الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كينيــا··· بلقــان أفريقيـا

كينيــا··· بلقــان أفريقيـا
13 فبراير 2008 00:27
عندما تكون في حفل زفاف، وتجد نفسك منخرطا في مناقشة كيف لقي ما يزيد عن 800 شخص مصرعهم، وتعرض ما يقارب 250 ألفا غيرهم إلى الطرد من بيوتهم بسبب أصولهم العرقية، فإنك ستدرك حينها أن هناك خللا رهيبا في البلد الذي حدث فيه ذلك· فالأحداث التي بدأت هناك في صورة احتجاجات على المخالفات التي شابت الانتخابات الرئاسية، سرعان ما تحولت إلى أعمال قتل على الهوية العرقية· لم يعد المسؤولون السياسيون قادرين على إيقاف هذا العنف، على الرغم من تظاهرهم بأنهم يستطيعون ذلك بمجرد إشارة من أصابعهم؛ ولكننا نعرف أن تلك البلاغات السياسية ليست سوى محض هراء، لأننا نعرف أن الانتقام والانتقام المضاد هو الشيء الذي تسعى إليه الجماعات العرقية، ولا شيء غيره· لم يكن مهما بالنسبة لأي كيني من قبل أن يعرف ما هي القبيلة التي ينتمي إليها، ولكن هذا الأمر أصبح مهما في الوقت الراهن، بل ويمكن أن يؤدي إلى قتل شخص ما أو إنقاذ حياته في بعض الأحيان، ويمكن القول دون أدنى مبالغة إن العاصمة الكينية ''نيروبي''، قد ''تبلقنت'' حيث تحول كل حي من أحيائها تقريبا إلى نوع من الملاذ الذي يقتصر على قبيلة معينة دون غيرها· هنا قد يخطر على الذهن سؤال: وماذا يفعل الأشخاص من ذوي التراث المختلط، أي الذين ينتمي آباؤهم أو أجدادهم إلى قبيلة وتنتمي أماتهم أو جداتهم إلى قبيلة أخرى، فأنا على سبيل المثال، ولدت لأب من قبيلة ''لوهايا'' في حين تنتمي والدتي إلى قبيلة ''تايتا''، وهو ما جعلني أواجه مشكلة كبيرة· فأنا أتحدث لغة ''الكوكويو'' بلهجة مدينة ''كيامبو'' التي ولدت فيها، وبعد الأحداث الدموية الأخيرة التي اندلعت في كينيا فإن أسمي الذي يتسمى به عادة أبناء قبيلة ''لوهايا'' أصبح يمثل مشكلة في حد ذاته، وذلك بعد أن أصبح أبناء قبيلة ''الكوكويو'' الذين يؤيدون الرئيس ''كيباكي'' يطاردون أبناء قبيلة ''لوهايا'' الذين يزعم أنهم صوتوا لـ''أودينجا'' في الانتخابات· والمعروف أن ''أودينجا'' ينتمي إلى قبيلة ''لويو'' الذين يطاردون ''اللوهايا'' أيضا ويتهمونهم بأنهم قد صوتوا للرئيس ''كيباكي''؛ فانظروا مدى المشكلة التي أعاني منها، لأن أبي ينتمي إلى قبيلة اختار نصفها التصويت لمرشح واختار النصف الآخر التصويت لمرشح آخر· في أثناء الاضطرابات، وأعمال القتل على الهوية العرقية أو القبلية التي جرت في كينيا، تحولت جميع مراكز الشرطة الرئيسية ومجمعات الكنائس الواقعة في وسط الوادي المتصدع، ومقاطعات ''نيانزا''، و''نيروبي'' إلى معسكرات للاجئين الداخليين، أي السكان المحليين الذين أجبروا بواسطة أفراد من قبيلة أخرى على ترك منازلهم؛ وكانت شكوى هؤلاء اللاجئين واحدة تقريبا، حيث لم تكن تختلف في مضمونها عن أنهم قد ولدوا في المناطق التي يراد طردهم منها، وعاشوا فيها، ولا يعرفون أقارب لهم في القرى الأصلية التي ينتمون إليها، وهم مواطنون كينيون في الأساس وليسوا قبليين، ومع ذلك فإن الحكومة تقول الآن إنها ستعيد توزيعهم على مناطقهم الأصلية، وهو الأمر الذي لا يعني لهم شيئا سوى التطهير العرقي والموت· لتجنب مثل هذا المصير، لجأ الكثيرون وبعضهم بعض أصدقائي إلى تلقي دورات مكثفة وقصيرة في اللهجات الملحية للقبائل والمبين في أوراق هويتهم أنهم ينتمون إليها، لأنه حدث في بعض الأحيان أنه تم إيقاف أشخاص أو محاصرتهم بواسطة أفراد من قبيلة أخرى، وعندما ادعى المحاصرون أنهم ينتمون إلى نفس القبيلة التي ينتمي إليها من حاصروهم، فإن أولئك اعتقدوا أنهم يخدعونهم لأن اللهجة التي يتحدثون بها كانت تختلف عن لهجة تلك القبيلة، ولم يشفع لهم توضيح أنهم قد عاشوا في مناطق حضرية لفترة طويلة من الوقت ونسوا الحديث بلهجتهم الأصلية· في هذا المناخ أصبح الزواج المختلط شيئا نادرا إلى درجة أنه قد أصبح يستحق أن يفرد له تقريرا خبريا على شاشة التلفزيون، وهو أمر مزعج في الحقيقة لنا نحن الذين ولدنا لآباء وأمهات من قبائل مختلفة، وتزوجوا منذ سنوات بعيدة، لأننا لم نكن نتخيل أبدا أن يأتي يوم تمثل فيه الحياة خارج نطاق القبيلة أو العشيرة موضوعا مهما، فنحن نحب كينيا دون أن نفكر في نسبنا العائلي أو القبائلي، ونحن أيضا الذين ستعتمد عليهم كينيا في النهوض من جديد· كاتب صحفي ومخرج سينمائي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©