الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الأصالة والحداثة على صعيد واحد

الأصالة والحداثة على صعيد واحد
18 أكتوبر 2018 02:12

علي حمدان الظهوري

تراث الأمم وعاداتها وتقاليدها من أهم الركائز التي تشكل سجل الأبناء وإرثهم الحضاري الخالد، ويمكن القول إن التراث رمز مهم من رموز الهوية والثقافة الإنسانية، كما يلعب دوراً مهماً في توطيد وتعزيز أواصر الصلات والعلاقات بين الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل، إضافة إلى أنّه النسغ الذي يبث الحياة في المجتمعات ويساعدها على الاستمرار والارتقاء.
وللتراث أهمية خاصة ومكانة مهمة في حياة الأمم، لما له من قدرة عجيبة على تمتين وزيادة عرى التماسك الاجتماعي، ونشر المحبة والسلام بين الشعوب، وهو ما نلمسه بوضوح في دولة الإمارات العربية المتحدة على امتداد مساحتها الجغرافية، والتي نخصص قراءتنا هذه للحديث عن ركن من أركانها، ألا وهي المنطقة الجبلية، والتي تشكل مساحة مهمة ومميزة من دولة الإمارات، ويشكل سكانها مكوناً مهماً وشريحة رئيسة من التركيبة السكانية.
المتتبع لعادات وتقاليد وممارسات السكان في هذه الشريحة الاجتماعية، يجد أنهم جمعوا بين الاحتفاظ بالتراث والأصالة وإحياء العادات والتقاليد التي توارثوها عن الأجداد، وبين مواكبة عجلة التطور والتحديث والقفزات الإبداعية الكبيرة المتحققة في شتى المجالات، خصوصاً بعد اكتشاف الثروة النفطية، مع بدايات ستينات القرن الماضي، فكانوا بحق مثالاً للأصالة من جهة وللرقي والتقدم والإبداع من جهة أخرى.
ومع بدايات السبعينات من القرن نفسه، ازداد الألق والارتقاء مع المنجز التاريخي الخالد الذي حققه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهو توحيد دولة الإمارات العربية، الأمر الذي انعكس إيجاباً على الدولة كلها وعلى حياة أبنائها، ومن بينهم أهل الجبال، إذ شهدت حياتهم تطوراً حضارياً كبيراً وملحوظاً.
لقد أصبحت الحياة أكثر رغداً ويسراً بعد أن كانت صعبة فيها التعب والمعاناة، وهو ما انعكس على الكثافة السكانية، حيث تزايد عدد السكان وانتشارهم، بعد أن كانت هذه البيئة تحتوي على أعداد قليلة من المواطنين في قرى متناثرة على قمم الجبال، وفي مناطق تصل وعورتها وخطورة الطرق الموصلة إليها درجة لا يمكن تخيلها أو حتى وصفها وقد تتكون إحدى القرى من بيت واحد، أو بيتين أو ثلاثة أو أربعة، ولكن الأمر اختلف حين ولدت دولة الاتحاد المباركة، حيث ازداد عدد البيوت وحصل الأبناء والشباب على فرصهم في التعليم والعمل والخدمة العسكرية، وتوافرت الكهرباء في كل منزل، وأصبحت المدارس المخصصة للبنين والبنات بمراحلها المختلفة، موجودة في كل مكان بعد أن كانت مقتصرة على المرحلة الابتدائية. كما شقت الطرقات وتوافرت مياه الشرب، فازدهرت الزراعة وتربية الماشية، وكثرت الغلال والمحاصيل والمواد الغذائية، ليتم تسويق المنتجات الزراعية ونقلها إلى أماكن أخرى وتسويقها، فنشطت الحركة التجارية وازدادت الموارد البشرية والاقتصادية.
أما عن طباع أهل البيئة الجبلية وصفات أبنائها الاجتماعية، فهم يتسمون بالجود والكرم، وطيبة القلب وسماحة الروح، ومتانة التواصل والتراحم في ما بينهم ومع جميع أهالي المناطق المجاورة، وهو ما تجلى في صورة مثالية لقوة العلاقات والروابط الاجتماعية القائمة على مبدأ المساعدة والتعاون والتراحم والمحبة، محافظين في ذلك كله على العادات والقيم العربية الأصيلة التي حملوها عن آبائهم وأجدادهم، وورثوها كذلك لمن بعدهم.
يؤمن سكان هذه البيئة بأهمية العمل والسعي لطلب الرزق وكسب لقمة العيش الكريم، فكانوا يقومون بجميع الأعمال المتوافرة لهم، سواء أعمال الزراعة أو جمع الحطب من الجبال العالية في المنطقة والمناطق المجاورة أو تربية المواشي، وغيرها من المهنالتي تضمن لهم العيش الكريم.
الجدير بالذكر، أنه على الرغم من التطور الكبير الذي حدث في المنطقة، بقي الأهالي متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة، ولم يتخلوا عنها، أو ينسوها، بل بقيت حية خالدة في وجدانهم وفي ضمائرهم وسلوكياتهم.
أما عن طبيعة البيوت والسكن في البيئة الجبلية، وكيف كان حالها وطريقة بنائها ونظامها العمراني بين الحاضر والماضي، فقد كانت قديماً على نوعين، الأول: بيوت القفل، وهي بيوت من الطين، مصنوعة من الطين والحجارة وجريد وسعف النخيل، وبعضها يكون لها حفرة كبيرة في الداخل على مساحة الغرفة، وهي بيوت مخصصة لموسم الشتاء، وتسمى (المشتى)، والثاني الصفة (العريش)، وهو مخصص للسكن في فصل الصيف، لما يوفره للساكنين من برودة واعتدال في المناخ، وتقع هذه البيوت في أسفل سفوح الجبال.
هكذا هي حياة سكان الجبال في الإمارات، حياة تواكب الحاضر ورقيه وتطوره، والقفزات الحضارية العالمية الخيالية التي حققتها الدولة، ولكنها تبقى محافظة على جذورها قريبةً من ماضيها، ومن تراثها وأصالتها، ملتصقة بحياة الأجداد والآباء والسلف الماضي الذين عاشوا في رؤوس الجبال،إنهم أبناء الإمارات، أبناء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذين تمسكوا بتراثهم الأول الأصيل، وحافظوا على ما ورثوه من أجدادهم، لينقلوه بعد ذلك لأولادهم وأحفادهم، ليتوارثوه بدورهم من بعدهم.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©