الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تطبيق معايير الحوكمة لتجنب مخاطر العولمة

تطبيق معايير الحوكمة لتجنب مخاطر العولمة
10 أغسطس 2006 23:54
أمل المهيري: اتخذ موضوع إدارة الحكم (الحوكمة) أهمية متزايدة في السنوات القليلة الماضية، حيث أصبح من أولويات صانعي القرار والمهتمين بهذا الشأن في كافة أنحاء العالم· وهذا الاهتمام يشمل ثلاثة مستويات، أولها يتعلق بكيفية إدارة الشؤون الاقتصادية والمالية على المستوى الدولي، وثانيها يتعلق بالحكم السليم على المستوى الوطني، ويعنى بالسياسة الاقتصادية الكلية لدولة ما وكيفية إدارة وتوزيع الموارد الوطنية، وثالثها يتعلق بتنظيم وإدارة المؤسسات داخل الدولة، سواء كانت هذه المؤسسات عامة تابعة للدولة أو شركات خاصة· جاء ذلك في الإصدار الجديد لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ''دراسات استراتيجية'' حول إدارة الحكم والعولمة (الحوكمة) وجهة نظر اقتصادية، للكاتب إبراهيم فريد عاكوم، وقال إن ارتقاء هذا الموضوع إلى صدارة الاهتمامات الدولية هو نتيجة تضافر عوامل متعددة، ومن المتوقع أن تنتج عنه تداعيات من شأنها أن تؤثر بشكل كبير في أداء القطاع العام والقطاع الخاص على المستوى الوطني من جهة، أو في إدارة الاقتصاد الدولي كافة من جهة أخرى· وبناء عليه، فإن تحقيق أو عدم تحقيق تقدم في هذا المجال سوف تترتب عليه انعكاسات إيجابية أو سلبية طويلة المدى على مستوى معيشة مليارات البشر، وخاصة في الدول النامية· إن الحكم السليم يشكل شرطاً لازماً لعملية النمو المستديم ومحاربة الفقر، وبالتالي رفع مستوى معيشة المواطنين· فقد أثبتت التجارب بوضوح أن الحكم غير السليم على أي من المستويات الثلاثة المذكورة آنفاً يعد عاملاً أساسياً في إعاقة الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية التي تضعها الدول نفسها، أو تلك الأهداف التي تم تبنيها من قبل المجتمع الدولي في عام ،2000 وتحديداً ما يسمى الأهداف الإنمائية للألفية· إن الحكم غير السليم يعوق التنمية، ويكبل الجهود الهادفة إلى رفع مستويات المعيشة، ويعمق الحرمان والتمايز بين فئات المجتمع، ومن ثم يولد أو يسهم في تفاقم عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي· ظاهرة العولمة لقد أضحت مهمة الحوكمة في ظل تسارع ظاهرة العولمة بشكل كبير واشتداد الدعوة لتبني وتطبيق معايير ومواثيق وممارسات فضلى دولية، أكثر صعوبة من ذي قبل حيث تحولت إلى عملية معقدة وشائكة في مناخ دولي يتسم بالتداخل والترابط الكبير في غالبية المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية· وفي ضوء هذا الواقع، يواجه متخذو القرار على المستوى الوطني المحلي سواء بالنسبة للقطاع العام أو القطاع الخاص مشكلات أكثر تعقيداً من السابق· هذه التطورات العالمية وما يسمى بالنظام الدولي الجديد حتّمت على كافة الاقتصادات أن تكون أكثر تنافسية، وأن تحقق ذلك في مناخ يتسم بتحرير تجارة السلع والخدمات، وبحركة رؤوس أموال ضخمة سواء إلى داخل اقتصاد ما أو من داخل هذا الاقتصاد إلى الخارج وبسرعة متناهية، الأمر الذي يؤدي إلى زعزعة الاستقرار المالي، كما حصل بالفعل في آسيا عام ·1997 ومن الملاحظ أن انعكاسات هذا التحول في النظام الدولي تتعدى المجال الاقتصادي والمالي، وتمتد لكي تشمل كافة جوانب المجتمع من سياسة واجتماع وثقافة· فقد طال هذا التحول العالمي حتى مفهوم سيادة الدولة بالمعنى التقليدي للكلمة، وجعل من السيادة في كثير من الأحيان مفهوماً أو خياراً غير عملي وغير واقعي· وبناء عليه، بدأ نظام جديد بالظهور مبني على السعي الحثيث نحو تبني معايير دولية يتم تسويقها من خلال المؤسسات الدولية؛ مثل البنك وصندوق النقد الدوليين وبنك التسويات الدولية وغيرها· وتشمل هذه المعايير والممارسات الفضلى السياسات النقدية والمالية والتجارية ومعايير التدقيق والمحاسبة والإحصاءات والشفافية والإفصاح، وإلى ما ذلك· إن فحوى هذه التطورات والرؤية العالمية المستجدة غير قابلتين للجدل؛ ومفاده أن أولئك الذين لا يتبنون ولا يلتزمون بمستلزمات هذا النظام الدولي الناشئ سيجدون أنهم لن يتمكنوا من قطف ثمار العولمة والاستفادة كثيراً من النظام الجديد· يبدأ المؤلف في القسم الأول من دراسته بتحليل الأسباب الموجبة للإدارة السليمة للحكم (الحوكمة)، حيث يقول بأن هناك أسباباً متعددة وراء هذا السعي الجديد نسبياً نحو تعزيز الحوكمة وتبني المعايير الدولية، إلا أن أهم هذه الأسباب الرئيسية السرعة المتناهية التي تخطو بها عملية العولمة والمتمثلة بزيادة تحرير تجارة السلع والخدمات، وبشكل خاص الخدمات المالية، أما السبب الرئيسي الآخر فهو إدراك أن إدارة الاقتصاد العالمي خلال العقود القليلة الماضية لم تكن مرضية، وأن القواعد والسياسات والإجراءات التي تحكم هذه العملية لم تعد تتلاءم مع ما أفرزته ظاهرة العولمة من تغيرات على الساحة الدولية· التنمية الاقتصادية ويعرض الباحث في القسم الثاني أداء الاقتصاد العالمي، فيذهب إلى أن التحليل الذي تقدمه هذه الدراسة في هذا الجزء الذي جاء مفصلاً، يدعم ويتوافق مع الرأي القائل بأن سجل عملية التنمية الاقتصادية في العقدين الماضيين لم يكن مشرفاً على الإطلاق بل جاء مخيباً للآمال· ويشدد على أن الحاجة إلى إدارة عملية التنمية الاقتصادية العالمية بشكل أفضل، مع ما ينطوي على ذلك من مسؤولية الدول الغنية، لا تعفي الدول النامية نفسها من جزء من هذه المسؤولية· فلا يمكن لزيادة المعونات الخارجية ولا لأية مبادرة لخفض أو إعادة هيكلة المديونية وحدها أن تنتشل الدول النامية من الأزمة التي تتخبط فيها· ومن ثم، فالمطلوب تحسين وتطوير مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون ''هيبيك''، من خلال زيادة مقدار الأموال المتاحة للدول المؤهلة للاستفادة منها، وبمبالغ أكبر من المبالغ الحالية التي تم الاتفاق عليها في القمة العالمية حول التنمية القابلة للاستمرار، التي انعقدت في جوهانسبرج عام ·2002 بالإضافة إلى ذلك، تجب زيادة المساعدات الإنمائية الرسمية بأكثر من نسبة 0,7% من الناتج المحلي الإجمالي للدول الغنية، والتي حددتها الأمم المتحدة، والتي لا يتم حتى الالتزام بها من قبل هذه الدول· والأهم من ذلك، يجب على الدول الصناعية الغنية أن تفتح أسواقها لصادرات سلع الدول النامية التي تتمتع فيها هذه الدول بميزة تنافسية، وإلغاء الدعم والإعانات المالية التي تقدمها الدول الغنية لقطاعات معينة، إضافة إلى التدابير الحمائية الأخرى التي تتبعها· ما هي الحوكمة ؟ ويقدم المؤلف في القسم الرابع، المخصص لدراسة مفهوم وطبيعة الحوكمة والتنظيم والإدارة المؤسسية، تعريف الحوكمة على أنها العملية والإجراءات التي يتم من خلالها بلورة وتنفيذ السياسات الوطنية، والتي بموجبها يتم توزيع الموارد بما يتوافق ونمط القوى السياسية والاقتصادية السائدة في حينه· واستطراداً فإن الإدارة الجيدة للحكم هي التوزيع العادل والفعال للموارد المتاحة في إطار مؤسسي مناسب يهدف إلى خدمة المصلحة العامة وضمان التنمية القابلة للاستمرار· وبناءً عليه، يبين المكونات العملية لهذا التعريف من خلال مفهوم يسميه ''دورة إدارة الحكم'' ويشرح مكامن الخلل الذي يمكن أن يؤدي إلى إعاقة، وبالتالي فشل عملية الحوكمة وقصورها عن بلوغ الأهداف المرجوة منها· وقد حدد أربع عمليات مختلفة في دورة الحوكمة هي: عملية توزيع وتخصيص الموارد، وعملية بلورة السياسات والبرامج، وعملية تطبيق السياسات والبرامج، وعملية توزيع الدخل· ويحدد سير هذه العمليات الأربع كيفية وصوابية توزيع وتخصيص الموارد، وملاءمة السياسات والبرامج، وفعالية وكفاءة التطبيق، وعدالة توزيع الدخل الوطني· ويشير المؤلف إلى أنه لا يطرح هذه العمليات الأربع المكونة لدورة إدارة الحكم كعمليات أو أنشطة متتابعة حصرياً بالشكل الذي قدمه، لأن هذه العمليات تؤثر وتتأثر فيما بينها بأشكال متنوعة مع مرور الزمن· ولكن هذه الدورة تعبر عن نموذج مبسط للتسلسل المنطقي لهذه الأنشطة· وهذا هو السبب الرئيسي لاختيار تعبير ''عملية'' وليس ''مراحل'' تحدث بشكل تسلسلي· وتحت العنوان الرئيسي للدراسة، وهو إدارة الحكم في ظل العولمة، جاء القسم الخامس منها ليؤكد أن الحوكمة عملية معقدة أصلاً، وما يزيد من تعقيدها هو العولمة بما يرافقها من مظاهر الانفتاح وتشابك العلاقات الاقتصادية والمالية· لذا، أضافت العولمة جرعة إضافية من التعقيد على مهمة صانعي القرار على مختلف المستويات· وكما أن العولمة تجلب معها الوعد بعالم أفضل، فيما لو تمت إدارتها بشكل فعال ومتوازن، فإنها في الوقت نفسه جعلت من السهل انتشار الأزمات المالية المتكررة والصعب احتواؤها ضمن إطارها الوطني أو الإقليمي· فكلما ازدادت الدول انفتاحاً ازدادت الحاجة إلى تهيئة نفسها لمواجهة منافسة أشد، ولزمها أن تتقيد بالمواثيق والمعايير التي يضعها المجتمع الدولي، وبذلك تصبح عرضة لنوع جديد من المساءلة· إضافة إلى ذلك، أصبحت دوائر الاختصاص القضائية التي تحكم في مسائل التعاملات المالية والاقتصادية عبر الحدود أكثر تشابكاً وذات أوجه متعددة، حتى إن مفهوم السيادة ومفهوم الدولة-الأمة أصبح أمراً قابلاً للمساومة وبدأ يتداعى فعلياً في مجالات عدة· في ظل هذه الظروف والمستجدات، من الطبيعي أن تصبح إدارة الاقتصادات الوطنية ورسم سياسات اقتصادية وطنية عملاً شائكاً· ما هو مطلوب هو حوكمة أفضل تحقق المصالح الاقتصادية والاجتماعية· وهذه مهمة الدول الفقيرة كما هي مهمة الدول الغنية· إن على الدول الغنية مساعدة الدول الفقيرة التي عليها أن تساعد نفسها بالدرجة الأولى، وإن دعم الدول المتقدمة ليس - ويجب ألا ينظر إليه باعتباره - بديلاً بل مكمل للجهود الوطنية الذاتية· وعلى الدول النامية معالجة عدم التوازن الحاد في هياكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الأمر الذي نتج عنه اتباع سياسات اقتصادية غير مناسبة، وأنظمة رقابية معقدة ومكبلة للقطاع الخاص، وأطر قانونية وقضائية غير ملائمة· وبالتالي، على هذه الدول أخذ تدابير جدية وحازمة لتحسين أدائها الاقتصادي من خلال تعزيز الاستقرار السياسي، وتبني سياسات اقتصادية كلية مواتية، وتطوير وتأهيل مؤسساتها الخاصة والعامة، واجتثاث الفساد، ومحاربة سوء استخدام السلطة وموارد الدولة للمصلحة الشخصية، ووقف القمع بكافة أشكاله، وتعزيز الحريات العامة، وتبني نهج لإشراك فعلي لكافة فئات المجتمع في عملية اتخاذ القرار والاستفادة من عملية التنمية· ولكن في حين أن الإدارة السليمة للحكم والإصلاح على المستوى الوطني تشكل عاملاً ضرورياً، فإنه لا يعتبر كافياً في كثير من الأحيان لضمان نجاح الجهود التنموية المحلية، وخاصة في ظل العولمة، حيث تتأثر الجهود الوطنية إلى حد كبير بالتطورات الاقتصادية والمالية على المستوى الدولي·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©