المهارة في لعبة الشطرنج مثل حبابة جارية يزيد بن معاوية وعريب جارية المأمون وتودد وتحفة، وسواهن من النساء في العصرين الأموي والعباسي، وهما العصران اللذان شهدت فيهما لعبة الشطرنج أوج ازدهارها في الحضارة العربية والإسلامية. ويورد المؤلف زهير أحمد القيسي ليلة من الليالي العربية الألف كاملة تقريباً في كتابه، وهي الليلة الخامسة والأربعون بعد الثمانمائة، التي تتحدث عن رجل أُخذ بامرأة تدعى زين المواصف من أمهر لاعبي الشطرنج في زمانها وظلّت تغلبه إلى أن فقد الرجل ماله وبيته وعقله. لكنّ ما يورده المؤلف القيسي من قصص وحكايا تاريخية وشبه تاريخية يقوم بضبطها بحسب التسلسل التاريخي للمصادر التي استقاها منها، وذلك بهدف الإمساك بخيط كرنولوجي معرفي يتتبع من خلاله تاريخ الشطرنج في الحضارة العربية والإسلامية، فيبدأ من ما قبل الإسلام سواء في بلاد العرب أو في بلاد فارس والهند، ثم يتناول الموقف الفقهي من الشطرنج لدى الأئمة الأوائل والمتأخرين، لينطلق بعد ذلك إلى تتبع المصادر التاريخية بدءاً من العصر الأموي حتى نهاية العصر العباسي عندما حكم السلاجقة، وكذلك ما بعد العصر العباسي، كما يفرد المؤلف فصلاً كاملاً للشاعر صفي الدين الحلي الذي عاش خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، والذي حفل ديوانه بالكثير مما يتعلق بالشطرنج . لينتقل بعد ذلك إلى شمال أفريقيا والأندلس ثم أوروبا، حيث «عرف الأوروبيون الشطرنج فكان ذلك حدثاً ثقافياً ضخماً لا يمكن النظر إليه وتحليله إلا وفق منظور علمي وتاريخي في آن، إذ لم يثب الشطرنج فجأة لينتقل من العرب إلى الأوروبيين بمفرده، وإنما كان جزءاً من الرفد الحضاري الضخم الذي انتقل إليهم بواسطة العرب في بلاد الأندلس»، بحسب ما يذكر المؤلف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©