الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«حصاد» أزمة إيران النووية

20 يوليو 2015 21:40
هذا الاتفاق النووي هو الأول من نوعه. قد يُشبّه باتفاق سابق مع كوريا الشمالية إلا أنه يختلف بكونه عطّل «القنبلة» قبيل صنعها. والآن، بعد انجازه، ومع افتراض أنه سينفذ وفقاً للنصوص، يمكن التساؤل مجدداً عن الأسباب والدوافع والمصالح التي جعلت المتضادّين الخمسة في مجلس الأمن يتضامنون خارج هذا المجلس لضبط البرنامج النووي لإيران وفرض عقوبات عليها ومن ثمّ تقييد نشاطها ولو لفترة زمنية محدودة. وفي المقابل يجدر التساؤل أيضاً عما اضطر إيران لتعريض نفسها لهذه العقوبات التي شلّت اقتصادها وأبطأت تطوير بناها الانتاجية وأخّرت التنمية على مستويات عدة، إذ سخّرت معظم ما توفّر لها من موارد في خدمة مشاريع «تصدير الثورة»، وفي المجهود العسكري. من الواضح أن هذه التساؤلات لا تشغل أحداً اليوم، بل إن الأنظار موجهة خصوصاً إلى استشراف الانعكاسات الاقتصادية للاتفاق النووي على أسواق النفط والغاز وتأثيرها على اقتصادات الدول المعنية تحديداً في منطقة الخليج، فضلاً عن التداعيات الجيو-سياسية لهذا الاتفاق بالنظر إلى التدخلات الإيرانية في عدد من البلدان العربية وانخراطها في تعميم الأزمات. وهذا كله ضروري ومهم، غير أن حزمة الدوافع الدولية (والإيرانية) تحكّمت طوال الوقت بمسار الأزمة، من التهديد بالخيار العسكري إلى الذهاب بالمفاوضات إلى أقصاها. معلوم أن صيغة التفاوض (مجموعة الـ 5+1 مقابل إيران) تبلورت بالتشاور بين هذه الدول، وباقتباس الصيغة التي اتبعت بالنسبة إلى كوريا الشمالية، لكن الولايات المتحدة هي التي قامت دائماً بالجهد الدبلوماسي لإقناع الدول الست بمساندة العقوبات الدولية التي بلغت أربعاً، عدا العقوبات الثنائية. وبالطبع لم يخلُ الأمر من حوافز تجارية قدمتها واشنطن لترغيب روسيا والصين، اللتين تمتعتا بالاستثناءات التي منحت إليهما في إطار العقوبات، فموسكو واظبت على بيع الأسلحة لطهران بالإضافة إلى كل لوازم المفاعلات النووية التي كان يُراد وقفها وتفكيكها، وبكين حظيت لأعوام عديدة بنفط رخيص أياً كان سعره العالمي، وكذلك بسوق إيرانية كبيرة لسلعها المختلفة. لكن صيغة التفاوض هذه استندت أيضاً إلى خطوط سياسية عريضة وافقت عليها روسيا والصين، وأهمها اثنان: 1) تفاهم الدول الست على اعتبار السلاح النووي في يد النظام الإيراني بمثابة خطر دولي، وبالتالي تفاهم على منعه من الحصول على قنبلة نووية. 2) تجديد التزام سابق لهذه الدول بأمن إسرائيل وضمان تفوقها العسكري في المنطقة. أما إيران فكأن نظامها عاش منذ انطلاقته متوجّساً من مؤامرات لإسقاطه، ومع انتهازه عقد التسعينيات للتعافي من تداعيات الحرب مع العراق جاءه الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فاستشعره كتهديد بادئ الأمر ثم تعامل معه كفرصة استراتيجية نادرة إلى أن تمكّن من ترجمته بـ «تقاسم» للنفوذ مع الولايات المتحدة في العراق. في غضون ذلك تفجّرت الأزمة النووية، وسرعان ما فُرضت العقوبات، فراح النظام يستغلّ وجوده في العراق وتحالفه مع النظام السوري وإدارته لجماعات مثل «حزب الله» و«حماس» و»الحوثيين» للتأزيم في كل الاتجاهات، ضد إسرائيل وضد حلفاء أميركا وأصدقائها. وعندما اندلعت الانتفاضات عام 2011 وجدها أيضاً فرصة لتصعيد تدخلاته، متطلّعاً من جهة إلى مصالحه الإقليمية ومستغلّاً الظروف للمضي في برنامجه النووي إلى أقصاه. وبذلك كان الدافع الأيديولوجي هو الغالب في تحمله للعقوبات. نظرة سريعة إلى العقد الذي مضى تثبت أن الدول الست لم تخلّ بهذه التفاهمات، وأن روسيا والصين استفادتا من كل العقوبات ولم تؤيداها إلا بعد تعديلات تضمن مصالحهما. ومع اقتراب رفعها بعد ستة شهور بدأت منذ الآن مناورات ومنافسات دولية واسعة لإحراز الأسبقية في حجز الحصص وانتزاع عقود الأعمال مع السوق الإيرانية. لكن موسكو وبكين لم تحصّلا فوائد فحسب، بل استغلّتا الأزمة لتشكيل محور سياسي تحتل فيه إيران موقعاً مهماً، وبرزت أخطر مفاعيله في التعامل مع الأزمة السورية، ولا شك أن هذا المحور الذي تأسس لمواجهة الولايات المتحدة وسياساتها سيستمر على خطّه وسيحرص على أن تبقى إيران في صفّه، وهي ستحرص على ذلك أيضاً لأن تطبيع علاقاتها مع أميركا سيستغرق وقتاً. وبالنسبة إلى طهران، فإن مكاسبها الإقليمية ما كانت لتحصّلها لو كانت لديها «القنبلة» أما الاتفاق على منع قنبلة غير موجودة فيرشّحها الآن لأدوار في حل أزمات أسهمت في صنعها. عبدالوهاب بدرخان* *محلل سياسي- لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©