الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

قمم الجَمال الساحرة

قمم الجَمال الساحرة
18 أكتوبر 2018 02:13

راشد الظهوري

لا شك أن من يتناول بالحديث طبيعة الحياة وتفاصيلها، والظروف البيئية المحيطة بها، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتحديد في المنطقة الجبلية منها، يجد أنها حياة ذات طبائع وعادات وتقاليد خاصة تتسم بالأصالة والارتباط بالجذور والتراث، إضافة إلى طابع خاص يتمثل في التأقلم مع الظروف المناخية والبيئية، ولعلنا نقف على هذا الموضوع ونقدم فيه هذه القراءة المختصرة نتيجة لما تتمتع به البيئة الجبلية في دولة الإمارات العربية المتحدة من أهمية كبيرة تتمثل في الموقع الاستراتيجي والجغرافي المتميز، حيث تطل هذه المنطقة على أبرز وأهم المسطحات المائية في العالم، ألا وهو مضيق هرمز، هذا المضيق الذي يشكل عصباً اقتصادياً وجغرافياً على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، وعلاوة على ذلك كله، تشكل جبال الإمارات شبه جزيرة تتموضع في شبه جزيرة، حيث يحدها من الشرق خليج عمان ومن الغرب الخليج العربي، وهو ما يرسم مشهداً طبيعياً بالغ الجمال والروعة.
ولو أردنا الوقوف على البيئة الجبلية في الإمارات العربية المتحدة، وطبيعتها لتحتم علينا التعرف إلى الجبال وطبيعتها الجيولوجية ونوعية صخورها، فهي جبال مرتفعة وتتسم بالوعورة والصلابة والانحدار الشديد، هذا الانحدار الذي يشكل مورداً خصباً لتغذية الوديان بالمجاري المائية بعد هطول الأمطار، أما الوديان فهي لوحات طبيعية بارعة الجمال تتسم بالعمق والغنى بالموارد، كونها تتغذى من مياه الأمطار التي تتشكل بصورة سيول ومجارٍ مائية تنحدر من قمم الجبال نحو الأسفل لتغذي الوديان وأعماقها، وهو ما ينعكس إيجاباً على طبيعة المناخ، وتفاصيل الحياة والنظام المعيشي والعمل فيها.
كما تتسم هذه البيئة بوجود الشواطئ الجميلة الساحرة، والتي تمتد على مساحات واسعة، وكذلك الخلجان الجميلة التي تتسم بصفات تضاريسية مميزة.. لعل منها أنها متعرجة و ممتدة على مساحة كبيرة، كما تتسم أيضاً بانتشار الأخوار والرؤوس البحرية، وهو ما يشكل في مجموعه خصائص طبيعية فريدة، تنفرد بها هذه المنطقة الجبلية من الخليج في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتمثل الشواطئ والخلجان في هذه البيئة المميزة لوحات طبيعية جميلة وساحرة، ولذلك فهي أماكن سياحية من الدرجة الأولى، حيث تسحر الزائرين بمناظرها الخلابة وتسلب عقولهم وألبابهم بمشاهدها الطبيعية الخلاقة، ويرى المتتبع لهذه المناطق أنها مقصد للزائرين والسيّاح من شتى أنحاء العالم العربي والغربي، على امتداد مساحة الكرة الأرضية.
ولو نحوْنا منحىً علمياً بشكل أكثر، لوقفنا على قمم تلك الجبال وارتفاعاتها، وإشرافها وطبيعة صخورها، لوجدنا أنها ذات ارتفاعات كبيرة، فهي في معظمها ترتفع إلى ما يزيد على ألفي قدم فوق سطح البحر، وهي ارتفاعات كبيرة تعطيها سمات بيئية خاصة ومميزة، لعل من أهمها أنها اكتسبت إشرافاً جغرافياً جمالياً رائعاً، وتموضعاً استراتيجياً مهماً على صعيد المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام، خصوصا أن هذه الجبال مسوّرة أو محاطة بمجموعة من الجزر البحرية، وذلك في ثلاثة اتجاهات مختلفة، وكأنها تشكل باجتماعها سواراً، أو قلادة بارعة السحر والجمال تزين محيطها، وتجعله أكثر رونقاً وبهاء.
وبالانتقال إلى ماهية الخصائص الجيولوجية لهذه المنطقة نقف على الجبال وطبيعة صخورها ونوعيتها وخصائصها ومميزاتها، وهي في معظمها صخور جيرية، ترجع في بداياتها وأصولها و نشأتها وتاريخها الجيولوجي إلى أكثر من مئتين وثمانين مليون سنة، وهي حقبة زمنية طويلة وممتدة في أعماق التاريخ الإنساني، وذلك وفقاً لإحصائيات دقيقة ودراسات علمية جيولوجية لكبار العلماء والأكاديميين، وهي دراسات جامعية وأكاديمية معمقة تناولت بالبحث والتمحيص، والدراسة والتنقيب طبيعة هذه الجبال وصخورها، وقد قدمت هذه الدراسات أيضاً تقارير مهمة عن هذه الجبال، فتحدثت عن صلابتها وألوانها ومميزاتها، فهي في معظمها صخور رمادية تميل إلى السواد، وهو ما نراه بشكل واضح في مواضع وأماكن متعددة من المنطقة الجبلية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
أما عن الخصائص البيئية و المناخية، وطبيعة الطقس والأحوال الجوية في هذه المنطقة، فهي تتسم بشكل عام بالحرارة وارتفاعها في فصل الصيف، والاعتدال المناخي وانخفاض درجات الحرارة قياساً بشكل ملموس شتاء، علماً أن المؤشرات والتتبع الدقيق من قبل الأرصاد الجوية يشير إلى أن درجات الحرارة والرطوبة في هذه المنطقة ليست ثابتة، بل تتسم بالتغير والتفاوت تناقصاً وازدياداً، وذلك وفقاً لدرجة القرب من البحر، إلا أنها في العموم، و بشكل طبيعي تتسم بغلبة المناخ الحار وارتفاع نسبة الرطوبة وانتشارها في معظم فصول السنة، باستثناء فصل الشتاء، حيث يتسم هذا الفصل على امتداده بالاعتدال النسبي، وبهطول الأمطار، وهي غالباً هطولات متفاوتة الغزارة والمواعيد وفقاً للمناطق وامتدادها، وأما عن الرياح وحركتها وانتشارها وتنقلاتها، فهي مستمرة ومتواجدة طوال أيام السنة، وذلك نتيجة لطبيعة الموقع الجغرافي لها.
هذا عن الطبيعة الجغرافية والجيولوجية والبيئية والمناخية لهذه المنطقة، فما هو حال البيئة الاجتماعية؟، إنها بلا شك متأثرة بالمناخ والتضاريس والامتداد الجغرافي وآثاره البيئية، والملاحظ أن أبناء هذه البيئة وسكانها المتموضعين على امتدادها الجغرافي، سواء على القمم الجبلية، أو في الوديان، أو في المناطق الساحلية القريبة من البحر، يعملون بالزراعة حيث الماء الوفير الذي تتيحه وتوفره مياه الأمطار التي تغذي الوديان بجريان السيول، وبتربية الحيوانات ورعايتها، وهو ما يوفر للسكان مورداً اقتصادياً وغذائياً مهماً.
وتتسم العلاقات الاجتماعية للأبناء بالتماسك والترابط الأسري، ووحدة الروابط الاجتماعية والمشاركة في المناسبات الوطنية والأعياد والاحتفالات الأسرية كالزواج وغيرها بشكل جماعي، وفي جو من الألفة، جو تسود فيه روح المحبة والتعاون.
ولو أحببنا أن نعود بالتاريخ إلى الوراء للبحث في جذور هذه المنطقة وامتداداتها، لوجدنا أن المنطقة الجبلية وخصوصاً رؤوس الجبال، ذات تاريخ عريق وأصيل، وهو تاريخ ذو امتداد سحيق في أعماق البشرية، وعبر مسيرة الوجود الإنساني منذ الحقب التاريخية السالفة، والدليل على ذلك أن ذكر هذه المنطقة وجد في الرقم والألواح والكتابات القديمة، وأن الاكتشافات واللقى الأثرية أثبتت أن كثيرا من المحاربين والرحّالة و المستكشفين مروا بها، وكانت لهم كتابات عنها، كتابات أرخت لطبيعتها الجغرافية والسكانية، إضافة إلى إشارات كثيرة قدمتها مجموعة لا بأس بها من الدراسات التاريخية على أن كثيرا من الغارات انطلقت من هذه المنطقة، وهي غارات تشهد لبطولة أبنائها وصلابتهم وقوتهم وعزيمتهم، وخبرتهم العميقة في فنون الحرب والقتال والدفاع عن الديار في وجه الغزاة.
وصفوة الحديث: يمكننا وبعد هذه القراءة العجلى في طبيعة الجبال وساكنيها في دولة الإمارات العربية المتحدة، أن نقول إن أبناء هذه المنطقة مثال للمجتمع المتماسك والمترابط منذ الماضي وحتى الحاضر، وهو مجتمع متوازن منفتح على المجتمعات الأخرى المجاورة: الصحراوية والساحلية، مما جعل منه مثالاً للوحدة الاجتماعية المتميزة والرائدة. خصوصاً وأن ثقافة أبناء هذه البيئة وتراثها وعاداتها وتقاليدها، تعد وبكل مصداقية مثالاً للإرث الحضاري المشترك لمجموعة من القبائل العربية الأصيلة، ولعلنا نذكر منها: الظهوريين والشحوح والحبوس وبني شميلي، وغيرها من القبائل التي تعود كلها في النسب إلى قحطان وعدنان، فقد جمعتها أخوة الدين والعرق ووحدتها تربة الأرض وشدت أواصرها، لتشكل كما أسلفت سابقاً مجتمعاً مثالياً يحتذى به، أساسه التكامل الإنساني والاحترام المتبادل فيما بين الأبناء، وهو ما يمثل أنموذجاً رائداً للتواصل الاجتماعي والتكامل الاقتصادي والعسكري الدفاعي فيما بينهم، فكانوا مثالاً لليد الواحدة التي تحمي الأرض والوطن ضد أي طارئ أو عدوان.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©