السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصفقة النووية: تنازلات غربية.. وتصلب إيراني

الصفقة النووية: تنازلات غربية.. وتصلب إيراني
22 يوليو 2015 23:16
الآن، يبدو أن الرئيس باراك أوباما وإدارته بدأوا بتسويق الصفقة النووية الإيرانية، وذلك عندما قالوا إن المفاوضين الأميركيين تمسكوا بخطّ متشدد ضد محاولات الدقيقة الأخيرة التي بذلتها إيران للحصول على المزيد من التنازلات، إلا أن مقارنة بنود الصفقة التي تم إبرامها مؤخراً بمسودة اتفاقية «الإطار» التي تم التوصل إليها في شهر أبريل الماضي، تثبت أن الغرب قدم تنازلات كبيرة لإيران في الأيام الأخيرة التي سبقت الإعلان عن اتفاقية فيينا. وفي بعض الحالات القليلة، كان الخط الذي تبناه البيت الأبيض يتطابق بشكل جزئي مع الحقيقة، فلقد كان قادة إيران يصرحون بشكل علني بأنهم مصممون على منع المفتشين الدوليين من دخول المواقع العسكرية الإيرانية، وبأن فريقهم المفاوض حاول الحصول على قرار فوري برفع الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على تصدير الأسلحة إلى إيران، وفي كلتا الحالتين، قبلت إيران بحلول وسطى من أجل التوصل إلى اتفاقية نهائية، ولكن، وفي معظم الحالات كان الغرب هو الذي فُرض عليه التراجع عن شروطه وبأساليب تنطوي على كمّ أكبر من الدهاء من الجانب الإيراني. وعلى سبيل المثال، وفي شهر أبريل الماضي، علمت الولايات المتحدة أن: «إيران التزمت بشكل قاطع بعدم مواصلة عملية إعادة تخصيب اليورانيوم، أو متابعة البحوث المتعلقة بإعادة التخصيب، أو معالجة الوقود النووي المستهلك». إلا أن الاتفاقية الجديدة تسمح لإيران بإعادة معالجة الوقود النووي بعد 15 عاماً، وجاء في نص الاتفاقية النهائية أن في وسع إيران أن تبدأ بإنتاج أجهزة طرد مركزي فعالة لتخصيب اليورانيوم خلال ثماني سنوات. وأما «مسودة أبريل»، فلقد أشارت بصريح العبارة إلى أن البحوث المتعلقة بتطبيق تقنيات الطرد المركزي المتطورة لابد من حظرها لمدة 10 سنوات. وكان مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية قد قالوا في شهر أبريل إن الاتفاقية النووية سوف تسمح للمفتشين بالدخول «في كل وقت» و«إلى أي مكان» للتفتيش داخل المواقع التي يحوم حولها الشك بأنها تتضمن نشاطات نووية، إلا أن الصفقة الجديدة تمنح إيران الحق في استلام إشعار مسبق بعملية التفتيش قبل 24 يوماً من موعد وصول المفتشين، فضلاً عن الشك فيما إذا كانت ستسمح لهم بزيارة المواقع التي يحددونها، ووافقت الولايات المتحدة أيضاً في الأيام الأخيرة على إجراء محادثات تهدف إلى دفع الأمم المتحدة لرفع الحظر المفروض على إيران لاستيراد الأسلحة التقليدية خلال خمس سنوات، وإنهاء العقوبات المفروضة عليها فيما يتعلق ببرنامج امتلاك وتطوير الصواريخ البالستية خلال ثماني سنوات، ويذكر أن هذين الشرطين الأخيرين لم يتم التطرق إليهما في مسودّة اتفاقية الإطار التي تم التوصل إليها خلال شهر أبريل الماضي. غموض الماضي النووي تزايد القلق مؤخراً عندما نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الثلاثاء 7 يوليو «خريطة طريق» تشير فيها إلى الطريقة التي ستعمل بموجبها لحل المشاكل العالقة حول التاريخ الحقيقي لانطلاق المجهود النووي الإيراني لبناء الأسلحة النووية، وجاء في حيثيات النقطة الأولى التي وردت في «الخارطة» أن وصف إيران للطريقة التي رسمت بها خططها وأهدافها النووية غامضة بشكل خطير.. وعلى نفس القدر من الأهمية، وحتى شهر مايو، كان موقف الولايات المتحدة يشدد على أن من واجب إيران أن تأتي بكشف كامل الوضوح عن تفاصيل ماضيها النووي قبل الحديث عن رفع أي من العقوبات المفروضة عليها. والآن، وفي الصفقة الجديدة، تم التغاضي عن هذه المسألة تماماً. وإذا كان من حقائق الأمور أن «صفقة أبريل» لم تكن إلا اتفاقية إطار يتم التفاوض حولها، وأن بنودها يمكن أن تشهد بعض التغيير والتعديل مثلما هو متوقع في مثل هذه الحالات، إلا أن حقيقة ما حدث بعد ذلك تتعلق بسلسلة من التنازلات والتراجعات من طرف الفريق الأميركي المفاوض اضطر للقبول بها واحدة تلو الأخرى منذ الربيع، وحتى موعد التوصل إلى الاتفاقية النهائية. وفي إطار توصيف ما حدث بشكل دقيق، قال لي «فاليري لينسي» المدير التنفيذي لـ«مشروع وسكونسن لحظر انتشار الأسلحة النووية»: «لقد انطوت مسودّة الاتفاق على مساحة من الغموض كانت كافية لإعطاء الانطباع بأن مباحثات «لوزان» لم تشهد أي تنازلات غربية. ولكنني عندما قرأت نص الاتفاقية، بات من الواضح بالنسبة لي أن الكثير من التنازلات قد قُدمت في صلب التفاصيل المتعلقة بالتخصيب المتطور وإعادة معالجة البلوتونيوم والتفتيش». وعلى أن التنازلات التي قدمها الفريق الغربي المفاوض والمتعلقة بالسماح لإيران بتطوير تقنيات الطرد المركزي المتقدم، والذي سيبدأ (بحسب الاتفاقية) بعد ثماني سنوات، تثير الكثير من القلق. وقال لي «بليز ميستال» مدير «برنامج الأمن الوطني» في «مركز سياسات الحزبين» إن هذه الاتفاقية تشكل «خطوة إلى الوراء». لأن في وسع أجهزة الطرد المركزي المتطورة أن تخصّب كميات أكبر من اليورانيوم وبسرعة أكبر بكثير من أجهزة الطراز IR-1 البالية التي تستخدمها إيران الآن. تنازلات «الطرد المركزي» وأيضاً، أخبرني «دافيد أولبرايت» المفتش السابق عن الأسلحة النووية، وهو أيضاً مؤسس ورئيس «معهد العلوم والأمن الدولي» الحكومي الأميركي، إن التنازلات التي قُدمت فيما يتعلق بالطرد المركزي شكلت بحد ذاتها مفاجأة كبيرة. وأضاف: «يبدو لي أنها ستفتح الطريق أمام إيران للتوسع في استخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدم في وقت أبكر مما كنت أتوقع أو أريد». وتنبأ بأن تتمكن إيران من تنصيب طاردات مركزية متطورة من الطرازين (IR-6)، و(IR-8) خلال 13 عاماً، وعلق على ذلك قائلاً : «وهذا سيسمح لها بأن تقصّر زمن التخصيب إلى أيام أو أسابيع قليلة». وأبدى «أولبرايت» أيضاً قلقه من التنازلات التي تسمح لإيران بإعادة معالجة الوقود النووي المستهلك. وقال: «لا تمثل هذه الاتفاقية إلا تحديداً مؤقتاً للقدرات النووية الإيرانية». ومن جهة أخرى، عبّر بعض الخبراء عن تفاؤلهم بشأن الاتفاقية. ومنهم «داريل كيمبول» المدير التنفيذي لـ«رابطة حظر انتشار الأسلحة» الحكومية الأميركية، الذي أشار إلى أنه في وقت كان يأمل فيه أن يبقى الشرط المتعلق بفرض «الحظر الكامل» على إيران لإعادة معالجة الوقود النووي المستنفد في نص الاتفاقية النهائية، إلا أنها تضمنت بدلاً من ذلك نصّاً أقل حدّة يشير إلى أن على إيران «ألا تعمد» إلى معالجة الوقود النووي المستنفد. وأضاف: «هذا مهم جداً لأن من غير المقبول أن نخسر الغابة كلها من أجل إنقاذ بعض الأشجار، وهذه الاتفاقية، شأنها كشأن أي اتفاقية أخرى، لا يمكنها أن تتضمن كل ما نريده، ولكنها تمثل أفضل الممكن، ويضاف إلى ذلك أنها اتفاقية قوية يمكن التحقق من تنفيذ بنودها بفعالية». وأما فيما يتعلق بإشعار إيران قبل 24 يوماً من الموعد المحدد لوصول بعثة المفتشين لزيارة المواقع التي يدور حولها الشك، فلقد أكد أوباما قبل أيام أن هذا الوقت ليس كافياً لإيران حتى تقوم بإخفاء منشآتها النووية الصناعية، وقال في بيان صحفي: «إنها ليست بالشيء الذي يمكنك أن تدسّه في خزانة أو تضعه فوق عربة يمكن جرّها إلى مكان ما». السوابق الإيرانية قال «كيمبول»: إن من شأن هذه المخاوف التي يبديها الغرب أن تثني إيران عن التفكير في خرق بنود الاتفاقية لأن الولايات المتحدة وشركاءها في المفاوضات سوف يعيدون العمل بالعقوبات المفروضة عليها إن لم تلتزم بتلك البنود. ويبدو أن القليل فحسب من الخبراء يتفقون مع رؤية «كيمبول» هذه، وأن هناك الكثيرين ممن لا يقتنعون بها، ومنهم المستشار الأبرز السابق لأوباما في قضايا الشرق الأوسط «دينيس روس» الذي قال في هذا الصدد: «بالنظر إلى السجل السابق لإيران، فإن من المحتمل أن تتلاعب على الهوامش في محاولة منها لاختبار الوسائل التي سيستخدمها الغرب في التحقق، ولتتعرف من ذلك على الطرق التي يمكنها اتباعها لتغيير الأسس التي تقوم عليها الاتفاقية». وسوف تكون هذه القضايا كلها محل جدل وحوار عندما يجتمع الكونجرس خلال هذا الصيف للتصويت على ما إذا كان سيوافق أو يرفض «صفقة أوباما». ولكن، وفيما يبدو أن هذا الجدل قد انطلق بالفعل منذ الآن، فإن من الجدير القول بأن وزير الخارجية «جون كيري» وفريقه المفاوض راح يقدم التنازلات للإيرانيين حتى نهاية المطاف من أجل إنقاذ الاتفاقية التي سبق لها أن أثبتت منذ عام 2013 أنها تمثل حالة الانهيار الحقيقي للموقف التفاوضي الأميركي. ويمكننا أن نتذكر أن أوباما قال في ذلك الوقت إنه يربط رفع العقوبات المفروضة على إيران بتفكيك البرنامج النووي الإيراني. وبموجب الاتفاقية التي تم التوصل إليها مؤخراً، يمكن القول إن البنية التحتية النووية لإيران كُتب لها النجاة بشكل كبير، وعلى أن هذا الحكم لا ينطبق على العقوبات التي أراد منها الرئيس أوباما أن تمثل قوة ضغط على إيران من أجل دفعها للتخلي عن الوسائل اللازمة لإنتاج القنبلة النووية. إيلي ليك* *محلل أميركي متخصص في الشؤون الأمنية والإستراتيجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» دافيد أولبرايت رئيس «معهد العلوم والأمن الدولي» الحكومي الأميركي يقول: «لا تمثل هذه الاتفاقية إلا تحديداً مؤقتاً لقدراتها النووية» معضلة المحطات الصغيرة قد يكون ما قاله أوباما صحيحاً عندما يتعلق الأمر بالمنشآت النووية الضخمة مثل «محطة ناتانز» التي تستخدم الألوف من أجهزة الطرد المركزي المرتبة في صفوف، ولكن، عندما تم بناء المحطة وبقية المنشآت النووية المبنية تحت الأرض في «فوردو»، وهي التي اكتشفتها دوائر الاستخبارات الأميركية عام 2009 عندما كانت في طور البناء، لم تكن تحتوي على معدات ضخمة، ولا أي مواد يصعب نقلها خلال 24 يوماً. ويقول «أولبرايت» حول هذه النقطة: (دعنا نركز على محطتي «فوردو» و«ناتانز»، فعندما تم اكتشافهما وأراد المفتشون زيارتهما، لم تكن هناك أجهزة للطرد المركزي، ولا أي مواد تستخدم في النشاط النووي. وهذا يعني أن إشعار الإيرانيين بجولة التفتيش قبل 24 يوماً يجعلهم قادرين على تنظيف الموقع). واعترف «أولبرايت» بأن في وسع الأقمار الصناعية الأميركية أن تكشف حركة الشاحنات في المواقع المشبوهة، ولكنه أشار أيضاً إلى أن هذا النوع من التجسس ليس مضموناً. وتصبح مشكلة المهلة المحددة بـ 24 يوماً أكثر صعوبة لو كان الموقع المشبوه أصغر وأقل ضخامة. وقال «أولبرايت»: «لو كان الأمر يتعلق بمحطة كبيرة، سيكون من العسير إخفاء الآثار التي تخلّفها المادة المخصبة. ولكن، لو كانت المحطة صغيرة جداً، سيتمكن الإيرانيون من التقاط البقايا المتناثرة من المادة المخصبة وإعادة طلاء التجهيزات وتبديل بلاط الأرضيات. ويكون من الصعب اكتشاف هذه الإجراءات». وفي شهادة تقدم بها مدير وكالة المخابرات المركزية السابق «مايكل هايدن» أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، أشار إلى أن المراقبة التقنية في حدّ ذاتها، ومن دون عمليات تفتيش دائمة للمواقع المشبوهة، لن تكون قادرة على كشف التلاعب الإيراني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©