الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسماعيلية.. بوابة مصر الشرقية وأرض المقاومة منذ القرن التاسع عشر

الإسماعيلية.. بوابة مصر الشرقية وأرض المقاومة منذ القرن التاسع عشر
11 أغسطس 2014 22:38
الإسماعيلية تعتبر أحدث المدن المصرية الشهيرة، اكتملت بنيتها الأساسية كسكن أو مأوى للعاملين في شركة قناة السويس يوم 16 نوفمبر سنة 1869، كما أنها من أحدث عواصم المحافظات، فهي لم تستقل عن محافظة الشرقية إلا في مطلع السبعينيات، غير أنها حظت بافتتاح أسطوري لم تشهده حتى القاهرة، فقد حضره أكثر من ألف من ملوك وأمراء وسياسيي العالم أجمع، وبنيت فوق منطقة غنية بآثار تؤكد أنها كانت بوابة مصر الشرقية منذ عهود الفراعنة، فضلا على أنها ارتبطت بالمقاومة الوطنية ابتداء من ثورة عرابي ومعركته الخاسرة في التل الكبير، ومروراً بمقاومة الاحتلال الإنجليزي والعدوان الثلاثي وانتهاء بحربي 67 و73. مستطيل ضيق في بداية تأسيسها أطلق عليها اسم “مدينة التمساح” نسبة إلى بحيرة التمساح التي تعتبر أهم معالمها ثم أطلق عليها اسمها الحالي نسبة لمؤسسها الخديو إسماعيل. وفي بدايتها كانت الإسماعيلية عبارة عن مستطيل ضيق محصور بين خط السكة الحديد وترعة الإسماعيلية، وكانت تتكون من حيّين لا ثالث لهما، الحي العربي في الغرب والحي الإفرنجي في الشرق، ولم يكن يبرر تبادل المراكز بهذه الصورة بينهما سوى أن شرق المدينة الوليد أفضل من غربها، وقيل إنه كان من اليسير على الغريب عن الإسماعيلية أن يتعرف على الحي الإفرنجي بمجرد النظر ومن دون حاجة للسؤال، فما كان عليه إلا أن يبحث عن أول شارع أوروبي مشجر ومنظم ونظيف ومغمور بالنسمات الطيبة فإن وجده فهو في الحي الإفرنجي أما إن وجد العكس فهو بالتأكيد في الحي العربي. «عرايشية مصر» الحي الإفرنجي بطبيعة الحال والاسم كان سكن الخواجات العاملين بالقناة ابتداء من المؤسس فرديناند ديليسبس الذي كان يسكن في بيت أو قصر أنيق تحول إلى متحف، وهذا الحي كان لا يمكن الدخول إليه إلا بتصاريح موثقة من الجهات المختصة، وفي الحي العربي كان يسكن العمال المصريون والعرب بينهم عرب من السودان والخليج العربي، وكان الحيان حسب وصف أحد الاسماعلاوية القدامى أشبه بجناحين للمدينة الوليدة، أما رأسها فبحيرة التمساح، أما الجسم بما فيه القلب فلم تظهر معالمه إلا بعد نحو نصف قرن من الافتتاح، فقد بدأ يتشكل ويمتد شمالا في الصحراء مكوناً حياً جديداً أطلق عليه اسم “عرايشية مصر” ربما للتفريق بينه وبين “عرايشية الكامب أو كابو أو العبيد” وهو حي فقير، خصوصاً وأن “عرايشية مصر” يعتبر موطن الطبقة الوسطى في الإسماعيلية ومنه خرج العديد من نجبائها وعلى رأسهم الراحل الكبير محمود دياب الروائي والمثقف الذي كتب عن الإسماعيلية واحدة من أجمل الروايات المصرية. غير الحي الافرنجي والحي العربي وعرايشية مصر جناحي الإسماعيلية وقلبها هناك الأطراف ومنها “عرايشية كابو” الذي تم تغيير اسمه إلى “حي الشهداء”، وهو أفقر أحيائها، وأصوله ترجع في معظمها إلى بدو سيناء وبعض المهاجرين من الحبشة واريتريا، ويعتبر موطن السمسمية، ومنه خرج العديد من أنبغ عازفيها ومطربيها ومنهم الفنان أحمد السواحلي وهو من سكان المدينة الأوائل وكان يعمل هجاناً بالشرطة وقيل إن أصوله ترجع إلى أريتريا، ويعتبر أصل الاهتمام بإحياء فنون “السمسمية” في الإسماعيلية، وحي “الحكر” الذي تغير اسمه إلى “حي السلام” وترجع أصول غالبية سكانه إلى فلاحي الدلتا خصوصاً الشرقية، ومنطقة الجرايشة واسمها يرجع لواحدة من العائلات العريقة في الإسماعيلية، وهي عائلة جريشة التي ترجع أصولها إلى الجزيرة العربية، وقيل إنها ذات نسب شريف. وانتقلت إلى الإسماعيلية من الشرقية وأقامت في المنطقة التي اتخذت اسمها واشتهرت بالنبوغ الرياضي وخصوصاً الكروي ومن أبرز أبنائها الكابتن على ابوجريشة، وعزبة الصيادين التي خرجت منها الفنانة الراحلة تحية كاريوكا. قلب المدينة حي “عرايشية مصر” يعتبر قلب الإسماعيلية وحتى أساسها المعماري والاجتماعي، فالحيان الأقدم منه “الحي العربي” و”الحي الأفرنجي” - بغض النظر عن أن بعض أبنائهما فضلوا العيش في الإسماعيلية - كانا أشبه بالإسكان المؤقت المرتبط بالعمل في القناة، حتي سكانهما كانوا يتحينون الفرصة للعودة إلى أوطانهم، ومنهم خصوصاً في الحي العربي من كان يقضي أول النهار في العمل في القناة ويعود في آخره، أما “عرايشية” مصر فقد أقيم ليبقى، وتتبع مسيرته منذ البداية ربما يلقي الضوء على مسيرة الإسماعيلية بشكل عام، ولحسن الحظ أن الاسماعيلاوي الأصيل محمود دياب وصفه بدقة في روايته الجميلة “أحزان مدينة. . طفل في الحي العربي” التي تعتبر من الأعمال الرائدة فيما يعرف برواية الاوتوبييجرفي أو رواية السيرة الذاتية. هذا الحي أسس شمال الإسماعيلية - بداية القرن العشرين تقريباً - في منطقة كانت صحراء جرداء وفق تخطيط هندسي دقيق قوامه مستطيلات متوازية عرفت بالمربعات حيث كان مخططوه وبالطبع سكانه يتطلعون لمنافسة حي الأفرنجي في كل شيء، غير أنه بدأ ببيوت متباعدة سكنتها أسر غريبة لم تكن بينهم اثنتان من بلد واحد أو حتى من محافظة واحدة، فكل أسرة جاءت من محافظة مختلفة، وبينها أسر جاءت من الواحات، وقيل إن ربابنتها الصعايدة سافروا من موطنهم الأصلي على ظهور الجمال حتى أسيوط حيث باعوا الجمال وواصلو المشوار بالقطار إلى الإسماعيلية، وكانت العلاقة بينهم لا تختلف عن علاقات القرى التي أتوا منها، فهم يعرفون بعضهم البعض ويتزاورون ويقفون مع بعضهم البعض في الملمات. بمرور السنوات بدأ “عرايشية مصر” يتسع مع اتساع الإسماعيلية وهل عليه وافدون جدد من من مختلف أنحاء مصر، ورصفت شوارعه وبدأت تظهر فيه بيوت أو عمارات من ذوات الطابقين والثلاثة، وبدأ يتخلى عن حياة وتقاليد القرية التي بدأ بها ويتحول إلى شارع عصري في مدينة حديثة، وبدأ أطفاله يرون السيارات وعربات الحنطور ويصفقون لها ويطاردونها وهي تمر أمام بيوتهم، وإذا مرت سيارات الإنجليز يمطرونها بالأنشودة الشهيرة “يا عزيز يا عزيز داهية تاخد لانجليز”، غير أن الحي ظل خاليا من المصالح والخدمات الحكومية بما فيها المدارس، وكان أطفاله يدرسون في مدرسة ابتدائية دينية خاصة تقع بالقرب من محطة القطار. ولكن فجأة داهمته الحرب العالمية الثانية وبدأت الطائرات الألمانية تخطئ معسكرات الإنجليز على القناة وتدك بيوته دكا فاضطر سكانه إلى الفرار مع أهالي الإسماعيلية إلى الأرض التي جاءوا منها، وبمجرد انتهاء الحرب عادوا، ولكنهم سرعان ما هاجروا مرة أخرى أو مرات ابتداء من العدوان الثلاثي سنة 1956 حتى حرب أكتوبر سنة 1973 قبل أن يستقروا في مدينتهم ويجعلوها من أجمل المدن. (وكالة الصحافة العربية)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©