الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فصل النسيج المتخيل

فصل النسيج المتخيل
22 نوفمبر 2017 20:16
د. خزعل الماجدي تتّسع حدود علم الفلكلور لتشمل دراسة كلّ جوانب الثقافة الشعبية، في حين يتركز المثولوجيا، وهو علم دراسة الأساطير، ليعالج ويحلل أساطير الشعوب ويقارن بينها. حين تدخلُ الأساطير في التراث الشعبي، لأي شعب من الشعوب، لاتعود كما هي، في التراث العام المدوّن، بل تنفلت أواصرها وتتحول وتتماهى مع الحكاية بشكل عام ومع الحكاية الشعبية بشكل خاص. ولذلك يُفضّلُ، أولاً، التقاط العلاقة بين الأسطورة والحكاية الشعبية كمدخل لرسم العلاقة بين المثولوجيا والفلكلور كحقلين علميين يعالجان مادتهما بدقّةٍ ورويّةٍ ووفق آليات ومناهج علمية معروفة. التراث الشعبي، وعلم دراسة التراث الشعبي (الفلكلور) 1. التراث الشعبي: هو التراث الموروث عملياً وشفاهياً، بشكل خاص، لكل شعب من الشعوب المميزة بخواصها وطريقة عيشها ويشمل هذا التراث الأدب والفنون والعادات بأشكالها التقليدية والتي تكون، أحياناً، مجهولة المصدر والتأليف ومتوارثة، بعفوية، جيلاً بعد جيل. «التراث الشعبي عبارة عن المعتقدات والعادات الاجتماعية الشائعة وكذلك الرواية الشعبية. ويدل التراث الشعبي، بصفة عامة، على موضوعات الدراسة في الفلكلور، أو دراسة التراث الشعبي، أو دراسة الرواية الشعبية. وينبغي أن نرى الوحدة في كل هذه الموضوعات في كونها تجسد جميع جوانب الثقافة الروحية. ويشير اسم التراث الشعبي إلى إننا نتناول هنا تراثاً شفاهياً ينتقل من جيل إلى آخر داخل الشعب» (هولتكرانس 1972 : 95 ). لابد من التذكير أن التراث الشعبي هو المادة الشعبية، وأن الفلكلور هو العلم الذي يدرسها بمناهج بحث علمية دقيقة. ولذلك يكون دورنا عرض هذا التراث الشعبي وتسجيله وتدوينه بأمانةٍ، وتقديمه للبحث العلميّ. يرى (السير وليم جون تومز) أن الشعب يصبح هو ذلك (الجزء من السكان الذي احتفظ بالعادات وآداب اللياقة القديمة) أي الفلاحين وأهل الريف، أما (أندرو لانج) فيعرّف الفلكلور بأنه (دراسة الرواسب أو الموروثات الثقافية) ويستكمل بقية العلماء ربط الشعب بماضيه القديم، فيرى (ردفيلد) أن الشعب (جماعة محافظة ملتزمة بالقديم) وأن مصطلح الشعب يشمل الفلاحين والأجلاف الذين لا يعتمدون على المدينة اعتماداً كاملا. أما (أودم) فيري أن الشعب يعني (جماعة تاريخية يرتبط أفرادها بتراث مشترك وشعور خاص بالتعاطف قائم على خلفية مشتركة). 2. الفلكلور: يتألف اصطلاح فلكلور من مقطعين Folk ويعني الناس أو الشعب وLore ويعني علم أو معرفة أو حكمة، وتعني الكلمة بذلك (علم الشعب)، أو (معارف الناس) أو (حكمة الشعب)، وجاء أصل المصطلح من اللغة الألمانية ( فولكسكاندا Volkskunde) والذي يعني (علم الشعوب). ونرى أن مصطلح فلكلور يعني على وجه الدقة، علم دراسة التراث الشعبي. يُعتبر «السير وليم جون تومز William Jhon Thoms» أول من صاغ مصطلح «فلكلور» في رسالة بعث بها في مجلة «ذي اثنيكوم The Athenacum» في سنة 1846. وقد اعترفت جمعية الفلكلور الإنجليزية بهذا المصطلح عند تأسيس سنة 1877. تطور علم الفلكلور كثيراً في غرب وشرق أوروبا وفي أميركا، لكن تأخر احتضانه من قبل الجامعات الغربية ساهم في تعطيل نموه الأكاديمي، ورغم ذلك ظهرت مناهج علمية لدراسة التراث الشعبي، بعضها قديم مثل المناهج التاريخية والجغرافية والاجتماعية، وبعضها حديث مثل المناهج النفسية (ريتشارد فايس، أدولف باخ)، والبنيوية (فلاديمير بروب، كلود ليفي شتراوس)، والوظيفية (مالينكوفسكي وبراون). ثانياً: الأسطورة، وعلم دراسة الأسطورة (المثولوجيا) 1. الأسطورة: لعلّ أكبر مشكلة في فهم المعنى الدقيق للأسطورة والمعنى الدقيق للمثولوجيا يكمن في فرز الأسطورة، أولاً، عن الأنماط التي تشبهها وتتداخل معها كالملحمة والخرافة والحكاية الشعبية. فالأسطورة هي (حكاية مقدسة) أو هي (تاريخ مقدس) يكون على شكل سردي شعري، ويكون محورها إلهاً أو كائناً إلهياً، وتتحدث، في الغالب، عن موضوعات كبرى، كالخلق وأصول الأشياء والموت والعالم الآخر، وهي ذات قدسيّة وسلطة عظيمة في عصرها وعلى من يؤمن بها. وهي بلا مؤلف لأنها نتاج خيال جماعي لا فردي يمتاز بالثراء الروحي. الأسطورة، إذن قصة تقليدية ثابتة نسبياُ ومقدسة ومربوطة بنظام ديني معين ومتناقلة بين الأجيال ولا تشير على زمن محدد بل إلى حقيقة أزلية من خلال حدث جرى، وهي ذات موضوعات شمولية كبرى محورها الآلهة ولا مؤلف لها، بل هي نتاج خيال جمعي. ويرى مرسيا إلياد أنها تشير إلى (تاريخ مقدس) أي إلى (تاريخ روحي) يحمل القليل من التاريخ الواقعي. كذلك تعمل الأسطورة على ربط الإنسان بآلهته وعدم نسيانهم بل ومشاركتهم القداسة. ورغم أن الأساطير نماذج عليا بالنسبة للإنسان لكنها تتيح له مشاركة الآلهة باستعادة قصّها أو الاستماع إليها وعلى الإنسان الديني في المجتمعات الابتدائية أن يحترس من نسيان الأساطير قوام (تاريخه المقدس): إنه إذ يعيد الأساطير في الحاضر فإنه يُدني آلهته ويشارك في القداسة. ولكن ثمة أيضاً (تواريخ إلهية) مفجعة لأن الإنسان يضطلعُ بمسؤولية جسيمة حيال ذاته وحيال (الطبيعة) حين يعيدها في الحاضر على وجه دوري» (إلياد 1994 : 88). أصل كلمة (أسطورة) العربية: ونرى أن مصطلح (أسطورة) العربي انحدر من اسم الإلهة عشتار الأكدية البابلية، فقد تحور اسمها في اللغات السامية القديمة إلى إستار وإسطار وصار في العربية أسطورة، والمقصود بذلك الحكايات التي دارت حول إلهة الحب والجمال عشتار، ومن هذا الاسم ظهرت كلمات (star) أي النجمة في اللغات اللاتينية والمقصود بها نجمة الزُهرة، وكلمة (story) أي القصة وهي حكاية عشتار أو أسطورتها وغيرها من الكلمات وقد ثبتنا هذا الرأي في أكثر من كتابٍ ومناسبة. أصل كلمة اسطورة (مِث ) الأجنبية: أما كلمة (myth) اللاتينية (أي أسطورة) فيرى الباحثون أنها مشتقة من الجذر اليوناني (muthas) بمعنى قصة أو حكاية أو من (mouth) بمعنى الفم وهو ما يخرج من الفم من حكايات أو كلام. وتختلف الأسطورة عن الحكاية الشعبية في كون الأخيرة خالية من أي دور مركزي للآلهة والكائنات الإلهية فهي غير مقدسة وخارجة عن المنظومة الدينية العضوية حتى وإن كانت، في بعض الأحيان، ذات موضوعات دينية. لكنها على العموم فن أدبي دنيوي شعبي تجود به خيالات الناس عن ما يمر به الناس من أحداث وموضوعات تصلح لأن تكون مادةً للعظة والتندر واستنباط الدروس. إن الحكاية الشعبية تخلو من البعد الروحي وتندرج في ما هو يومي وعادي، لكنها تكتنز بعفوية أفعال الناس ومسعى حياتهم. أما الأسطورة فعكس ذلك تماماً، فهي ترفع الحادثة العادية إلى المستوى القدسي وتكسبها بعداً يرتقي بها إلى كونها الأصل، وكذلك تبدو التفاصيل الأخرى وكأنها تاريخ مقدس. 2.المثولوجيا: الميثولوجيا هي علم دراسة الأساطير ويتكون هذا المصطلح من مقطعين: الأول هو ميث (Myth) المشتق من الجذر اليوناني (Mu-thas) ويعني قصة أو حكاية أو من الجذر (Mythos) ويعني قصة غير واقعية والثاني هو (Logy) ويعني العلم أو الدراسة العلمية، وهو مشتق من الجذر (Lo-gos) الذي كان يشير في الفلسفة إلى المبدأ العقلي وبذلك تكون المثيولوجيا هي الدراسة العلمية للأساطير وفحصها وفق القواعد العلمية المتبعة «وقد كان أفلاطون أول من أستعمل تعبير Muthologia للدلالة على فن رواية القصص وبشكل خاص ذلك النوع الذي ندعوه اليوم بالأساطير ومنه جاء تعبير (Mythology) المستخدم ميز به أهل تلك الحضارات الحكاية الأسطورية عن غيرها» (السواح 1994 : 56). ومن المؤكد أن (فن رواية القصص) الذي نسبه أفلاطون للميثولوجيا ليس هو (علم دراسة الأساطير) فالأول يكاد يدخل في فن القصة والرواية، أما الثاني فهو علم معاصر لا يختلف عن بقية العلوم الإنسانية ويعنى بدراسة شريحة اسمها (الأسطورة) التي عرفنا ماهيتها سابقا، ونلاحظ أن زينوفون اليوناني كان درس الأساطير مبكراً وانتقدها، موضحا أن «هناك إلهاً واحداً عظيماً بين الآلهة والبشر لا يشبه البشر في هيئته أو تفكيره».. هكذا لا يرضى زينوفون عن آلهيته الناسوتية التي ينسبها الإغريق لألهتهم (شعراوي 1982: 41). يكاد الفلكلور يدخل الميثولوجيا بالتعميم ذاته الذي تدخلها فيه علم دراسة الأديان أو الأنثروبولوجيا، إذ إن دراسة الأساطير وجمعها ضمن متن كبير في هذا العلم تتناول المرويات الفولكلورية من أساطير وخرافات وحكايات شعبية وملاحم وقصص حيوان وغيرها، إن الفلكلور يعنى تحديداً جمع ودراسة «ما يصدر عن الشعب من إبداع وما يمارسه من شعائر ومراسيم وما يصدر عنه من عادات وتقاليد، أو هو بعبارة أخرى يدل على المادة الشعبية التي أصبحت موضوعاً لعلم قائم بذاته هو علم الفلكلور، الذي يكاد يكون له مجاله المحدد ومنهاجه المتفق عليه ومصطلحاته التي تتمتع بقدر من الدقة، وهو مع استقلاله فرع مهم من فروع العلوم الإنسانية يتبادل وأياها النتائج والأحكام، ويفيد منها كما تفيد منه في مجال البحث والتمييز والتصنيف والعرض» ( يونس 1972: 16) . إن علوم دراسة الأديان والأنثروبولوجيا والفولكلور هي علوم ذات مدى واسع ومجالات كثيرة حين يتخصص علم دراسة الأساطير بموروث محدد وله مواصفات محددة سنأتي على عرضها. العلاقة بين المثولوجيا والفلكلور تطورت كثيراً وقد بدأ (جاكوب جريم) بتأسيسها حين صور في كتابه (المثولوجيا الألمانية) «المعتقدات الألمانية العتيقة بالرجوع مباشرة أو بطريق غير مباشر إلى الأدب القديم أو مختلف الموضوعات التاريخية، ولكنه كان يرجع أساساً إلى ما كان، في رأيه، محفوظاً في الشعر الشفاهي والأمثال والأقوال السائرة والألغاز والأغاني والحكايات الأسطورية والحكايات. وقد كان لهذا الكتاب تأثير كبير على الدارسين المعاصرين، وعلى مرّ السنين كان النموذج العلمي الذي احتذاه علماء الفلكلور في مختلف البلدان « (سولوكوف 2000 : 182). ويرى سولوكوف أن هناك علاقة محكمة بين الفلكلور والمثولوجيا أقامها جريم حين قال بأن «عمل جريم الذي خصصه لتنظيم وشرح الأساطير الألمانية، إلى حدٍّ ما، السبب الذي جعل مفهوم (جريم) العلمي في الفلكلوريات يعرف بأنه (النظرية الميثولوجية) أو (المدرسة الميثولوجية) وهو الاسم الذي ثبت في تاريخ علم الفلكلور «(سولوكوف 2000: 184). ..........................................المراجع 1. إلياد، مرسيا: المقدّس والعادي، ترجمة د. عادل العوّا. صحارى للصحافة والنشر-بودابست (هنكاريا) ( 1994). 2.السواح، فراس : دين الإنسان ، منشورات علاء الدين، دمشق (1994 ). 3.سولوكوف ، يوري : الفلكلور وقضاياه وتاريخه ، ترجمة حلمي شعراوي ، عبد الحميد حوّاس ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة (2000). 4.شعراوى عبد المعطي : أساطير أغريقية ج1 ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة (1982). 5.هولتكرانس ، إيكه : قاموس مصطلحات الإثنولوجيا والفلكلور ، ترجمة الدكتور محمد الجوهري والدكتور حسن الشامي ، ط2،الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة ( 1972 ) . 6.يونس عبد الحميد : الفولكلور والميثولوجيا ، مجلة عالم الفكر ، وزارة الإعلام الكويت العدد1 (1972).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©