الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شياطين الإنس

شياطين الإنس
23 يناير 2014 21:27
ارتفعت قيمة قطعة الأرض التي يملكها «منير» بعد أن كانت زراعية وزحف إليها العمران، أحاطت بها البنايات الشاهقة من كل الاتجاهات ولمسافات بعيدة، بالطبع هو لم يكن يقصد تركها إلى أن أصبح ثمنها يتجاوز ملايين الدولارات، بينما هو رجل مكافح متوسط الحال يعمل بالزراعة وبعض الأعمال الأخرى التي تعينه على أعباء الحياة، فكر في بنائها والاستفادة من الموقع المتميز، لكن إمكاناته لا تسمح، فلكي يتم ذلك فإنه يحتاج إلى عدة ملايين، دله بعض ذوي الخبرة في مجال المعمار على بعض المقاولين الذين يقومون بالبناء بطرق مختلفة منها تحمل التكلفة وعليه أن يسدد فيما بعد. التكلفة العالية لكنه وجد أنهم سوف يحملونه فوق ما يطيق ويتخذون إجراءات لا قبل له بها لو تعثر في السداد علاوة على التكلفة العالية التي وضعوا دراسة جدواها بين يديه، وقالوا: إن عليه أن يبيع الشقق بعد اكتمال البناء ويسدد مستحقاتهم، كان الحل جيداً، لكنه لا يطيق ذلك ولا يضمن سوق العقارات فقد يتورّط في الاتفاق ولا يجد المشترين، وبذلك قد يستولون منه على البناية بعد اكتمال البناء حسب الشرط الجزائي الذي يريدون وضعه في العقد المبرم بينهم، وهُناك حل آخر قد يريح الطرفين بأن يتولى المقاول أعمال البناء ويتحمل كافة التكاليف مقابل حصوله على ثلثي عدد الشقق، لكن في هذا غبن له وإجحاف، وجد العيون كلها تترصده وتطمع في قطعة الأرض التي لا يملك غيرها، فتراجع عن كل العروض ورفضها. أفضل وسيلة لم يجد «منير» أمامه وسيلة للاستفادة من الأرض إلا أن يبيعها ويتخلص من حيرته، وبدأ البحث عن مشتر، ومع ذلك وجد نفسه في حيرة أخرى، فقد بدأ السماسرة والوسطاء يتلاعبون به، فمنهم من يخسف بثمنها الأرض ومنهم من يدعي أن السوق ليست على ما يرام ويعرضون عليه أثماناً بخسة، بل أكثر من ذلك أنهم هم الآخرون طامعون في «العمولة» أي أجر الوساطة مقابل جهودهم، فازدادت حيرته أكثر، وضعوه في موقف لا يحسد عليه، لكنه استقر على البيع بشكل نهائي عندما يأتيه عرض معقول، ثم نصحه بعض أصدقائه باللجوء إلى وسيلة أفضل من هذا كله تخلصه من تلك المشكلة بأن يقوم بنشر إعلان في الصحف، وخاصة تلك المتخصصة في إعلانات الأراضي والعقارات، وبالفعل وجد نتائج إيجابية وسريعة في اليوم نفسه الذي نشر فيه الإعلان وتلقى مئات الاتصالات على هاتفه المحمول، لكن معظمها مجرد استفسارات والحصول على معلومات عن الأرض بلا رد إيجابي، فكل شخص يعده بمعاودة الاتصال لكنه لا يفعل، وقليلون منهم الذين قرروا معاينة الأرض على الطبيعة، ثم الحديث عن الثمن، وبضعة نفر أوفوا بوعودهم والتقوا به وتحدثوا معه عن التفاصيل. ظروف غامضة مع هذا كله ما زالت العروض بعيدة عن الجدية، ولم يتم الإنفاق على شيء ذي قيمة وحدث في هذه الظروف ما لم يتوقعه أحد، فقد اختفى منير في ظروف غامضة، وتم البحث عنه في كل مكان وحتى بعد إبلاغ الشرطة لم تأت جهود البحث بجديد، الأمر كان محيراً ولغزاً في الوقت ذاته، فالرجل لا يعاني أي أمراض ولم يسجل اسمه في أي حادث أو دخول مستشفى، وكذلك، فإنه ليس مصاباً بأي حالة نفسية أو عصبية، وخيم الحزن على أسرته التي كانت تتمنى العثور عليه حتى ولو ميتا، فهذا على الأقل يجعلهم يعرفون مصيره، ولو كان ذلك غير مريح، وما زال الأمل في عودته أو معرفة أي معلومات عنه موجوداً، ولم يكن الوضع سهلا عليهم. الأضواء الخافتة الأيام تمضي بلا جديد والبحث لم يتوقف، لكن الجديد أنه ظهر من يستولي على الأرض، عندما حل الظلام وكان القمر غائباً والأضواء الخافتة تأتي من بعيد ضعيفة عليلة غير قادرة على إظهار الأشكال التي تتحرك في الأرض كأنها أشباح، فرآها أخوه «سعد» الذي يقيم في منزل بالقرب منها حيث بناه على نصيبه من ميراث أبيه منذ سنوات طويلة، لم يستطع أن يميز هؤلاء الذين يتحركون هنا وهناك إن كانوا أشخاصاً أو «عفاريت» تظهر في هذا الوقت من الليل، لم يصدق عينيه وهو يرى من يتحركون وهو غير قادر على تمييز ملامحهم، في نفس الوقت يخاف من الذهاب إليهم لاستطلاع الأمر ومعرفة هويتهم، فالكلام عن الجان والحكايات القديمة التي كان يسمعها في طفولته يؤثر فيه. الغريب أن هذا المشهد يتكرر في معظم الليالي، يستطيع الآن أن يؤكد أن ما يراه أشخاص حقيقيون وليسوا أشباحاً ولا عفاريت، لأنهم يقومون بعملية قياس لحدود الأرض، ومع ذلك لم يجد تفسيراً لتصرفاتهم تلك، وتزداد دهشته لأنهم لا يفعلون ذلك نهاراً، وهذا ما جعله يتساءل من يكون هؤلاء ولماذا يأتون إلى هنا ويقومون بهذه التصرفات العجيبة التي لا يعرف لها معنى وأعياه التفكير فيها حتى أنه لم يعد ينام جيداً حتى بعد أن يغادروا المكان، وتبلغ به الأفكار مبلغاً وهو يضع سيناريوهات وتوقعات من بنات أفكاره. حراسة الأرض بعد عدة أيام حدث شيء أكثر غرابة وقد دبر بليل أيضاً، حيث إنه عندما استيقظ في الصباح وجد سوراً حول الأرض تم بناؤه في غفلة من العيون بما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هؤلاء من شياطين الإنس يريدون أن يغتصبوا قطعة الأرض التي يملكها أخوه المختفي، وجد شخصاً جالساً بها يدخن النارجيلة، اقترب منه وسأله من يكون وما سبب تواجده هنا، فقال: إنه خفير مكلف بحراسة الأرض استأجره صاحبها ليمنع أي شخص من التعدي عليها بعد أن أتم بناء السور الخرساني حولها، فتعجب الرجل من هذا الكلام الذي يبدو أنه صادر من مجنون، لأن صاحب الأرض هو أخوه، وهو مختف منذ أكثر من ثلاثة أشهر، يبدو أن هناك خطأ واضحا في هذا الكلام. انتظر «سعد» حتى اليوم التالي عندما جاء رجل يخفي عينيه وراء نظارة سوداء سميكة تدل على أنه لا علاقة له بالموضة أو الذوق العام، لأنها تغطي معظم وجهه وتقترب من شاربه الكث الأسود الذي تتخله شعيرات بيضاء وأثر التدخين عليه غير لونه إلى اللون البني، سأله عن هويته فأخبره بإيجاز شديد بأنه صاحب هذه الأرض، فسأله مرة أخرى وكيف تكون صاحبها وهي تخص أخي، فنظر إليه الرجل الغامض شذراً وهو لا يرغب في أن يرد عليه، بل ويريد أن يطرده من المكان لأنه ليس لديه وقت للحديث في موضوع بلا معنى وأسئلة من شخص لا علاقة له بالموضوع، وكي يتخلص منه قال له: إنه يعتزم إقامة برج سكني تجاري عليها، فإذا كان يرغب في شراء محل أو شقة فعليه التوجه إلى مكتبه للاستفسار والتعاقد. معاينة الموقع تأكد «سعد» أن هناك لغزاً فيما يحدث لأنه لا يفهم ما يدور أمام عينيه فكيف يكون هذا صاحب الأرض بينما أخوه هو مالكها، لم يجد أمامه سبيلاً إلا أن يبلغ الشرطة بما استجد من أحداث، وحرر محضراً جديداً سجل فيه كل ما وصله من معلومات وما حدث من بناء السور، وذاك الرجل الذي يدعي أنه صاحب الأرض، تحركت القوات بسرعة لمعاينة الموقع على الطبيعة، بالفعل وجدوا أن كل ما جاء في أقواله صحيح مئة بالمئة، فأحيل المحضر إلى النيابة التي استدعت هذا الرجل الذي يقول إنه صاحب الأرض، قال إنه يملك الدليل على الملكية، وقدم عقود الشراء الموثقة والموقعة من المالك السابق الذي كان قد اشتراها من مالكها الأسبق «منير»، إذن هُناك حلقة مفقودة فمن يكون هذا الآخر؟. وبالبحث عنه وجدوا أنه شخص وهمي لا وجود له، وهنا تأكد أن الرجل الذي استولى على الأرض هو محل الشك والريبة، ولكن بفحص الأوراق التي لديه تبين أنها سليمة وليست مزورة، لكن كيف حدث ذلك، هذا هو السؤال الأهم، وتكشف التحقيقات الموسعة المفاجآت التي لم تكن ترد على أفكار إبليس نفسه، فقد كان هذا الرجل وراء كل المصائب فقد تقدم مثل المئات الذين قرأوا الإعلان لشراء الأرض وبعد المعاينة اتفق مع منير على الثمن الذي كان مغرياً للبائع مما جعله يستجيب له ويقدم له كل الأوراق الدالة على الملكية، وحددا موعداً لعرضها على محام ثم كتابة العقد، وقد تم هذا كله بشكل طبيعي، إلا أنه بعد ذلك حدث ما لم يكن في الحسبان واستعان بثلاثة من رجاله وقاموا بقتل «منير»، ودفن جثته في منطقة جبلية بعيدة عن العمران، ثم ظهر بعد كل هذه الشهور حتى لا يرتاب أحد في أمره. ظهرت الحقيقة المؤلمة وأمرت النيابة بحبس كل من اشترك في الجريمة البشعة وتقديمهم إلى محاكمة عاجلة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©