الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أولمرت... هل يعود للحياة السياسية؟

15 يوليو 2012
يمكـن أن تكـون تبرئـة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في العاشر من يوليو الحالي من معظم تهم الفساد التي كانت موجهة له نقطة فارقة للدولة اليهودية.على المستوى العام الأكثر وضوحاً، يمكن القول إن الحكم القاضي بتبرئة أولمرت من التهم الموجهة إليه في قضيتين رئيسيتين، يقوض مصداقية منظومة الإدعاء العام في إسرائيل. وهذا القول يغدو صحيحاً تماماً خصوصاً إذا أخذنا في اعتبارنا الكلمات القاسية التي وجهتها المحكمة لمصداقية وتماسك شاهد الإثبات الرئيسي ضد أولمرت. والكثيرون في إسرائيل يتعجبون من السهولة التي قام بها مكتب المدعي العام بتوجيه التهم لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق في الأساس، وألقى بأمة بأكملها في براثن التشوش والاضطراب بناء على تلك الشهادة التي دحضتها المحكمة في جلستها الأخيرة. وهكذا فإن القضية المرفوعة ضد أولمرت والتي بدت منذ أربع سنوات وكأنها تمثل انتصاراً للقانـون، تبـدو الآن وكأنهـا شيء لا يمكن أن يحدث إلا في إحدى جمهوريات الموز في أميركا اللاتينية: أن يتم عزل رئيس وزراء من منصبه في ظروف بالغة الحساسية على أساس دليل أو أدلـة واهيـة لدرجـة تبعث على السخرية. ولكن أهم التداعيات الناتجة عن حكم المحكمة الأخير هي تداعيات سياسية. فأولمرت هو السياسي الذي قدم لمحمود عباس عام 2007 عندما كان رئيساً للوزراء، أشمل مقترح إسرائيلي لحل الصراع العربي- الإسرائيلي: مقترح يقوم على ليس فقط على الانسحاب لخطوط 1967(مع إجراء بعض المبادلات في الأراضي) وإنما أيضاً على السماح بعودة عدد رمزي من اللاجئين الفلسطينيين. ليس هذا فحسب بل قدم، وهو ما كان يدعو للدهشة البالغة، التزاماً بتقسيم مدينة القدس وإدارتها على نحو مشترك من قبل لجنة دولية تتكون من إسرائيليين، وفلسطينيين، وأميركيين، وأردنيين، وسعوديين، وغيرهم. في مذكراتها الشخصية أبدت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس دهشتها من تلك الأفكار والالتزامات، التي لقي رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين مصرعه لتقديمه أفكاراً والتزامات أقل منها بكثير. هناك احتمال كبير لأن يؤدي حكم المحكمة الإسرائيلية الأخير لتمهيد الطريق لعودة أولمرت للحياة السياسية. وهذه العودة تتوقف على تبرئته من قضية معلقة مرفوعة ضده، تتهمه بقبول رشاوى مرتبطة بمشروع إنشائي عندما كان يشغل منصب عمدة مدينة القدس. تلك العودة تتوقف أيضاً على ما إذا كان القضاة سيقومون بتقرير أن هناك مبالغة خاصة في توصيف القضية الصغرى التي أدين فيها يوم الثلاثاء قبل المحكمة والمتعلقة بـ"خيانة الأمانة"، والتي حجزت للحكم في سبتمبر القادم. وعلى أي حال فإن أي من هاتين القضيتين لن تمثلا مشكلة. لأن القضية المعلقة تتوقف إدانة أولمرت فيها على شهادة شاهد أقل مصداقية من الشاهد الذي كان في قلب حكم التبرئة التي حصل عليه أولمرت يوم الثلاثاء. كما أنه ليس من المرجح أن توجه المحكمة توبيخاً خاصاً لأولمرت بشأن تهم خيانة الأمانة. وفي جميع الأحوال فإن أولمرت تمت تبرئته من تماماً من الاتهامين الرئيسيين اللذين أتاحا الفرصة لتوجيه الاتهامات إليه في المقام الأول. على الرغم من أن أولمرت قال إنه لن يعود إلى السياسة إلا أننا يجب أن نأخذ هذه المقولة بقدر معقول من الشك خصوصاً وأنه قد تحدث مع عدد من شركائه قبل صدور الحكم بفترة قصيرة، وقال أمامهم إنه المنافس الوحيد من تيار الوسط الصالح لتولي منصب رئيس الوزراء. والتاريخ السياسي الإسرائيلي يحفل بالشخصيات السياسية التي تولت الحكم في فترة ما ثم توارت في النسيان لسنوات، ثم عادت مرة أخرى لتضطلع بأدوار في غاية الأهمية على قمة الهرم السياسي ابتداء من ديفيد بن جوريون إلى إسحاق رابين، إلى إيهود باراك. ولا شك أن أولمرت الآن بات في وضع يسمح له بأن يكون واحداً من هؤلاء السياسيين العائدين. وطريق أولمرت للعودة لقيادة حزب كاديما يبدو ممهداً. كما يبدو الطريق ممهداً -في حالة عودته- لعقد ائتلاف مع شخصية وسطية صاعدة بقوة في سماء السياسة الإسرائيلية، هي شخصية الإعلامي المشهور يائير لبيد الذي قرر دخول الحلبة السياسية وإنشاء حزب جديد هو حزب" يش آتيد" (هناك مستقبلا) الذي يركز برنامجه الانتخابي على تحسين الخدمات الصحية وتوفير المسكن الملائم بأسعار في متناول المواطن العادي، والتعليم العمومي، وتحسين النظام الحكومي وغيرها من المشروعات التي تلقى قبولاً من الطبقة الوسطى وتؤشر أن الحزب يمكن أن يكسب شعبية كبيرة خلال فترة وجيزة. بقدر من التفاؤل- ودعنا نقول بجرعة قليلة من الميل يمكننا تخيل إيهود أولمرت إذا ما عاد كرئيس للوزراء سياسياً قادراً على الوصول إلى السلطة، وتحقيق تسوية تاريخية مع قيادة فلسطينية مثل مروان البرغوثي المسجون حالياً، والذي قد يعترض البعض عليه بالقول إنه قد ارتكب أعمالاً إرهابية ضد إسرائيل ولكن الحقيقة هي أن الأعمال التي ارتكبها ليست أكثر إرهاباً أو إجراماً من أعمال خططت لها بعض الشخصيات التي حصلت على جائزة نوبل للسلام. إن الإسرائيليين والفلسطينيين في حاجة ماسة إلى شخصيتين مثل" مانديلا" و"كلارك" في جنوب أفريقيا يمتلكان من الشجاعة والسلطة ما يمكنهما من أن يقول لقواعدهما إن الوقت قد حان لإنهاء الصراع حتى لو كانت التنازلات المطلوبة لتحقيق مثل هذا السلام مؤلمة. ولا شك أن تبرئة أولمرت يمكن، دونما قصد، أن تجعل الشعبين أقرب للحصول على مثل ذينك القائدين. نير إيسيكوفيتس أستاذ الفلسفة الأميركية والسياسية في جامعة سافوك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©