الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخط العربي.. حروف تعزف على أوتار الجمال

الخط العربي.. حروف تعزف على أوتار الجمال
23 يوليو 2013 14:21
بدأ الفنان التشكيلي المغربي خالد بيي علاقته مع الحرف العربي على المستوى الجمالي منذ الخامسة من عمره، حيث عزف به على أوتار الجمال، حين اهتم بإعادة رسم الخطوط المطبعية ومحاكاة أبعادها التصويرية إلى جانب إعادة إنتاج بعض المشاهد الواقعية، من خلال الصور المصاحبة للمقررات المدرسية التي كانت تلهمه وتشد انتباهه، وتعد بمثابة دليله التطبيقي الأول الذي مكنه من إتقان عدة خطوط دون اللجوء إلى تأطير أي خطاط محترف في هذا المجال. عن بدايته مع الخط العربي، يقول الفنان التشكيلي المغربي خالد بيي إنه بعد تلك الفترة انفتح على كراسات تعليم قواعد الخط العربي التي أسعفته في ممارسة التخطيط الحروفي بشكل دقيق وسليم يراعي القواعد الخاصة لهذا الفن الجميل، وإنه في سن الثامنة عشرة مارس فن الإشهار بشتى طرقه ووسائطه الإعلانية، وبمختلف أحجامها وموادها، معتمداً على ما اختمر في ذاكرته البصرية منذ الصغر. مشروع تخرج وأوضح أن برمجة الخط المغربي كانت فكرة رائدة في مشروع تخرجه في المدرسة العليا للفنون الجميلة سنة 2001، حيث تلقت تنويها خاصاً من خلال عدة خطاطين مبدعين أمثال الفنانة اللبنانية الراحلة يسار نعمة صفي الدين، والخطاط المغربي محمد أمزيل، حيث يندرج هذا المشروع ضمن إطار العلاقة التفاعلية بين فن الخط والتكنولوجيا الحديثة، كمساهمة في تداوله داخل الأوساط الثقافية والإعلانية، كما أن برمجة الخط المغربي ساعدت مجموعة من المؤسسات والأفراد على إشاعة توظيفه بعدما كان حكراً على بعض الدواليب الرسمية. تجارب الآخرين وقال إن كل فنان تشكيلي أو خطاط مغرم بطبيعته بالبحث عن نقاط الاختلاف التي تشحذ معالم التميز والتفرد، حيث لا يمكن استنساخ تجارب الآخرين بشكل هجين، فالإبداع الحقيقي يمر من دائرة البحث عن الخصوصية في الإعداد والإنجاز، وإنه يحاول جاهداً أن يصوغ أسلوبه الحروفي الخاص معتمداً على معارفه الأكاديمية واطلاعه على أبرز التجارب الحروفية، كما يشكل البحث عن حركية الحروف، وإيقاعاتها الانسيابية داخل اللوحة في إطار منظورها وتركيبها العام، هاجسه الأول والأخير. أجواء روحية وأكد بيي أنه محب لأشكال الحروف التي تتملك مخيلته وأحاسيسه، وتطالعه حتى في أحلام اليقظة، وأن هذه الوحدات البصرية تشكل الخلفية العامة لكل رسوماته ومنحوتاته، حيث تشده هندستها الداخلية وحياتها المتجددة باستمرار، كما أنها تشكل إيقاع وجوده المشبع بالمقامات الصوفية والأجواء الروحية، وإذا كان الفنان السويسري بول كليه يصرح «أنا واللون واحد»، فإنه يصرح «أنا والحرف واحد». وعن معرضه «حروف مهاجرة» الذي أقامه عام 2008، قال إن هذا العنوان يحيل إلى الثقافة السياحية بالمفهوم الصوفي للكلمة، فهي خلوة مع الحرف وللحرف وفي الحرف، وهي سفرة بحث وتقرب، وتأمل واستبطان، وتذكرنا هذه الهجرة بمقام السفر عند الصوفي «ذي النون المصري» الذي عُرف بترحاله المتعدد عبر الأمكنة طلباً للعلم وتقرباً من الحق سبحانه، ولذلك فدلالة الحروف المهاجرة تنم عن قيم الاستجمام الروحي والتجديد العرفاني. ويضيف بيي أن مفهومه لـ «اللغة المقدسة» و«اللغة الروحية» هما بيان بصري للغة التصويرية التي ترقى إلى كل ما هو روحي ومتسام، حيث إنه يؤمن مع العارف أبي حيان التوحيدي بأن الحرف هندسة روحية بآلة جسمانية، لأنه يختزل كل معاني الوجود من جلال وجمال، وإن الحرف من منظوره الخاص يعتبر لغة روحية بامتياز لأنه يمثل هوية الكائن ووساطة فكره ووجدانه. خصوصيات وحاول خالد بيي من خلال بحثه «إشكالية تحولات الخط العربي» الذي نال به دبلوم المدرسة العليا للفنون الجميلة إبراز خصوصيات التجربة الحروفية لدى مجموعة من الفنانين العرب المعاصرين، أمثال رشيد القريشي، نجا المهداوي، وجيه نحلة، يوسف غنوم، ضياء العزاوي، شاكر حسن آل سعيد والبوكيلي، وكلها تجارب تعاملت مع الحرف العربي وفق هاجس الإبداع والتجديد، كما أنها حاولت الحفاظ على قيمه الجمالية والحضارية، على عكس بعض التجارب الحروفية التي جردت الحرف العربي من أصالته التراثية وأقحمته في نمطية التشكيل الغربي. العرض والطلب وأوضح أن معظم التجارب الحروفية بالمغرب وخارجه ما زالت أسيرة التقليد والاجترار، حيث لم تستطع تطوير مسالكها التعبيرية وتقنياتها الإبداعية، بعد أن ظلت خاضعة لمنطق العرض والطلب الذي يفرضه سوق الفن بالقوة، إلا أن هناك بعض التجارب الحروفية التي غامرت في توظيف الحرف بشكل مغاير وحديث يتجاوز دائرة الزخرفة والتوريق، ويتماهى مع أجواء اللوحة اللونية والشكلية على نحو يذكرنا بكبريات اللوحات الفنية المعاصرة، حيث يجب التمييز ما بين الفنانين الذين يرسمون الحرف والفنانين الذين يرسمون عبر الحرف. وقال بيي إن انشغاله بالخط المغربي يكمن في مدى اهتمامه بإبراز خصوصياته الجمالية مقارنة مع الخطوط العربية الأخرى، حيث استفاد كثيرا من الدراسة التي أنجزها حول بنياته الأسلوبية، فهو خط يتميز بسلاسته، وجماليته الشكلية التي تسعف الفنانين في مجال توظيفه بشكل تلقائي بعيدا عن كل حشو أو تهجين، كما أن اشتغاله على الخط المغربي يندرج ضمن اهتمامه البالغ بروافد الهوية المغربية، وقضايا التأصيل والتحديث في الفن التشكيلي المعاصر. وأشار إلى أن الحرف في بعده الجمالي يعتبر هندسة بنائية قائمة الذات فهو يحيل على كل الأبعاد المتعلقة بالجمالية المعمارية وبالمجالات الفضائية التي تحمل آثار الكائن في علاقته بالوجود، وأنه يكفي التذكير بتصور ابن مقلة لحرفي النون والراء، وتشبيههما بالشكل الدائري الذي يحيلنا إلى تصور ابن عربي للوجود باعتباره يمثل هندسة الدائرة بامتياز، وأن ذلك ما حاول إبرازه من الناحية التشكيلية على مستوى اشتغاله على هندسة الحرف التي تشكل في نظره أصل كل هندسة، سواء في بعدها التقليدي أو الحديث. مصدر للإلهام وواجهة للإبداع أوضح الفنان التشكيلي المغربي خالد بيي أن الحرف العربي يتقاطع مع كل الوحدات الرمزية والتخطيطات الجرافيكية التي وظفها أعلام التجريد الهندسي الذين راهنوا على التكثيف والاقتصاد في استعمال اللون والشكل، حيث وجدوا في الجمالية الشكلية للحرف العربي مصدر إلهامهم وإحدى واجهات إبداعهم الرمزي، كما أن الحرف يوجه إلى عدة مقامات صوفية تحيل على قيم الجمال والجلال، وعلى معاني الوحدة والتوحيد.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©