الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

صناعة الصابون الحلبي تكافح التقليد

23 أكتوبر 2010 21:00
تعبق رائحة زيت الزيتون والغار النفاذة أجواء مدينة حلب القديمة مهد صناعة الصابون العريقة التي أبدت قدرة على الصمود والبقاء منذ رفعت الحكومة حظراً تجارياً في السنوات الخمس الماضية. بين المنازل ذات الأفنية والفنادق القديمة التي تعرف باسم الخان بالشوارع التي تشبه المتاهة توجد بضع ورش لتصنيع "الصابون الحلبي" يدوياً منذ مئات السنين. لكن القائمين على هذه الصناعة التقليدية العريقة يقولون إن المقلدين الجشعين الذين بدأوا تسويق صابون أرخص يحمل نفس الاسم يهددون بتقويض العلامة التجارية في أسواق التصدير الأوروبية المربحة. وقال صفوح الديري رجل الأعمال السوري الذي يصدر الصابون الحلبي إلى فرنسا منذ الثمانينيات "المستهلكون الاوروبيون لديهم قدرة كبيرة على التمييز. فهم ربما يدفعون العديد من اليورو مقابل قطعة صابون مكتوب عليها حلب لكنهم لن يشتروا الصابون السوري مرة اخرى إذا لم يحسن بشرتهم." وقال الديري الذي يعيش في ليون بفرنسا إن الصابون الحلبي أثر في تطور صناعة الصابون في مرسيليا خلال الاحتلال الفرنسي لسوريا ولبنان بين عامي 1920 و 1946. ولا يستخدم في صناعة الصابون الحقيقي الملقب بذهب حلب الأخضر سوى زيتي الزيتون والغار والماء وبالميتات الصوديوم وهي مادة طبيعية تعمل على إكساب ذلك الخليط الصلابة المطلوبة. وتقطع الكتلة الناتجة باليد وتترك لتجف لفترة تتراوح بين ستة اشهر وثلاث سنوات لجعلها تعيش اكثر. وأهم ما يميز الصابون الحلبي مظهره الخشن وقطعه المكعبة الكبيرة التي يزن كل منها ربع كيلو جرام تقريباً. ويتناقض نقاء الصابون وبساطته (زيت الزيتون مرطب طبيعي وزيت الغار منظف) مع الصابون الحديث الذي يستخدم في صنعه كل شيء بدءاً من دهن الخنزير الى عظام الخيل المطحونة بالإضافة الى زيوت "اقل نقاء" مثل زيت النخيل او زيوت البذور الأخرى. وجعل الطلب على المنتجات العضوية والطبيعية للصابون الحلبي سوقاً خاصاً في اوروبا حيث يفضله كثير من الأشخاص على الصابون الغربي "الفاخر" الذي يتكون مما يزيد على 20 مكوناً بينها بعض الكيماويات. وتراجعت التجارة في حلب التي كانت مركزاً تجارياً عالمياً على طريق الحرير القديم خلال العقود الماضية. وهو ما دفع بالعائلات الكبيرة في مجالي التجارة والأعمال إلى الهجرة للخارج. وخففت القيود على المشروعات الخاصة في السنوات الأخيرة مما اسهم في إعادة الشباب إلى وجه المدينة المعماري وفي زيادة السياحة ودعم جهود تسويق الصابون الحلبي. لكن رغم مساعي التسويق لا تزال خمس عائلات راسخة في صناعة الصابون وهي زنابيلي ونجار وفنصة وجبيلي وصابوني تعمل دون صخب حتى أنها لا تعلق لافتات إعلانية على ورشها. وتقوم الآن بتصدير أغلب إنتاجها الذي يقدر بستمئة طن في العام إلى أوروبا وكوريا الجنوبية واليابان خاصة أفخر انواع الصابون الذي تصل نسبة زيت الغار به الى 16 في المئة. ودفع نجاح تلك العائلات الى قيام عشرات إن لم يكن مئات المقلدين باستخدام الأصباغ الكيماوية لإكساب الصابون اللون الأخضر لزيتي الغاز والزيتون الطبيعيين. ويباع الصابون الصناعي لقاء دولارين للكيلو مقارنة مع 16 دولاراً أو اكثر للكيلو من الصابون التقليدي وذلك على حسب نوعية زيت الزيتون أو نسبة زيت الغار. وقال الديري إن غياب المعايير يجعل الصابون الحلبي يلقي نفس مصير المنسوجات التي كان الناس يتخاطفونها في أوروبا قبل أن تتراجع جودتها. وأضاف "يوجد بالفعل في فرنسا صابون صنع في الصين من زيتي الغاز والزيتون الطبيعيين. يمكن للحكومة السورية أن تحافظ على الجودة إذا وضعت مواصفات للصابون الذي يحمل اسم الصابون الحلبي". وفي ورشة زنابيلي، يستخدم نبيل زنابيلي نظارة مكبرة لفحص قطع الصابون الخاص بالتصدير للتأكد من جودتها. وقال زنابيلي بعد أن اشتم قطعة صابون "إنها من نوعية جيدة. زيت الزيتون جيد وبها نسبة لا بأس بها من الغار". وأضاف أن حلب كانت مركزاً لصناعة الصابون حتى قبل الميلاد إلى جانب انطاكيا فيما يعرف حالياً بتركيا ونابلس بفلسطين. كما تضم مدينة طرابلس الساحلية على البحر المتوسط والتي كانت لفترة طويلة تابعة لسوريا قبل أن تنضم إلى لبنان عام 1920 مصنعاً قديماً للصابون. لكن حتى عائلة زنابيلي طورت خطاً يضيف زيت اللوز والنعناع والليمون الى الغار لإرضاء بعض الأذواق الأوروبية والآسيوية رغم أنها تصر على أن منتجها لا يزال عالي الجودة. ويتعامل متجر سلطانة الذي يبيع الأنواع الفاخرة من الصابون وافتتح في حي الجديدة قبل ثلاثة اعوام مع مصنع يضيف عطر الياسمين المستورد من فرنسا إلى الصابون كما يتعامل مع مصنع صابون من زيت الغار. وقال مرهف صابوني، الذي تعمل عائلته في صناعة الصابون منذ 600 عام، إن شراء أحد الأسماء الراسخة رهان آمن إذ ليس لها مثيل من حيث الجودة والسمعة. لكن ربما يكون من الصعوبة بمكان العثور على الصابون الحلبي في السوق المحلية ويتعين على المستهلكين الذين يحرصون على شراء ذلك النوع من الصابون التوجه الى الورش في أحياء حلب القديمة.
المصدر: حلب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©