الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

كاسترو.. قرب الرحيل وابتلاع الجزيرة

21 أغسطس 2006 01:21
هافانا ـ الاتحاد خاص: حتى الزمن يشعر أحياناً بالملل· ''فيدل كاسترو'' لا· حتى الآن لا يزال يعنى بكل التفاصيل ·· لكن ما هو شعور الأطفال في كوبا حين يتناولون الشوكولا؟ يطرح مثل هذا السؤال، وهو الذي يعرف أن ذلك الطراز الفوضوي من الشيوعية الذي يطبقه منذ أكثر من نصف قرن في الجزيرة لم يترك سوى الفاقة والإحباط، دون أن تتراجع الشعارات إلا قليلاً، فالماركسية ـ اللينينية لا تزال هي الحل··الإجهاد أصابه بنزف في الأمعاء· الذي اختاره لتولي السلطة مؤقتاً هو شقيقه ''راؤول'' لاقتناعه انه إذا خرجت السلطة من يده، أو من يد شقيقه، ابتلعتها الامبريالية··هنا تحقيق حول حيلته السياسية ومستقبل بلاده بعد عقود من حكمه: الأميركيون كانوا يسخرون من تعبير ''البروليتاري'' الذي خرج به ''كارل ماركس'': ''أن تكون لك عضلات الدبّ وعقل الدجاجة''، أيضاً بطن الدجاجة لأنه يفترض، في هذه الحال، ولأسباب ايديولوجية أو ثورية أن يعتاد البروليتاري، أي ابن الطبقة العاملة، على شظف العيش لكي يحلم، ويثور، ويحقق حلمه· بطبيعة الحال، ولكن بعد فوات الأوان· لطالما تحدث ''فيدل كاسترو'' عن البروليتاريا قائلا: إن الكوبيين لم يولدوا ليكونوا ماسحي أحذية في فلوريدا، ولا أعمدة للأرصفة في لاس فيغاس أو نيويورك، ولا موظفين يُعاملون كالمواشي من قبل وكالة الاستخبارات المركزية· عيد رأس السنة في عام 1959 كان مدهشاً في هافانا· أوراق ملوّنة، رقص الفلامنكو في الشوارع، البالونات التي كتبت عليها عبارات حول الديموقراطية، والحرية، والعدالة، والرفاه· لقد رحل الديكتاتور ''فولنسيو باتيستا'' الذي انتُخب عام 1944 رئيساً بعدما مارس السلطة من وراء الستار لمدة عشر سنوات· رجل ينتمي إلى أكلة لحوم البشر· ثقبان في الوجه يقدحان ناراً· رأس وحيد القرن· كان يتصرف كرئيس عصابة لا كرئيس دولة· هذا لم يزعج لا الرئيس ''فرنكلين روزفلت''، ولا الرئيس ''هاري ترومان''، ولا الرئيس ''دوايت ايزنهاور''، فهناك قاعدة غوانتنامو الشديدة الأهمية بالنسبة لرصد حركات التمرّد في الكاريبي· الحركات الحمراء بطبيعة الحال· كل مَن يحاول المطالبة بكمية إضافية من الخبز، أو بخفض ساعات العمل ولو لنصف ساعة، فهو شيوعي، ويعمل على تهديم الديموقراطية التي كانت تعطي الحق بالتسوّل، وبالأمّية، وبالموت جوعاً في غابات قصر السكر· المركيز ··والسيجارة هذا أثار الأميركي ''جون شتناينبك''، صاحب ''عناقيد الغضب'' الذي ''استغرب'' كيف أن قصب السكر ينزف دماً· الدم في كوبا التي، ويا للغرابة، لا تزال تجد فيها، ومن العهد الاسباني، أولئك الذين يحملون لقب مركيز أو كونت أو فيكونت· أجل، هناك المركيز الذي يكاد منزله في هافانا ينهار فوقه من قلة الصيانة· لا مال لذلك، لا بل ان السيد المركيز قد يطلب منك سيجارة· حين يتناولها يدخنها كما لو أنه يدخن السيجار·· قيل، عندما ظهر ''فيدل كاسترو''، وإلى جانبه ''ارنستو تشي غيفارا''، ان الشيوعية ليست حمراء، بل وردية· الرومانسية في أميركا اللاتينية ظاهرة في العيون، فكيف إذا كانت باللغة الاسبانية أيضاً· ما كان وردياً ذات يوم أصبح قاحلاً الآن· آنذاك لم يكن الرفيق ''كاسترو'' يريد أن يبقى رئيساً إلى الأبد· وقال إن الثورة لا تقبع وراء الأبواب· ولكنه بقي وراء الأبواب لنصف قرن تقريباً، مع ان ''فلاديمير ايليتش لينين'' قال بذوبان الفرد· الجماهير هي التي تحكم: أجل، الجماهير تملأ الشوارع وتصيح··عندما تعود إلى بيوتها تكون قد أفرغت تماماً من الصراخ·· جدران جهنم هذه تقنية مثيرة لإفراغ الجماهير من الصراخ· ربما اكتشف ''تشي'' (غيفارا) أن ''كاسترو'' الذي حارب في الجبال، ودخل إلى هافانا بمعاونة الجنرال ''اولوجيو كانتيو'' الذي اشترط مغادرة ''باتيستا'' وعائلته إلى جمهورية الدومينيك، قد وقع في جاذبية السلطة، كما كل الجنرالات في أميركا اللاتينية والذين وصفهم ''بابلو نيرودا'' بـ''جدران جهنم''، لكنها كانت الجدران المرصعة بالنجوم·· هكذا قرر ''تشي'' الذي لا يزال حتى الآن رمزاً للرومانسية الثورية أن ينسحب من الضوء ليلقى حتفه في أدغال بوليفيا، فيما ألقي القبض على صديقه ''ريجيس دوبريه'' الذي ساعد أصله الارستقراطي على إطلاقه ليتحوّل إلى مفكر يتعاطى، بلهجة حادة، مع ''آفات'' العصر بدءاً من الوجبة السريعة، وحتى موسيقى البوب مروراً بالتلفزيون· حتى الزمن يشعر، أحياناً، بالملل· هذه ليست حال ''فيدل كاسترو'' الذي كان يوحي، في كل خطبه، أنه إذا زال بطريقة أو بأخرى، فإن الجزيرة ستغدو، حتماً، مجرد ضاحية لميامي التي لا تبعد عن الشاطئ الكوبي سوى 210 كيلومترات· بالتأكيد إن ''كاسترو'' استقطب الكثيرين في العالم منذ معركة خليج الجنازير في 17 نيسان / ابريل ،1961 فالأميركيون الذين كانوا يرون في ''كاسترو'' حصان طروادة الأحمر كانوا يخططون لازاحة الرئيس ''جون كنيدي'' الذي دخل، للتو، إلى البيت الأبيض أمر طائرات ''ب ــ ''26 التي تم تمويهها بشارات كوبية، بضرب مطار هافانا وقاعدة سانتياغو· الغارة أسفرت عن تدمير أو إلحاق أضرار بعشر طائرات، فيما قتل ·7 لم تتوقف الأمور هنا، فالأسلحة السوفيتية كانت تتدفق على الجزيرة، الأميركيون درّبوا 1500 كوبي منفي إلى خليج الجنازير للقيام بعملية إنزال وإطاحة النظام الشيوعي· بعد 72 ساعة من المعارك سقط المهاجمون في المصيدة· قتل منهم ،114 وبعد عشرين شهراً من ذلك، تمت مبادلة 1113 أسيراً بأدوية يبلغ ثمنها 53 مليون دولار· وإذ أعلن الرئيس الأميركي في 25 نيسان / ابريل الحصار الاقتصادي ضد كوبا، كان ''كاسترو'' يعلن، بعد ذلك بستة أيام فقط، ان الثورة التي قام بها اشتراكية لتصبح كوبا في 19 أيار / مايو جمهورية ديموقراطية اشتراكية، لتنخرط في 2 كانون الأول / ديسمبر من العام نفسه في الماركسية ـ اللينينية·· ولكن كان على ''فيدل كاسترو'' أن يواجه الصدمة الكبرى حين امتثل الزعيم السوفيتي ''نيكيتا خروتشوف'' في تشرين الأول / اكتوبر 1962 لقرار الرئيس ''كنيدي'' تفكيك الصواريخ النووية من كوبا· ولعل المثير أن ''كاسترو'' بعث برسالة إلى ''خروتشوف'' يطلب منه أن يشنّ حرباً نووية ضد الولايات المتحدة، كانت فكرة مجنونة بطبيعة الحال، وضعها الزعيم السوفيتي جانباً بعدما كان قد تلقى تعهداً من البيت الأبيض بعدم اجتياح كوبا· ''كاسترو'' لا يزال ببزته العسكرية التي لم تعد تعكس الزهو بقدر ما تعكس الرتابة، وحتى الكآبة، حتى إذا ما تقرر إجراء عملية جراحية له، أو كل مهماته مؤقتاً إلى شقيقه ''راؤول''· هذه ظاهرة شيوعية لافتة· ولكن ماذا بقي من الماركسية ـ اللينينية في كوبا؟ ''فيدل كاسترو'' الذي لا يزال يصرّ على أن يبقى قائداً· إنه يتابع كل التفاصيل· ولعل هذا الإجهاد هو الذي أدى إلى حدوث نزف في الأمعاء· أكثر تعلقاً بالحياة· أكثر تعلقاً بالسلطة· كيف بقي عالقاً هكذا في تلك الجزيرة فيما الأميركيون يجوبون العالم· إنهم يتندرون الآن بأخباره العاطفية، وبأبنائه غير الشرعيين، وبـ''الزنزانة'' التي يقيم فيها والتي تحرسها بطاريات صواريخ جو ــ جو، وتحيط بها الخنادق والأنفاق، فضلاً عن استطاعته، عند الضرورة، أن ينطلق في زورق سريع ومدرع إلى أي جمهورية أخرى في آسيا الوسطى· لا ريب أنه فرح كثيراً بفوز ''هوغو شافيز'' في فنزويلا، و''لولو دي سيلفا'' في البرازيل، كما ان التحوّل الذي حصل في البيرو كان في اتجاه اليسار، لكن كل هؤلاء يحملون فكراً مختلفاً· إنهم يدركون مدى التطوّر الذي حدث في فلسفة السوق· لم يعد بالإمكان وضع الثورة داخل الصناديق· يحاولون التفاعل، دون انغلاق، بطريقتهم الخاصة، وإن كانوا يعلمون أنهم يحملون على ظهورهم مشكلات قد تستمر إلى الأبد·· في كل كوبا التي تعد 12 مليون نسمة لم يجد هناك سوى ''الرفيق راؤول''· إنه يطل على العالم من خلال سكرتيره الخاص ''مانويل فالنسيان'' (او كارليتو)، وإن كان لديه ذلك الفريق الذي يقف بعيداً عن الضواحي لا تصطاد وكالة الاستخبارات المركزية أياً من أعضائه·· يقال ان قلبه لم يعد يتسع لامرأة، بعدما ترددت أسماء ''ميرتا'' و''سيليا'' و''ناتاليا'' و''داليا''· كل اهتمامه يتركز الآن على عدد الثلاجات، أو أجهزة التكييف، أو الدراجات النارية التي توزع على المواطنين· حين يكتب الأميركيون يقولون: ''إذا أردتم أن تعودوا مائة عام إلى الوراء''· أما هو فيقول: ''لكن رؤوسنا لا تزال مرفوعة''· ماذا عن البطون؟ ''كاسترو'' يعتبر ان ''الامبريالية'' تنتظر لكي تبتلع كل شيء··لكن ما الحل إذا كان الكائن البشري يموت في نهاية المطاف؟ ''أورينت برس''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©