السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الدعم والأجور والفوائد «تفترس» الموازنة المصرية

الدعم والأجور والفوائد «تفترس» الموازنة المصرية
22 يوليو 2012
محمود عبد العظيم (القاهرة) - برهنت الميزانية المصرية الجديدة لعام 2012 – 2013 على عمق الأزمة الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد. فالموازنة تؤكد أن ثلاثية (الدعم والأجور وأقساط الديون) لا تزال تفترس ثلاثة أرباع الموارد العامة للبلاد، وأن هذا الوضع سوف يظل سارياً لسنوات طويلة قادمة ما لم يمتلك النظام السياسي الجديد شجاعة المواجهة وابتكار حلول لتفكيك هذه الثلاثية المدمرة من دون أن تتعرض البلاد والفئات المحدودة الدخل إلى صدمات تطيح بما تبقى لديها من إمكانات العيش الكريم. ومن دون ذلك سوف يزداد العجز في الموازنة العامة سنة بعد أخرى على الرغم من جهود تبذل هنا وهناك لزيادة الموارد سواء بطرق سليمة من الناحية الاقتصادية أو غير سليمة فنحن الآن أمام واقع يؤكد أن الأجور والدعم والفوائد تحصل على 78% من إجمالي الموازنة، وهذه النسبة تمثل تقريباً كل الموارد. فالأجور خصص لها 136 مليار جنيه بنسبة 25,6%، وأقساط وفوائد ديون ـ محلية وخارجية ـ حصلت على 133,6 مليار جنيه بنسبة 25% من إجمالي الموازنة البالغ 533 مليار جنيه، بينما التهم الدعم 145,8 مليار جنيه بنسبة 27,3%، ومن ثم فإن إجمالي هذه البنود الثلاثة يبلغ 415,4 مليار جنيه أي بما يفوق إجمالي الموارد بنحو 22 مليار جنيه. وتؤكد الدكتورة أمنية حلمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن الموازنة الحالية، وإن كانت تتضمن العديد من الثغرات إلا أنها تعد موازنة انتقالية لأنه من المفترض أن يتم البحث عن حلول جذرية لعجز الموازنة بدلا من الاستمرار في سياسة التمويل بالعجز التي من شأنها أن تعرقل قضية التنمية. وقالت أمنية حلمي إن الدعم الذي يلتهم نحو ربع حجم الموازنة يجب أن يخضع لحوار مجتمعي شامل حتى يمكن التوصل إلى حل جذري يحمي الموازنة من مزيد من العجز في السنوات المقبلة، كما أنه من المهم البحث عن آليات غير تقليدية لسد الفجوة التمويلية حتى يمكن تخليص الاقتصاد من مشكلات هيكلية تعوق مسيرته وتجعله غير قادر على توليد النمو وفرص العمل. وإذا كان العجز الصافي المتوقع حسب الموازنة يدور حول 135 مليار جنيه بعد استبعاد أثر صافي حيازة بعض العمليات الرأسمالية التي قدرت بمبلغ 5,3 مليار جنيه ـ كان العجز قبل هذا الاستبعاد يدور حول 140,3 مليار جنيه ـ نصبح أمام حقيقة أن بقية بنود الموازنة يجري تمويلها بالعجز أي بالاقتراض المحلي على وجه التحديد، وهذه البنود تمثل ركيزة استدامة النمو وضمانة لانتظام سير دولاب العمل الحكومي، ومن ثم يصبح من الصعب التدخل فيها، وعلى سبيل المثال تشمل هذه البنود كلا من بند مشتريات السلع والخدمات للجهاز الحكومي الذي خصص له مبلغ 28,8 مليار جنيه مقابل 30,2 مليار العام السابق ـ وهذا المبلغ يستحوذ على نسبة 4,6%من إجمالي الموازنة. أيضا بند الاستثمارات العامة الذي يمثل الرافعة الحقيقة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وبالتالي لا يمكن الاستغناء عن هذا البند أو تخفيضه، بل على العكس هناك من يطالب بزيادة بند الاستثمارات العامة لضمان تحريك الاقتصاد الكلي، وكسر حالة الركود المهيمنة على السوق منذ بضعة شهور، وإتاحة المزيد من فرص التشغيل أمام الشركات والأفراد ومن ثم امتصاص قدر ولو محدود من مخزون البطالة. هذا البند خصصت له الموازنة العامة الجديدة نحو 55,6 مليار جنيه مقابل 47,2 مليار في العام المالي المنتهي قبل أيام، ويمثل هذا المبلغ نسبة 10,4% من إجمالي مصروفات الموازنة ونسبة 3,1% من الناتج القومي الإجمالي. وإذا كانت الحكومة المصرية قد نجحت في زيادة حجم مخصصات الاستثمارات العامة قليلاً فإن هذا المخصص يظل قاصراً على إحراز معدل التنمية المنشود خلال العام المالي الجديد، حيث تأمل الحكومة أن تحقق معدل نمو في حدود 3%، وهذا المبلغ المخصص للاستثمارات العامة يعجز عن إحراز هذا المعدل بمفرده، الأمر الذي يتطلب ضخاً استثمارياً موازياً من جانب القطاع الخاص، وهو يلقي بدوره بمسؤولية كبرى على الحكومة الجديدة التي يجب عليها العمل سريعاً على طمأنة وتحفيز القطاع الخاص على العودة مجددا للعمل، وإنشاء المشروعات أو استكمال المشروعات القائمة. والاستثمارات المشار إليها مخصصة للأجهزة الحكومية الداخلة في الموازنة العامة للدولة حسب اتفاق مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وتعتمد في تمويل الجانب الأكبر منها على الخزانة العامة التي توفر نحو 43 مليار جنيه، بينما يجري تدبير بقية المبلغ اعتمادا على مصادر رأسمالية متنوعة وبعض المنح والقروض. أما البند الأخير من بنود المصروفات فهو بند مصروفات أخرى، ويبلغ حجمه نحو 33,2 مليار جنيه، وهذه مصروفات ترتبط بمتطلبات حتمية أي قد تدخل في مجال الدفاع ونفقات التسليح ومتطلبات الأمن القومي، وبالتالي يجب أن تحظى بالأولوية. هذه البنود الثلاثة سوف يجرى تمويلها بالعجز مما يشكل ضغطاً هائلاً على السيولة المتاحة لدى الجهاز المصرفي لأن مبلغ العجز الذي سيجري تعويضه بالاقتراض من البنوك يكاد يقترب من نسبة 10% من إجمالي قاعدة الإيداعات لدى الجهاز المصرفي بأكمله، وهذا يعني حرمان السوق من الحصول على تمويل منخفض التكلفة، وهذا يشكل عبئاً على الاستثمار، لأن اضطرار البنوك لشراء كميات كبيرة من سندات وأذون الخزانة سوف تدفعها إلى رفع أسعار العائد حتى تحصل على ودائع من أصحاب المدخرات، خاصة الودائع الطويلة الأجل، ومن ثم سوف ترتفع بالتبعية معدلات الفائدة على القروض التي تمنحها البنوك للقطاعين الخاص والعام، مما يزيد من تكلفة التمويل في السوق بصفة عامة، وهذا أول أثر جانبي للتمويل بالعجز. أما الأثر الثاني وهو الأكثر خطورة فيتمثل في حرمان الشركات الصناعية والخدمية من الحصول على تمويل أصلاً، أي إهدار الفرص البديلة في الاقتصاد، لأن البنوك سوف تجد نفسها حائرة بين أن تمول عجز الموازنة العام أو تمول الشركات، وسوف تنحاز بطبيعة الحال إلى تمويل العجز، لأنه مضمون حكوميا أي أقل مخاطرة، وهذا ما حدث بالفعل طيلة الأشهر الثمانية عشر الماضية، وصنع حالة الركود العامة في الاقتصاد، الأمر الذي يقتضي توفير مصادر تمويل لهذه التنمية، وإتاحة الفرصة أمام الجهاز المصرفي لحشد وتعبئة المدخرات الوطنية وتوجيهها نحو تمويل المشروعات، وكذلك مساعدة البورصة على التحول التدريجي من ساحة للمضاربة، وتحقيق أرباح لبعض المستثمرين على حساب البعض الآخر، إلى آلية للتمويل والاكتتابات العامة، ومساعدة صغار المدخرين على شراء أسهم الشركات الجديدة. وأشارت أمنية حلمي إلى أن سد الفجوة التمويلية يمكن التعامل معه بخطة متكاملة، وليس عبر حلول جزئية تتمثل في الاقتراض الخارجي أو غيرها من الحلول المؤقتة، بل يجب البحث عن موارد إضافية بتعظيم سبل الاستفادة من الثروات الطبيعية المتاحة بالبلاد مثل الغاز والمعادن، وغيرها والعمل على خلق قيمة مضافة لبعض قوى الاقتصاد الحي، وفي مقدمتها منطقة قناة السويس والسياحة والتصدير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©