الأحد 12 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فوضى الإفتاء» تزيد الحيرة وتشيع البلبلة بين المسلمين

«فوضى الإفتاء» تزيد الحيرة وتشيع البلبلة بين المسلمين
21 يوليو 2011 19:31
قديماً كان للإمام الشافعي، رحمه الله، مقولة شهيرة، “رأينا صواب يحتمل الخطأ‏، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب”‏، والآن تناسى البعض ذلك وتبادلوا الاتهامات تارة بالجهل‏، ‏وأخرى بموالاة الحكام‏، وثالثة بالتطرف والغلو في الدين، ووصل الأمر إلى التكفير والتأويل والإخراج من الملة، وإصدار فتاوى تحرض على الفتنة وتشيع البلبلة بين عامة المسلمين وتهدد أمن واستقرار المجتمع الإسلامي.‏ القضايا والتساؤلات التي كان المكان الطبيعي لطرحها المساجد والإجابة عنها كانت تنطلق من المنابر، ولكن المنابر الآن تغيرت وأساليب وأماكن الفتوى تعددت وتزايدت ومعها تزايدت الحيرة والبلبلة.‏ (القاهرة) - الفضائيات تدفع للعلماء، وليست الحال بأفضل منها في المواقع الإسلامية عبر شبكة “الإنترنت”، وحين نسال العلماء يؤكدون أن اختلاف وتضارب الفتاوى في‏ ‏مصلحة المسلمين، ‏والمسلمون أنفسهم في حيرة من أمرهم، أي الفتاوى يتبعون‏، ‏وبأي من العلماء يثقون؟‏ وكيف تكون المصلحة في ظل هذا التضارب‏ الفقهي؟ يقول الدكتور علي جمعة ـ مفتي مصر ـ: اختلاف الفقهاء قد يكون من مزايا الفقه الإسلامي إذا أخذ على أنه اختلاف تنوع وتكامل وليس اختلاف تناقض‏، فالاختلاف له قواعد إذا تربى الناس عليها تحول من نقمة إلى نعمة،‏ فاختلاف الأمة رحمة حينما تسمح هذه التعددية لكل المجتهدين بأن يدلوا بدلوهم‏، بشرط أن تتوافر فيمن يتعرض للفتوى شروط الإفتاء‏، وكذلك أن تكون هناك مرجعية للعلماء والناس‏، والأزهر هو المرجعية الدينية الكبرى‏، وهو المرجع لأهل السنة والجماعة‏.‏ الأقرب للصواب ويرجع مفتي مصر الجدل الدائر والحيرة حول فتاوى الحل والحرمة إلى من يتصدون للفتوى بغير علم. ويقول‏:‏ لا ينبغي أن يتصدى للفتوى أي شخص لأنها مبنية على علم كأي علم آخر‏،‏ فكما أننا نجرم ونحرم كل من تصدى للطب وعلاج المرض من غير أهل كليات الطب أو كل من تصدى للهندسة من غير الحصول على مؤهل‏، يجب أن نجرم كل من يتصدى للفتوى‏ في دين الله، لأن الأديان ليست بأهون من البدن أو مجالات الحياة الأخرى‏.‏ ويشدد على أهمية الاجتهاد الجماعي الذي أصبح ضرورة تفرضها تحديات العصر، وثورة الاتصالات والتقنيات الحديثة غيرت العالم، ولذلك فإن الاجتهاد الجماعي هو الأفضل والملائم لطبيعة العصر، لأن كل شخص ضمن الجماعة يكون متخصصاً في مجال معين وقادراً على فهمه على مستوى رفيع من الإدراك وبذلك يكون الاجتهاد الجماعي أقرب إلى الصواب وأبعد عن الخطأ‏،‏ فالحاجة إلى الاجتهاد الجماعي نابعة من تعقد الواقع وعجز أي شخص بمفرده عن إدراكه‏.‏ مصلحة للمسلمين أما الدكتور نصر فريد واصل‏ ـ مفتي مصر الأسبق‏ ـ فيرى أن تضارب الفتاوى واختلاف الآراء مصلحة للمسلمين، ولكنه يضع شروطاً عدة لتحقق تلك المصلحة، ويقول:‏ ديننا الإسلامي يتسع لتعدد الآراء والاختلاف في الفروع‏، ‏وأما الأصول من قرآن وسنة فلا خلاف عليها‏، والخلاف يأتي لأن النصوص تحتاج إلى تفسير‏، ‏وهذا التفسير يختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان‏، ولذلك نشأت المذاهب التي فسرت هذه النصوص‏، ‏ومع اختلافها إلا أنه لا تعارض بينها‏، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ استفت قلبك ولو أفتوك‏، وهنا يأتي دور الترجيح بين الفتاوى المتضاربة بما يحقق المصلحة‏.‏ وأضاف ما دام العلماء المجتهدون الذين لهم أصولهم الشرعية ولديهم شروط المفتي أو المجتهد ويعتمدون في فتاواهم على مصادرها الصحيحة من الكتاب والسنة، فلعامة الناس أن يأخذوا بالفتوى التي تطمئن إليها قلوبهم وما يرون فيه مصلحتهم ما دامت لا تخالف نصاً صريحاً من كتاب أو سنة وتزيل الغموض عن أمر مشتبه فيه، أحلال هو أم حرام‏؟ ولكن واقع الحال يؤكد أن الأمة الإسلامية تعاني أزمة حادة تتمثل في نزيف الفتاوى الغريبة التي انتشرت بشكل عشوائي بسبب انتشار الفضائيات، وهو ما يحتم علينا العمل من أجل ضبط مجال الفتوى، خاصة في مسألة الفتاوى المباشرة التي يسمع فيها المفتي السؤال ويجيب في اللحظة نفسها بحثاً عن الإثارة وجذب المشاهدين. نزيف الفتاوى وأوضح الدكتور نصر فريد واصل‏ أنه طالب كثيراً بوقف نزيف الفتاوى على الفضائيات وضبطها، لئلا تتسبب في كارثة يختلط فيها الحق بالباطل، فانتشار هذه الفتاوى يضر بالمجتمع ويهدد أمنه وسلامته، ولا بد من بحث الاقتراح الذي تقدم به بعض العلماء في السابق بأن يلتزم علماء الدين جميعاً بميثاق يوقف تماماً فتاوى الهواء، بحيث نعود إلى الفتاوى المكتوبة الصادرة عن المجامع الفقهية ودور الإفتاء وجهات الاختصاص، بالإضافة إلى توجيه الناس إلى عدم اللجوء بأسئلتهم إلا إلى العلماء الموثوق بعلمهم ونزاهتهم. ويطالب الدكتور أحمد عمر هاشم ـ رئيس جامعة الأزهر الأسبق ـ بوضع آليات جادة لمواجهة فوضى الفتاوى عبر الفضائيات الخاصة التي يملكها أشخاص يأتون بأي شخص ليقول ما شاء، وهذا من أكبر الأخطاء التي نتجت عنها بلبلة بين الناس فيما هو حلال وما هو حرام، وحدثت بلبلة بين الناس بسبب تضارب هذه الفتاوى بين المتخصصين وغير المتخصصين، وبين أهل العلم ومن ليسوا بأهل للعلم، فالمطلوب الآن قانون ينظم ذلك، وميثاق شرف بين هذه القنوات وإيجاد سقف يلتقي تحته أهل العلم ولا تصدر الفتاوى إلا منهم. وأضاف هناك فتاوى من قبيل التناصح بين المسلمين فيما هو معروف بين الجميع من خير وشر وحق وباطل، والناس مأمورون في هذا بأن يتناصحوا، فالدين النصيحة، ولكل إنسان أن يقول لإنسان صل، وصم، وحج، وامتنع عن المنكرات، لكن هناك أموراً لا يمكن أن يفتي فيها إلا العالم والفقيه والمتخصص وليس كل من هب ودب، صحيح قد نجد اختلافاً في الآراء وفي المذاهب الفقهية نتيجة للاجتهادات واختلاف المذاهب، وحين يكون هذا من أهل العلم فهو أمر جيد وتوسعة على الناس، ولكن عندما يكون بين من ليسوا من أهل العلم تكون الطامة الكبرى، ولا بد أن تتناول المجامع الفقهية في الأزهر والدول الإسلامية هذه القضايا المهمة المطروحة على الساحة والتي جدت في حياة الناس وتحتاج إلى آراء حاسمة فيها، مثل نقل الأعضاء والإجهاض إلى غير ذلك من الأمور التي ظهرت حديثاً. حكم الشرع ويؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن تضارب الفتاوى عبر الفضائيات مسألة فاقت كل الحدود وأثارت البلبلة بين من يتطلعون إلى الحفاظ على دينهم ومعرفة حكم الشرع فيما يستجد من أمور في حياتهم، ولم يعد الناس على دراية بأي الفتاوى يلتزمون. وقال إن هذا لا يتطابق مع طبيعة الفتوى ولا مهمة المفتين الذين يقومون بهذا الدور، فالفتوى إبلاغ لحكم الشرع، والمفتي يقوم مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي مهمة جليلة تحتاج إلى تأهيل واختصاص ومراقبة الله ويجب أن تتوافر فيمن يتصدى لتلك المهمة شروط عدة، أهمها العلم بكتاب الله وسنة رسوله وما أجمع عليه الفقهاء، ومعرفة مصلحة المجتمع وحقيقة الشخص الذي يسأل، والأهم من كل ذلك أن يقصد من فتواه وجه الله، وإذا طبقنا هذه المعايير على الفتاوى المعاصرة سنجد أن الكثير منها، خاصة فتاوى الفضائيات تعاني العشوائية والفوضى ولا تحقق سوى ما يطلبه المشاهدون سعياً نحو مزيد من الشهرة والربح المادي، فإذا كان الجمهور في تلك القناة يريد التشدد نجد الفتاوى المتشددة، وإذا كانوا يريدون التساهل نجد الفتاوى المتساهلة، وهذا لا يتماشى مع مقاصد الشرع الإسلامي ودين الوسطية والاعتدال. وحول إمكانية توحيد الفتاوى بين المجامع الفقهية ودور الإفتاء في الدول الإسلامية يقول: الفتاوى اليومية التي تتعلق بالعبادات والصيام وما شابه ذلك لا تحتاج إلى فتاوى جماعية لأنها نمطية تتكفل بها دور إفتاء ومن تتوافر فيهم تلك الشروط، أما الفتاوى التي تتعلق بمصالح الأمة المستجدة في حياتهم فينبغي أن تعرض على المجامع الفقهية وألا يستقل بها أحد، لأن ذلك هو الطريق الآمن والمضمون لإصدار مثل هذه الفتاوى، وقد نادينا بضرورة التنسيق بين المجامع الفقهية ودور الإفتاء في العالم الإسلامي في هذا الشأن حتى تكون الفتوى ملزمة وأن يكون هناك تعاون في هذا الشأن حتى تصدر الفتوى بإجماع العلماء وتكون ملزمة وأوجب بالاتباع. وقال الدكتور سالم عبد الجليل ـ وكيل وزارة الأوقاف المصرية لشؤون الدعوة، يجب أن نحترم التخصص، ولا يمكن أن يتساوى من درس العلوم الشرعية منذ نعومة أظفاره مع من قرأ بعض الكتب في الكبر، وظن أنه بذلك حصل كل العلوم وأصبحت لديه القدرة على الإفتاء الذي يعد مسؤولية عظيمة أحرى بالعالم الحقيقي الزهد فيها وليس التقاتل من أجلها وكأنها مغنم، فالجرأة على الإفتاء تؤدي إلى الفوضى والبلبلة كما نرى الآن، ولا بد من وضع ضوابط للقضية بدلاً من تلك الفوضى التي تسيء إلى الإسلام والمسلمين، وفي الوقت نفسه، فإن من حق غير العلماء تناول كل قضايا الدعوة والوعظ والإرشاد وأما الإفتاء فله أهله. وإذا كانت الفضائيات الدينية تدفع لعلماء الدين مقابل الفتاوى، فإن الدكتورة سعاد صالح ـ أستاذ الفقه بجامعة الأزهر ـ ترى عدم جواز ذلك، بقولها إن علم الداعية ملك للجميع والأصل أن يكون بلا مقابل إلا لمن يحتاج إلى هذا المقابل لقوله تعالى: “ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً” ومن تفيد التعميم، وكل إنسان مؤهل للدعوة لا بد أن يقوم بها استناداً إلى قوله تعالى: “يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”. بينما يرى الدكتور عبد الفتاح إدريس ـ أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ـ أن الداعية يجب أن يكون ممن يجيد أسلوب الدعوة إلى الله ويفهم علوم الشريعة وتوظيفها في مجال الدعوة وليس كل من أضفيت إليه صفة الداعية من نجوم الفضائيات في أيامنا تتوافر فيه هذه الصفة، لأن أكثرهم لا يعرف شيئاً عن علوم الشريعة، فضلاً عن توظيف فهم علوم الشريعة لمجال الدعوة، ولذلك كان هذا الخلط الشديد من ذوي الأمية الثقافية في هذه الفضائيات بين المثقفين وأنصاف المثقفين الذين قرأوا بعض الكتيبات التي تزدحم بها الأرصفة والتي تحمل الغثاء والمتخصصين في علوم الشريعة من ذوي الدرجات العلمية، حيث أطلق على هؤلاء المتطفلين أصحاب الأمية الثقافية خطأ الدعاة، وأصبح هؤلاء نجوم الفضائيات بحسبان أن لديهم أسلوباً لجذب الشباب إليهم وليس لهم الأسلوب المعقد الذي يجيده أصحاب التخصص الدقيق في الدعوة إلى الله
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©