السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

ورحل الأمير البنفسجي فهد النويس

ورحل الأمير البنفسجي فهد النويس
25 أغسطس 2006 00:20
منصور عبدالله: ودعت الإمارات فهد النويس·· الأمير البنفسجي·· أحد الذين تركوا بصمات واضحة على معالم الكرة الإماراتية·· ودعت الإمارات أحد الذين اتسموا بدماثة الخلق وحسن السيرة والسريرة·· ودعت رياضياً ولاعباً فذاً ورجل أعمال ناجحاً وجامعياً مثابراً وإنساناً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وأخاً وصديقاً للجميع·· فهد حسن النويس كان المثال الأروع للشاب الإماراتي·· فالأمير البنفسجي كان ولا يزال يعبر عن نشاط الفرد الاجتماعي في كافة المجالات·· واختار التجربة والاجتهاد على الراحة والنعيم اللذين كان بإمكانه التمتع بهما بعيداً عن المستطيل الأخضر ولد فهد في يوم لن ينساه العرب في 5 يونيو عام 1967 في أبوظبي، نشأ في بيئة علمية وعملية، تعشق التجارة وتلتزم بالدين وتجتهد في الدراسة، أما مجال الرياضة فلا تتعدى حدود الرياضة البحرية أو الخيول، ولكنه - يرحمه الله - كان يملك أكثر من ذلك لم يجر حب الكرة في دمه نظراً لصغر سنه وعدم ميل أبناء جيله للكرة، كذلك كان تعلقه بالبحر أكثر، حيث كان يصطحبه والده، امتاز في طفولته بخفة دمه ومشاغباته العفوية ومداعباته اللطيفة لجميع من حوله، الذين لا يزالون يتذكرون تلك المواقف حتى يوم عزائه خرج الأمير البنفسجي من عائلة ثرية، وكسر هذا مقولة إن الكرة لعبة الفقراء، ودخل عالم المستديرة ولكن في دوحة الجميع العاصمة القطرية، حيث انتقل والده إلى قطر لظروف عمله، فانتقل فهد الصغير مع والديه، ومن هنا بدأت الحكاية وبدأ مداعبة الكرة في ''فريج الغانم'' مع عيال الحارة، رفقاء الصباء، منهم النجم القطري مبارك مصطفى والحارس القدير أحمد خليل والإداري الحالي لمنتخب قطر فهد الكواري ومحلل قناة ''الكأس'' ناصر الهتمي ومذيع القناة محمد دهام ومستر هاتريك (محمد العنزي) الذي يلعب للجزيرة حالياً، ولم يكن تعلق فهد بكرة القدم صدفة، بل أن بيت كابتن منتخب قطر السابق ماجد الصايغ كان سبباً رئيسياً لدخوله عالم الكرة، فكان الأمير البنفسجي يرتع ويدخل من دون استئذان لبيت الصايغ، لأنه أصبح منهم وأحبته الأسرة كثيراً، لدرجة أن والدة ماجد الصايغ كانت تتردد كثيراً على الإمارات لزيارة ابنها الفهد كان فهد ملازماً للصايغ كثيراً، حتى في تدريبات المنتخب، وكان يسمح له بالدخول مع اخوانه خالد وعادل لأرضية الملعب أثناء تدريبات المنتخب القطري استعداداً لدورة الخليج الرابعة في الدوحة عام 1967 في تلك الأيام كان مدرب المنتخب البرازيلي ايفريستو كثيراً ما يداعب فهد، ويبدو أن هذه العلاقة الطيبة قد أهلت فهد ليكون أحد المشاركين في دورة الخليج الرابعة، حيث اختير مع زملائه ليشاركوا في طابور وفعاليات البطولة انضم فهد إلى نادي العربي القطري وهو في التاسعة من عمره مع زملاء الفريج، إلا أن توقيت العودة إلى الإمارات أنهى الأحلام الوردية لهذا الأمير الصغير الذي بدأ الانجذاب للكرة لمتعتها وجمالها، فقرر استكمال الحلم عاد فهد إلى أبوظبي عام 1982 وكان أول شيء يفعله ممارسة الكرة في الحارة، في المدرسة، في أي مكان، وهذا ما دفعه لتكوين فريق في المدرسة، ولموهبته وشخصيته القوية انضم إلى فريق الشيخ راشد بن حمدان في بطولات الأحياء والحارات، فشاهده عمه يوسف النويس وقرر اصطحابه إلى نادي الجزيرة وسجله في مدرسة الكرة· أول من دربه كان المحترف المصري في صفوف الجزيرة عبدالعزيز حسن، الذي لاحظ على فهد بأنه بطيء وكسلان وكثير الغياب عن التدريبات، ولم يتنبأ أحد بأنه سوف يكون في يوم من الأيام أفضل هدافي ولاعبي الكرة في تاريخ نادي الجزيرة، إلا شخص واحد وهو البرازيلي جوزيه كارلوس مدرب الفريق الأول، فقد شاهد فهد في إحدى المباريات لدوري تحت 16 سنة في موسم 83/1984 الذي فاز ببطولته الجزيرة، كانت مباراة الجزيرة وعجمان ويومها طبع الفهد على شباك عجمان ثلاثة أهداف، فلفت أنظار كارلوس فقرر ضمه إلى الفريق الأول عام 1985 هذا القرار لاقى معارضة كبيرة بسبب صغر سن فهد، إلا أن جوزيه كارلوس قال لهم: ''فهد ولد ليلعب مع الكبار'' وتم ضمه مباشرة إلى الفريق الأول· انضم فهد إلى الفريق الأول في موسم 85/،1986 وكانت مباراته الأولى أمام العين، وعلى الرغم من الخسارة الثقيلة التي تلقاها فريق الجزيرة، إلا أن الفهد قدم مستوى لافتاً للنظر وتوج هذا المستوى بإحرازه هدفاً في شباك العين، يومها كتبت إحدى الصحف مانشيتاً عن هذه المباراة ''ظهر الفهد وغاب الدفاع'' وبعد أن هبط الجزيرة في هذا الموسم استطاع الفهد قيادة فريقه إلى الصعود إلى دوري الدرجة الأولى وطوال مشاركاته كان الفهد القائد المحنك للفريق، وصحيح أنه لم يستطع الحصول على أي لقب مع العنكبوت الجزراوي، إلا أنه كان أفضل من أنجبتهم الكرة الجزراوية أخلاقاً ومهارة وفنيات عالية، وطوال السنوات العشر التي قضاها الفهد مع الفريق منذ عام 1985 حتى عام 1995 كان اللاعب الذي يفهم معنى كرة القدم قبل أن يركلها، ويكفي أنه سجل مع الجزيرة ما يقارب الـ 55 هدفاً في جميع المسابقات سواء في الدرجة الأولى أو الثانية· قال بسام مفتاح أحد مدربيه السابقين: أحد أسباب هبوط الجزيرة إلى الدرجة الثانية عام 1995 هو رحيل فهد النويس إلى العين! حيث انضم فهد عام 1995 إلى نادي العين، ليكتسب لقب الأمير البنفسجي بعد أن سطر الإنجازات وكتب المجد بحروف من ذهب مع الزعيم· كان الفهد يرتدي مع الجزيرة رقم (13) الذي يمثل الشؤم والنحس للبعض، إلا أن إصراره وعزيمته جعلاه أحد أمهر المهاجمين الذين عرفتهم الكرة الإماراتية طوال تاريخها، وعندما تحول الفهد لارتداء القميص البنفسجي، لم يترك هذا الرقم، بل كان على يقين بأنه رقم الحظ بالنسبة له في القلعة العيناوية، فقد كان الرقم (13) بالنسبة للجماهير العيناوية عشقاً وجنوناً حينما كان غزال العين أحمد عبدالله يرتديه، فاختار الأمير البنفسجي أن يحمله ليكسب مكانة خاصة في قلوب العيناوية، وبالفعل أصبح أحد النجوم الذين تركوا بصمة طيبة في أذهان عشاق الزعيم· مع نهاية موسم 99/2000 فوجئ الجميع بقرار إيقاف فهد النويس، ولم يعرف السبب الحقيقي حتى الآن! إلا أن النويس ألمح إليه في مقابلة صحفية قائلاً: منذ صدر قرار إيقافي وأنا في ذهول، فالقرار صدر وأنا في القمة وبعد أن قدمت موسماً رائعاً وساهمت مع زملائي في الحصول على بطولة الدوري وكان لي شرف تسجيل هدف البطولة في مرمى الجزيرة، ووسط مظاهر الفرحة أصدرت الإدارة السابقة قرار إيقافي، وتحملت الصدمة في صمت ورفضت وبإصرار التحدث عن الأسباب احتراماً لقيادات نادي العين، وأضاف في هذه المقابلة التي كانت في نهاية الموسم في العاصمة المصرية القاهرة: يكفي أن يعلم البعض أن إيقافي لم يكن لأسباب شخصية بل للدفاع عن زملائي اللاعبين، لم أختلف حول حق من حقوقي ولم تكن القضية خاصة بي، بل عن توزيع مكافآت البطولة بشكل أضر ببعض اللاعبين المخلصين للعين، ولم أتطاول ولم أتجاوز حدودي كلاعب، بل على العكس احترمت الجهاز الإداري ولكن صممت على إبداء وجهة نظري بصراحة كما عودتنا قياداتنا· وفي خضم الأفراح بلقب كأس رئيس الإمارات موسم 2000/2001 قرر الأمير البنفسجي اتخاذ القرار الصعب على من يعشق الكرة ويمارسها للمتعة، فأعلن اعتزاله لكرة القدم بشكل نهائي·· وانضم إلى عضوية هيئة الشرف العيناوية· على صعيد المشاركات الدولية انضم فهد إلى منتخب الشباب ثم المنتخب الأول وذلك في عام ،1989 ليتشرف كونه أحد صناع إنجاز التأهل إلى نهائيات كأس العالم 1990 في إيطاليا، وبطبيعة الحال كان المنتخب الإماراتي في ذلك الوقت يضم أكثر من نجم، فكان من الصعب أن ينتزع له مكاناً في صفوفه، ولكن في الوقت الذي ظن الجميع بأن الأمير قد انتهى، عاد لبوابة الأبيض مرة أخرى عام ،1998 ليشارك مع زملائه في دورة الخليج الرابعة عشرة في البحرين، كما لعب فهد عدة دورات ودية مع الأبيض وأحرز واحدة منها عام 1998 بمشاركة السودان ولبنان وسوريا· اشتهر فهد النويس بأناقته الدائمة سواء داخل الملعب أو خارجه، وقد ظهر كنجم إعلان لماركات عالمية للأحذية، وقد عمد الظهور في الإعلانات قاصداً فتح الباب لنجوم الإمارات الذين يعتبرون الإعلانات عيباً، ولكنه تطور بفضل عمه ناصر النويس الذي كان يلاحقه ويحاول إقناعه للدخول في عالم ''البزنس''، فرضخ الأنيق فهد وقرر دخول هذا العالم، وبفضل دراسته التي كان قد أنهاها في القاهرة والتي أصبحت محطة شبه دائمة له يتنقل بينها وبين أبوظبي لظروف عمله ودراسته واختياره المستقبلي الجديد، ولم يكتف بذلك بل أنهى دراساته العليا وحصل على الماجستير في إدارة الأعمال وذلك قبل أن يلاحقه المرض، أما عملياً فقد أصبح نائب رئيس مجلس الإدارة في مجموعة روتانا الفندقية، واستفاد من فترة الإيقاف لتغيير مساره في الحياة، وتعلم من عمه أصول الإدارة وكيفية التعامل في قطاع الفنادق، وتولى إدارة سلسلة فنادق روتانا المنتشرة في الإمارات وسوريا ولبنان ومصر وقطر والكويت والسعودية· رحلة فهد مع المرض بدأت عندما شعر بصداع مزمن عام ،2003 ولكنه ازداد عام ،2004 وبدأت أعراض مرضه تزداد، إلى أن بدأ رحلة العلاج التي بدأت في ديسمبر 2004 بإجراء عدة عمليات، وعاد في يناير ،2005 وفي إحدى الأيام زاد عليه المرض، ليذهب إلى ألمانيا، وليكتشف بأنه يعاني من ورم خبيث في رأسه من الدرجة الثانية، أي أنه في حاجة إلى العلاج المكثف حتى لا يصل إلى الدرجة الخطيرة، واصل الفهد العلاج وابتعد عن الإمارات لفترة طويلة، وقد نصحه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالذهاب إلى مستشفى دبليو أندرسون في أميركا المتخصص في هذه الأمراض الخبيثة، فكثف العلاج هناك وحصل تحسن في حالة فهد، لدرجة أنه كان يلعب كرة القدم مع زملائه هناك وكان يتمتع بصحة جيدة، وعندما عاد إلى الإمارات في نوفمبر 2005 ساءت حالته من جديد وفي فبراير 2006 عاد إلى أميركا لتكتشف أسرته بأنه وصل إلى درجة الخطر! وما بين السفر والبحث عن العلاج·· ازدادت حالة فهد سوءاً·· فعاد إلى الإمارات في 29 يوليو ،2006 وكانت آخر مباراة يشاهدها فهد في نهائيات كأس العالم 2006 هي مباراة البرازيل وغانا، ومنها بدأ فهد يدخل في غيبوبة وبدأت بعض أعضائه تتوقف عن العمل، وكان يمنع أي شخص من الدخول عليه، وكان آخر من شاهده هو حارس فريق العين معتز عبدالله، الذي خرج من عنده وهو يبكي، واستمرت الأيام إلى أن رحل في صمت كحالته التي عاش بها وترعرع عليها بين إخوانه وأسرته حتى لحظة المرض الذي لم يمهله طويلاً ليرحل عن الدنيا، لتبقى ذكراه العطرة بين وجداننا وابتسامته البريئة·· رحم الله فهد النويس·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©