السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

صحيفة على مقاسك.. لك وحدك!

صحيفة على مقاسك.. لك وحدك!
15 نوفمبر 2017 23:08
أحمد مصطفى العملة حتى سنوات قليلة مضت، كان يجمع بيننا، أنا وأنت والعائلة وجيراننا ومن حوالينا، ما يبثه الإعلام.. تلفزيون، إذاعة، صحف. كانت الخيارات المتاحة محدودة للغاية، خاصة وقت المساء، لكن يتشارك فيها الجميع.. لذا بقي كل مجتمع، على موجة واحدة تقريباً. هل كان ذلك أمراً جيداً أم سيئاً.. لا يهم! لكن، مع ثورة الإعلام التقليدي «الفضائيات» خصوصاً صار ذلك من الماضي السحيق، لم يعد الجميع يرون المسلسل نفسه أو البرنامج ذاته، أو حتى نشرة الأخبار نفسها.. الخيارات صارت بلا حصر.. ومن ثم الأفكار والتوجهات أيضاً. هل جعلنا ذلك أفضل أم أسوأ.. لا يهم! غير أن صعود الإعلام الرقمي على موجة الأجهزة الذكية، أعادنا من حيث لا ندري لحالتنا الأولى، بفضل الـ«SHARE»، عبر وسائل التواصل، ولكن هذه المرة على نطاق أكثر اتساعاً. لقد تعدى الأمر حدود المجتمعات المحلية، بعدما صار بمقدور ملايين البشر حول العالم، مشاهدة مقطع الفيديو نفسه خلال ساعات محدودة، مثلاً، من دون أن يعني ذلك أنهم يتشاركون المواقف والقيم نفسها. الجديد الآن هو أننا بصدد مرحلة مختلفة تماماً، ربما تكون النقيض لكل ما سبق، لا يتوجه فيها الإعلام، للجموع ككتلة واحدة مصمتة، بل لكل قارئ على حدة، كل بحسب اهتماماته وعاداته وظروفه الشخصية، وأيضاً موقعه الجغرافي. أي أن ما ستراه أنت على الصفحة الرئيسية لموقع الصحيفة لن يكون هو نفسه ما يراه الآخرون، ولو كانوا على مرمى حجر منك، وهذا بالتحديد ما تحاول أن تنجزه «نيويورك تايمز» الآن اعتماداً على خوارزميات رياضية تكشف للمحررين، اهتماماتك، عاداتك، قائمة تفضيلاتك، عدد مرات تصفحك للموقع، ماذا قرأت في آخر مرة زرت الموقع، ناهيك عن مقر إقامتك. طبعاً ستبقى القصص الرئيسية المهمة متاحة للجميع في الصدارة، كما يقول كينسي ويلسون نائب رئيس التحرير التنفيذي والمسؤول عن قسم الابتكار والاستراتيجية، لكن الأقسام الفرعية التي تظهر حولها على موقع الجريدة، سيتم «تفصيلها على مقاس» كل قارئ، بحسب احتياجاته، فضلاً عن زاوية، تظهر فيها ترشيحات المحررين لكل قارئ، أيضاً بحسب اهتماماته، وبعضها مقالات قديمة لم يطلع عليها. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تبحث الصحيفة أيضاً أفكاراً أخرى، كأن يقوم القراء بالتوقيع على طلب تلقي إشعارات عند نشر مقالات كتاب بعينهم، أو أن يسحب المحررون قصة من مكان بارز على الصفحة الرئيسية لأن القارئ سبق أن اطلع عليها، لتحل مكانها قصة أخرى لم يقرأها، أو أن تحتفظ بقصة في مكان بارز لأولئك الذين لا يزورون الموقع بشكل متكرر. في الوقت نفسه، سيتمكن جمهور بعض القضايا الخاصة التي قد تتعلق بفنان مثلاً أو نادٍ أو ظاهرة معينة، من رؤية القصص الإخبارية ذات الصلة في مكان بارز على تطبيقات الهاتف الذكي أو في الصفحة الرئيسية لموقع الجريدة، طول الوقت. هل يعني ذلك كله، أن الجريدة ستحرم قراءها من القصص الرئيسية التي تبثها «200 قصة إجمالي المنشور يومياً» ؟!.. بالطبع لا. سيظل بمقدور الجميع رؤية كل محتوى الصحيفة.. فقط الذي سيتغير هو ترتيب أولويات الموقع التي سيتم تفصيلها بحسب كل قارئ. تطور من هذا النوع هل يعد أمراً جيداً أم سيئاً؟! هذا يهم كثيراً الآن. لأن هذا التوجه الذي قد يصبح الموضة الجديدة في الصحافة، يثير إشكاليات عدة أولها يتعلق بالخصوصية، القراء سيتأكدون حينئذٍ بالتجربة، أنهم مراقبون، وأنه يتم تعقب سلوكهم على الإنترنت وما يقرؤون وما يبحثون عنه، حتى ولو كان ذلك لتحديد تفضيلاتهم، بما يعني إشعارهم أن خصوصياتهم ليست محمية بالقدر الذي يتخيلون. من جانب آخر، قد يجد البعض في تفصيل الصحيفة على مقاس القراء، ولو حتى بمجرد تقديم ترشيحات خاصة لهم من المواد المنشورة، نوعاً من الوصاية المرفوضة والتدخل المنفر في اختياراتهم الشخصية وطريقة اطلاعهم على الصحيفة، بحسب مخاوف «نيويورك تايمز». لكن في المقابل، سيرى آخرون أن ذلك أفضل كثيراً، لأنه سيوفر وقتهم وطاقتهم، لأنهم حينئذٍ لن يقرؤوا أو يشاهدوا إلا ما يحبون، من دون أن يتشتت انتباههم. أما المستفيد الأكبر في كل الأحوال فهي الصحف، فالقصص الإخبارية الجيدة الكثيرة التي تقدمها يومياً، ستجد جميعاً فرصتها في الوصول إلى شريحة أضخم من القراء، من دون أن تتنافس على حيز ضيق على شاشة الكمبيوتر أو الهاتف الذكي.أياً كان الحال، توجهات من هذا النوع توحي بأن الصحافة مقبلة على تغييرات كبيرة. انتظروها قريباً! (ahamed.moustafa@alittihad.ae)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©