الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أصيلة» المغربية كبسولة الزمن للعودة إلى عصور المدن العتيقة

«أصيلة» المغربية كبسولة الزمن للعودة إلى عصور المدن العتيقة
18 يوليو 2012
الرحلة تسير بسلاسة ونحن ننتقل من مدينة طنجة المغربية باتجاه مدينة أصيلة التي تبعد حوالي أربعين كيلومتراً ناحية الغرب وذلك لزيارة المدينة ضمن مجموعة قدمت من دول مختلفة وجهت لأعضائها الدعوة للمشاركة في مهرجان المدينة الثقافي الذي يقام منذ سنة 1978 دون انقطاع. رجال المرور كانوا يرافقون الموكب الرسمي حتى لا نتأخر عن موعد الوصول المحدد، وبعد حوالي نصف ساعة من السير في طريق تتخلله المناظر الطبيعية الجميلة كنا على أعتاب المدينة العتيقة في قلب مدينة أصيلة وقلعتها التي تقف شامخة في وجه المحيط وتتكسر تحت أقدامها الأمواج المتلاطمة. سيف الشامسي (أصيلة) - ينتابك شعور عندما تعبر بوابة المدينة القديمة، أنك دخلت في كبسولة الزمن وعدت إلى عصر آخر غير الحالي، فالمدينة العتيقة كما يسميها المغاربة«أصيلة» اسم على مسمى وهي تحافظ على طابعها المعماري القديم بمبانيها التقليدية التي ترتدي جدرانها اللون الأبيض وتتكحل أبوابها ونوافذها بالأزرق، وأزقتها الضيقة التي تتلوى في كل مكان، تدخل في زقاق ولا تعرف الجهة التي ستخرج منها، وفي بعض الأحيان تشعر بانك أضعت الطريق ولا تعرف كيف تعود إلى النقطة البداية، وكأنك داخل في متاهة لكنها متاهة جميلة لا تمل من الضياع فيها! ولا عجب في ذلك فالمدينة غارقة في القدم حيث يعود تاريخ نشأتها إلى أكثر من ألفي سنة، فقد سكنها الأمازيغ قبل الفينيقيين والقرطاجيين، إلى أن تحولت إلى قلعة رومانية محتلة تحمل اسم«زيليس». تاريخ المدينة وفي القرن العاشر الميلادي، قدم إليها النورمانديون من صقلية واستقروا بها، واحتلها البرتغاليون سنة 1471 واستطاعت المدينة التخلص من الاحتلال البرتغالي سنة1589، لكنها سرعان ما سقطت في يد الإسبانيين الذين استمر احتلالهم لها إلى غاية سنة1691، وهي السنة التي عادت فيها إلى نفوذ الدولة العلوية، وفي بداية القرن العشرين، أصبحت مدينة أصيلة معقلا للقائد الريسوني الذي بسط منها نفوذه على الكثير من الأراضي الشمالية، قبل أن يطرده منها الإسبانيون سنة 1924 ويحكموا قبضتهم عليها حتى مرحلة الاستقلال. وأصيلة رغم تاريخها الحافل تعتبر مدينة صغيرة ويقدر عدد سكانها حاليا بحوالي 25 ألف نسمه ويمكن تقسيمها إلى قسمين، منطقة العلقة، التي تضم المدينة ألقديمة، والثاني، المناطق المحيطة بالقلعة، وهو يمثل الامتداد العمراني الذي حصل على مر العصور، خصوصا ناحية الشاطئ الذي يعج بالمطعام والمقاهي والزوار. رغم صغرها إلا أن المدينة استطاعت بفضل نشاط رجالها وعلى رأسهم محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب السابق وأمين منتدى أصيلة، أن تفرض نفسها على الساحة باعتبارها قبلة للمثقفين والسياح بفضل مهرجانها الثقافي والذي لعب دورا حيويا في نشر اسم المدينة وتحويلها إلى رمز للفنون والمعرفة يحرص البعض على التواجد فيه باستمرار، وعدم تفويت فرصة الاستمتاع بمهرجانها، الذي يعتبر نقطة تبادل ثقافي يجمع بين فنانين ومفكرين من مختلف دول العالم. ويرى البعض ان هذا المهرجان أسهم في بث الروح في أوصال المدينة من جديد وأعاد انبعاثها في سنة 78 بعد سنوات من الإهمال حيث أسهم في ترميم مباني المدينة وتقديمها في حلة تلفت الأنظار وتدفع الزوار للقدوم إليها . الإمارات وأصيلة تشتهر أصيلة بمهرجانها الثقافي، الذي يقام بشكل سنوي منذ 34 سنة، والجميل في هذا المهرجان أنه منفتح على ثقافة الآخرين وغير منغلق على نفسه، ولعل هذا هو سر نجاحه في قدرته على تقديم الجديد، حيث يحرص المنظمون على اختيار دولة في كل سنة لتحل ضيف شرف على المهرجان وتقدم تجربتها الثقافية للزائرين، وقد حلت الإمارات ضيف شرف على المهرجان في 2010 تقديرا لإنجازاتها الثقافية الرائدة على مستوى المنطقة والعالم، وحفلت مشاركة الدولة بالعديد من الفعاليات حيث نظمت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع حفلات للفلكلور الإماراتي الأصيل لإحدى فرق الفنون الشعبية الإماراتية، إضافة إلى معرض لفن الخط العربي، وللموسيقى الإماراتية، فضلاً عن عقد مؤتمر حول الشعر في الإمارات وأمسية شعرية، وفعاليات فكرية وثقافية أخرى متعددة، كما نظمت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عدداً من الفعاليات التراثية والفنية والثقافية، التي تعكس استراتيجية الحفاظ على التراث الثقافي لإمارة أبوظبي خاصة ودولة الإمارات بشكل عام، حيث تمكن جمهور المهرجان من الاطلاع على تجربة الهيئة في تدعيم الموسيقى العربية الأصيلة وتبني المواهب الشابة من خلال بيت العود العربي ومركز العين للموسيقى في عالم الإسلام، كما أن مسابقة أفلام من الإمارات عرضت عدداً من الأفلام القصيرة التي أنتجها فنانون إماراتيون وحظيت بتقدير النقاد. كما أقامت الهيئة بالتعاون مع وزارة الثقافة العديد من ورش العمل والمعارض الفنية والفعاليات والمحاضرات والندوات في مجال الدبلوماسية الثقافية وصناعة الكتاب والنشر وخصوصا معرض أبوظبي للكتاب ومشروعي كلمة وقلم وجائزة الشيخ زايد للكتاب، فضلاً عن سوق مميز للصناعات التقليدية الإماراتية. أماكن بالرغم من أن التجول الحر في أزقة المدينة العتقية يعتبر تجربة مثيرة في حد ذاتها، إلا أن هناك بعض الأماكن التي تستحق الزيارة في المدينة منها المسجد الأعظم، وقصر الثقافة، الذي يعود تاريخ بنائه إلى بداية القرن العشرين وقد تم ترميمه في منتصف التسعينيات، ولا بد لكل من زار هذا القصر، أن يقف مشدوها منبهرا بجمال بنائه، ورونق نقوشه المنبثقة من الفن العربي الإسلامي الأصيل وخاصة القاعة الرئيسية في القصر والتي تبهر زوارها بجمال تصميها ودقة نقوشها وأناقتها غير المتناهية والتي تزيد من روعة الحفلات الموسيقية التي تقام فيها، بمشاركة فرق موسيقية من مختلف أنحاء العالم، وذلك من ضمن الفعاليات الموسيقية للمهرجان. وعلى بعد أمتار قليلة من باب القصبة، يوجد مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، الذي كان في الأصل مخزنا للحبوب، قبل أن يُعاد بناؤه وفق هندسة جميلة، ويتحول إلى مقر رسمي لمؤسسة منتدى أصيلة وفضاء لاحتضان المفكرين والأدباء والمثقفين والمبدعين من مختلف مناطق العالم. ومن الأمور التي تلفت النظر في المدينة ارتفاع عدد الزوار عند أسوار القلعة لحظة المغيب، حيث يعج المكان بالحركة لمتابعة لحظات نزول الشمس من عليائها وغوصها خلف مياه المحيط ، ويرى البعض أن المغيب في أصيلة له طابع خاص يستمد روعته من رونق المكان. طنجة الجميلة وبما أن السكن في أصيلة محدود نظراً لقلة عدد الفنادق، فإن الكثير من زوارها والمشاركين في مهرجانها، تحط بهم الرحال في مدينة طنجة ثالث أكبر المدن المغربية وبوابتها باتجاه أوروبا، وزيارة طنجة ممتعه، نظراً للتنوع الكبير الذي تحتويه وجوها الجميل، فعلى الرغم من أن زيارتنا لها كانت في بداية شهر يوليو الجاري أي في بداية فصل الصيف إلا أن الجو كان يميل إلى البرودة معظم الوقت. ولعل افضل وسيلة للتعرف على معالم أية مدينة هي مرافقة سائق تاكسي أو كما يسميه المغاربة«طاكسي» وقد وقع اختيارنا على سائق كبير في السن يدعى إدريس، وأول مكان اختاره سي إدريس للزيارة كان أبرز معلم يميز طنجة، وهو نقطة التقاء البحر الأبيض مع المحيط الأطلسي، وكما هو معروف فإن طنجة تعتبر المدينة الوحيدة التي تملك شواطئ على البحر الأبيض وعلى الأطلسي في الوقت ذاته، والمكان يسمى «رأس سبارتيل» وهي أقصى نقطة في شمال الساحل الأطلسي لأفريقيا ويقابله من الساحل الإسباني رأس الطرف الأغر عند مدخل مضيق جبل طارق. ليس بعيدا عن هذه النقطة يوجد معلم آخر من عالم زيارة طنجة وهو مغارة هرقل، حاولنا أن نعرف من أين جاءت التسمية من خلال سؤال بعض المرافقين، لكن الإجابات جاءت مختلفه، حيث قيل إن هرقل سجن فيها، بينما رواية أخرى ذكرت أن هرقل كان يتخذها مقراً لمحاربة القراصنة، ولعل اختلاف الروايات أمر طبيعي، نظراً لأننا نتحدث عن شخصية أسطورية، أغلب الظن، أنها بنيت من نسج الخيال أو على أحسن الفروض، قصة كانت لها بداية حقيقية، لكنها مع الوقت ضخمت وغيرت، حتى أصبحت قصة لا تصدق، وذكر جزء من القصة، كيف جاءت تسمية طنجة كما يرد على موقع «ويكيبيديا» الإلكتروني، الذي يذكر أن الدخول إلى المغارة يشكل عالما من الغموض تغذيه الأسطورة القديمة عن تاريخ المغارة، التي تقول إن إفريقيا كانت متصلة بأوروبا، وتفصل هذه المنطقة المتوسطة بحر الروم (البحر المتوسط) عن بحر الظلمات(المحيط الأطلسي)، ولما كان لأطلس ابن نبتون ثلاث بنات يعشن في بستان يطرح تفاحا ذهبيا ويحرسهن وحش، قاتله هرقل (ابن جوبيتر) وهزمه، لكن هرقل في غضبة من غضبات الصراع ضرب الجبل فانشق لتختلط مياه المتوسط الزرقاء بمياه الأطلسي الخضراء، وتنفصل أوروبا عن إفريقيا، ثم يزوج هرقل ابنه سوفاكيس لإحدى بنات نبتون ليثمر زواجهما بنتا جميلة أسموها طانجيس، ومنها جاء اسم مدينة طنجة. في اليوم التالي اختار لنا سائقنا إدريس زيارة مضيق جبل طارق، وهذه الجولة تستحق تفريغ يوم كامل لها لأنها طويلة وتمر في أماكن عدة يمكن التوقف فيها مثل ساحل فندق ومدينة تطوان ومدينة سبته، التي يحتاج دخولها إلى تأشيرة، ومشاهدة جبل طارق من الساحل المغربي سهلة للغاية حيث يبعد حوالي مسافة 15 كم، وعموما فإن المسافة إلى الساحل الأوروبي قريبة، الأمر الذي يفسر كثرة وجود العبارات التي تربط بين طنجة وموانئ الساحل الجنوبي لأوروبا. ولا تكتمل زيارة طنجة إلا بزيارة الجزء القديم منها وهو سوق شعبي تكثر فيه منتوجات الحرف اليدوية والملابس التقليدية، ومن هناك يمكن الانتقال إلى الكورنيش والتجول بين حاناته ومطاعهم التي تستمر لوقت متأخر من الليل. الرسوم الجدارية من الأمور التي تستحق الزيارة في مدينة أصيلة معرض الرسوم الجدارية، ولا يوجد مكان محدد لزيارته لأنه منتشر في معظم زوايا المدينة ويعتبر من تقاليد المهرجان الأصيلة حيث درجت العادة في كل سنة على استضافة نخبة من الرسامين الذين يعبرون عن فنونهم على جدران بيوت المدينة، وتظل لوحاتهم صامدة لمدة عام حتى يحين موعد المهرجان التالي قبل أن تزال وتحل مكانها رسومات جديدة. مغارة هرقل تعد مغارة هرقل من أبرز النقاط السياحية في طنجة وتحيط بها المطاعم الشعبية التي تملك إطلاله ساحرة على المحيط وتقدم وجبات السمك وبالأخص التونه، والتوقف فيها لتناول وجبة الغداء تعتبر فكرة لا بأس بها، كما يوجد الكثير من المرشدين السياحيين في المكان وهم على أهبة الاستعداد لاسماعك مختلف القصص عن المغارة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©