الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الجبال.. صاحبات المقام العالي

الجبال.. صاحبات المقام العالي
18 أكتوبر 2018 02:13

أعدّ الملف: محمد عبد السميع

يُعدُّ تنوّعُ أيّ بلدٍ في تراثه ميزة مهمّة، انتبهت إليها الدول التي تزيدها الهويات التراثيّة الفرعيّة عراقةً وغنىً ثقافيّاً، أكّدته منظمات عالميّة في مقدّمتها «اليونيسكو» التي ترتبط بكلّ دول العالم باتفاقيّاتٍ تظهر العنصر المحلّي، وتشجع على حفزه واستثمار مادّته الثقافيّة لخدمة المادّة الثقافيّة الأُم، والتي نُطلق عليها اسم الهويّة الوطنيّة الجامعة التي تتكامل في سياقها وخلالها كلّ هذه العناصر المتنوّعة الأصيلة.
وتشتمل دولة الإمارات العربيّة المتحدة على عناصر تراثيّة متنوّعة ظلّت محطّ دراسة الباحثين وعنايتهم، وأكّدت المكان الإماراتي في معايير دراسة هؤلاء الباحثين والمهتمين، سواء في قراءة الأثر التاريخي، أو التشابك السكّاني، وتأثير البيئة المحليّة، وطيوف الهجرات السكّانيّة، والتمازج الحضاري، ولعلّ من المناسب هنا الإشارة إلى تنقيبات وأبحاث ودراسات صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في هذا المجال، وهي علامات مضيئة وموضوعيّة، تشكّل هدياً مستمراً لعراقة تاريخ الدولة وثقافتها الأصيلة الممتدة والضاربة في جذور التاريخ.
في هذا الملفّ، نتعرّف على مجالٍ تراثيّ مهم، يستجلب الانتباه ويدعو للتأمّل ويشجّع على الحفاوة، ويؤكّد قيمة التنوّع الثقافي في الجغرافيا الإماراتيّة: مكاناً، وإنساناً، وتفاصيل حياة، وبالطبع لهجةً وأغنيةً وقصيدةً، ومعماراً آثاريّاً، وكلّ ذلك في الحقيقة يحيلنا إلى آفاق واسعة، وعلائم ودلالات تصلح لأن نحتفي بالمكوّن التراثي، لتأطيره وتأكيد وجوده واستحضار تاريخ الإمارات من خلاله لدى الأجيال.
ولذلك، فإنّ قراءة الدور التاريخيّ والثقافيّ لأهل الجبال في الإمارات، هو موضوعٌ يصبّ في ما قدّمناه، ويخدم الغرض التوثيقي والنبيل لفهم الملامح الإنسانيّة، والتجارب الثقافيّة لقبائل أصيلة سكنت الأطواد الشامخات (الجبال)، وانفردت بخصائص لَهَجيَّة تدعو إلى المقارنة والاستفادة من حَفَظة هذا الموروث، وتسجيله في بحوث وإصدارات تُظهر دائماً التاريخ الناصع بكلّ فطريّته ونقائه وسطوعه، خصوصاً وهو ماثلٌ بيننا وغير مصطنع، ويحقق مقوّمات أيّ دولةٍ في حضورها الأصيل ومراهنتها دائماً على الإنسان والمكان عنصرين لا يفترقان لتشكيل الوجود، وتأكيد «الأرومة» أو الجذوة التي تَبني عليها الأمم والدّول والشعوب.
والمسألة ببساطة، ليست دراسة ألفاظٍ لدى سكّان الجبال في الإمارات، يَقلبون حرفاً إلى حرفٍ آخر، أو يستعيضون بكلمةٍ عن أخرى، أو يزيدون في مَدِّ حروفٍ بعينها، وإنّما هي مسألةٌ أوسع من ذلك وأكبر بكثير- وإن كان يستوقف المهتمّ هذا التعبير الجميل لسكّان الجبال، في ألفاظ لم تفقد رونقها، أو تتأثّر بألفاظ دخيلة، أو طرائق نُطقٍ مُقحمة - فالحفاظ على الموروث وتأكيد وجوده ومدِّهِ بكلّ أسباب البقاء هو حتماً في توهيج هذا التراث، وفتح أعين الفنانين والباحثين على الكلمات والأهازيج لترديد هذا التراث، وجعله حاضراً دائماً يتردد على الشفاه، كجزء من استراتيجيّة شاملة يدخل فيها التلفزيون والإذاعة والندوات والمؤتمرات والأمسيات الشعريّة، في جوٍّ من التفاعل على مستوى الصور الشعريّة أيضاً ومواضيع الكتابة ومدى تأثير «الجبال» في هذا السياق. والأمر ينسحب أيضاً على الموضوع الاجتماعي والمعيشي، وعلى الكثير من جوانب الحياة، ما يجعل من مادّة سكّان الجبال موضوعاً خصباً لدراسات متنوعة، واهتمامات لا تنتهي في أكثر من مجال.
وتحظى جبال الإمارات بأهمية كبيرة من ناحية موقعها الجغرافي، لإطلالها على المسطح المائي الأهم في العالم.. وهو مضيق هرمز، بالإضافة لكونها شبه جزيرة في شبه جزيرة؛ إذ يحدّها من الشرق خليج عُمان ومن الغرب الخليج العربي.
وتعتبر ثقافة الجبال وتراثها وعاداتها وتقاليدها إرثاً حضاريّاً مشتركاً لقبائل «الظهوريين» و«الشحوح» و«الحبوس» و«بني شميلي»، وهذه المجموعات القبلية كلها عربية الأصل والمنبت؛ جمعتها أُخوّة الدين والعِرق، ووحَّدتها تربة الأرض، وشدت أواصر هذا وذاك وشائج التواصل الاجتماعي والنسب. وهي قبائل تشترك فيما بينها بسمات عامة، ومع وضوح تلك السمات العامة، إلا أنها لم تُلغِ الخصوصيات الفردية؛ فهناك الكثير من الإشارات الثقافية، في عدد قليل من الدراسات والمؤلفات الإبداعية تتحدث عن تلك المنطقة، وأهميتها إبداعياً وثقافياً، كما أنّ هناك العديد من المواقع والقرى الأثرية والتاريخية في هذه الجبال، لا بد من المحافظة عليها وحمايتها، عبر توثيقها من خلال دراسة تشمل الموقع الجغرافي، والعمر الزمني، ومن ثم التعريف بقيمتها التاريخية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وإعادة ترميمها بالشكل الذي يتناسب مع طبيعتها التي كانت عليها، لتصبح متاحف مفتوحة تحتفظ دائماً بماضيها العريق.
وفي هذا الملف، سنقف على الدور التاريخي وما يتضمنه من أبعاد ثقافية واجتماعية وسياحية واستراتيجية لأهل الجبال في الإمارات، في محاور منها: المواقع والقرى الأثرية في جبال الإمارات، طبيعة الجبال وسكانها، علاقة الجبال بالمياه، وطبيعة العلاقة بين جبال الإمارات ومعادنها، العثور على الكثير من الصخور والمغارات، وأسرار الجبال ورصد الظواهر الطبيعية ومعالم المناطق الجبلية شديدة الوعورة. وما بين هذين البعدين في الإحساس بالجمال والتاريخ، مجموعة من النصوص الأدبية الشعرية والنثرية من مخزون الثقافة الجبلية الإماراتية الحيّة؛ إذ تحضر الأمثال العربية القديمة، والأحاديث النبوية والآيات القرآنية، والحِكَم، مثلما وقفت الآثار القديمة بجمالها ودلالتها وصمتها الناطق في تآلف تام وانسجامٍ أخّاذ.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©