الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

تجريب في السرد والتنفيذ وحساسيات فنية متداخلة

تجريب في السرد والتنفيذ وحساسيات فنية متداخلة
16 أكتوبر 2010 23:06
انطلقت مساء أمس الأول في صالات سيني ستار بالمارينا مول أول عروض (مسابقة أفلام من الإمارات)، والتي تم إشراكها كفعالية أساسية في الدورة الرابعة من مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، بعد أن كانت تعرض على هامش المهرجان في السنوات الماضية، وكان واضحا للمتابع وجود حالة من اللبس رافقت المسمى العام للحدث، وتمثل هذا اللبس في تحديد هوى أو هوية الأفلام المدرجة، والتي كانت تشير إلى المتابع على أنها أفلام قادمة من الإمارات تحديدا، ومرد هذا الالتباس هو وجود كم كبير من الأفلام القادمة من دول الخليج المجاورة، ما خلق نوعا من الجدل والنقاش حول خصوصية ومنبع هذه الأعمال التي قدمها الطلبة والهواة بجانب المحترفين لجمهور المهرجان، ولكن العنصر الذي أزال هذا اللبس أو التشويش تمثل في الرهان على المحتوى والمواضيع والأنماط الإخراجية وحتى المشاكل المتعلقة بالرؤية والمعالجة الفنية التي أفرزتها هذه الأفلام وتحدثت عنها بصوت عالٍ يفصح في كل مرة عن وجود إشكالات موضوعية وتقنية كبيرة ما زالت تعيق السينما المحلية والخليجية، وما زالت تعيد المطالب القديمة بضرورة تطوير الثقافة السينمائية لدى صناع الأفلام في المنطقة، وضرورة التعرف إلى طبيعة وبنية الفيلم الروائي القصير مقارنة بالأنماط الفنية والإبداعية الأخرى. وبغض النظر عن هذه الإشكالات التي تحتاج إلى وقفة نقدية مستقلة، فإن المتابع للعروض يشعر بوجود شراكة ما بين أفلام الإمارات وأفلام الخليج، هذه الشراكة المتمثلة في الحساسية الفنية المتداخلة والخطاب الاجتماعي المتشابه، والتجريب المتعدد في متواليات السرد والتنفيذـ الذي يمكن أن نشبهه بالتجريب الأقرب لتمارين أولية في أساسيات الإخراج السينمائي ـ وغير ذلك من العناصر التي ترجمتها الأعمال المعروضة، وبدت من خلالها وكأنها تتحدث عن همّ واحد ووحيد، وهو الهمّ المتمثل في هذا السؤال الصارخ: كيف يمكن صياغة فيلم ناجح وناضج ومتماسك في المنطقة، مع هذا الغياب الكبير لقيمة ومغزى ومعنى إنتاج فيلم يعبر عن عشق وشغف وهويه صناّعه؟. سؤال قد يبدو موجعا ولكنه مطلوب، على الأقل من أجل البحث عن حلول أكثر نجاعة وتأثيرا لخلق جيل سينمائي متمكن ومبدع وواع لقيمة وخطورة فن طليعي مثل السينما، حلول مثل التفرغ وإنشاء معاهد وكليات متخصصة في فن السينما، واحتضان المواهب وفرزها من قبل الجهات الرسمية، وتوافر عنصر التمويل الذي ترافقه المتابعة الدقيقة لخطة الإنتاج، وقبل ذلك المتابعة الوافية والمدروسة لتفاصيل وحيثيات السيناريو المكتوب، والاستعانة بالتقنيات العالية والمنفذين المتخصصين، والممثلين الأكفاء القادرين على حمل أعباء التعبير السينمائي المتقن والمعزز لغايات ومطالب ومضامين الفيلم، وغير ذلك من الاقتراحات والمنافذ التي يمكن أن تؤدي إلى خلق حالة سينمائية متواصلة ومتوهجة في الإمارات والخليج. والتالي قراءة لبعض الأعمال التي تضمنها جدول عروض أفلام من الإمارات والتي لامس القليل منها النضج الفني المطلوب، على الرغم من طغيان المشاكل التقنية والتسرع وضياع الخيوط السردية أحيانا، بينما تحدثت معظم العروض الأخرى عن ضعفها الفني وفقرها الموضوعي على الرغم من الحماسة المتوافرة لتنفيذ الفكرة بأي شكل ممكن، ولكن هذه الحماسة لوحدها لن تكون المطية المناسبة لعبور الفيلم نحو ضفة النجاح والتميز. حارس الليل في فيلم “حارس الليل” للمخرج الإماراتي فاضل المهيري ثمة دلالات وإشارات تؤكد الأسلوب الواقعي الذي ينتهجه هذا المخرج المثابر، فمن خلال أسلوبه الخاص وبصمته المتميزة يقدم المهيري القصص المعيشة التي تحاكي وتحاور القضايا المجتمعية التي تبدو من الخارج وكأنها عابرة أو مؤقتة، ولكن المضمون النقدي الذي قدمه المخرج في الفيلم، كشف عن خطورة وعمق وتجذر هذه القضايا المقلقة في ثنايا المكان، وفي نفسيات الشخوص التي اكتشفت فجأة أنها أمام تغيرات هائلة باتت تؤثر في العلاقة السوية بين الأفراد وبين محيطهم المغرّب والمقصي والمشوش تماما، فمنظومة القيم التي اعتاد عليها الناس هنا، بدت من خلال الصورة التي قدمها فاضل المهيري وكأنها منظومة تدمر وتمزق نفسها من الداخل، وعلى الرغم من أن فيلم الحارس لم يقدم خطابا صارخا ومبالغا به، إلا أن الأسلوب الهادئ والمتزن الذي عالج به المهيري قصة الفيلم قدم الكثير من الإيحاءات والرموز الدالة وبقوة على الصورة الداكنة للمستقبل. القندرجي وفي سياق مختلف قدمت المخرجة السعودية عهد كامل من خلال فيلمها الروائي القصير “القندرجي” حالة بصرية مؤثرة حول معاناة السجناء العراقيين أثناء الوجود الأميركي في العراق، فالأسير الذي يخرج محطما من سجن ،يقوم بدوره الممثل المصري عمرو واكد، يجد أن مهنته السابقة والمتمثلة في صناعة الأحذية أصبحت مهنة قديمة كما أنه وفي السياق الافتراضي للحدث تحول إلى ما يشبه الحذاء المهمل والمنسي في درب ومهب التغييرات الجديدة التي طغت على المكان، يحاول السجين السابق أن يتكيف مع وضعه الجديد، ولكنه يظل أسيرا لسجنه النفسي وزنزانته الداخلية التي لا تفارقه. قدمت المخرجة في ثنايا الفيلم أسلوبا داكنا ومعبرا عن الخواء والشتات الروحي الذي يرافق السجين، ويحول حياته إلى جحيم حتى وهو مع عائلته وأصدقائه وزوجته التي تشاركه الفراش، ولكنها تظل بعيدة ونائية عندما يتعلق الأمر بالتواصل العاطفي المفتقد والمقصي والمنذور لمأساة مكررة يعيشها السجناء المظلومون والمحرومون من لذة التواصل السوي مع الآخرين. بعد الظن أما المخرج الإماراتي ناصر اليعقوبي فيركز في فيلمه “بعد الظن” على فكرة التفسير الخاطئ والظاهري والمتسرع على بعض الأشخاص، لمجرد أن هؤلاء الأشخاص يعيشون حياتهم الخاصة والغامضة التي أجبروا ومن دون قصد على الوجود في إطارها المريب والمثير لشكوك الآخرين الذين يعتبرون أنفسهم أسوياء ومجردين من الخطأ أو الخطيئة الاجتماعية، يحكي فيلم اليعقوبي قصة رجل منعزل يعيش في منطقة مهجورة وعندما يحاول إعادة الحقيبة المدرسية لإحدى الفتيات التائهات في المكان، يفاجأ بطعنة خلفية قاتلة تحمل معها الكثير من المعاني المغلوطة والقاسية التي تحكم على هؤلاء الأشخاص بالنفي المسبق والجاهز، وبالنوايا السوداء المتراكمة والمخزنة في الوعي الجماعي الذي يفرض جبروته من دون أن يميز هنا بين من هو الضحية ومن هو الجلاد. توليفة بصرية المخرج البحريني شاكر بن يحمد قدم في فيلمه القصير الذي حمل عنوان “يومك” توليفة بصرية مميزة جمعت بين القطع المونتاجي المكرر في المكان الثابت والتغير في الزمن وفي المزاج الإنساني الذي يتبدل ويتعدد حسب جريان واندفاع هذا الزمن، فمن وجهة نظر المرآة الوحيدة في الحمام والتي يتحاور في انعكاساتها زوجان حديثان، يتحول هذا الحوار إلى ما يشبه الاعتراف الذاتي بالضجر وبالإيقاع المكرر والممل للحياة، هذا الإيقاع الذي يتحول لدى البعض إلى عادة أو روتين، ولكن البعض الآخر ينظر للأمر على أنه عبودية فرضتها طبيعة الحياة المدنية الجديدة التي حرمت الإنسان من إنسانيته، وجعلته أشبه بكائن آلي يتم التحكم فيه من بعد، وإلى عنصر محايد ومجرد من آدميته ومن حريته، هؤلاء الأشخاص وكما يقدمهم الفيلم يصبحون من خلال تمردهم الجميل على الواقع أشبه بكائنات محلقة وناجية بنفسها من بؤس الزمان والمكان، والأجمل من ذلك أنهم يتعرفون إلى الجانب الآخر من المرآة، والجانب الآخر من أعماقهم وحواسهم المنسية والمطمورة تحت أنقاض الواقع المتشابه والحياة المكررة. السراب والمهد في فيلم “لال”، الذي يعني السراب، يقدم المخرجان الإماراتيان ياسر النيادي وهناء الشاطري حكاية محلية مقتبسة من قصة “ورقة اليانصيب” لأنطوان تشيكوف، ومن خلال معالجة بصرية مكثفة وخاطفة يحكي الفيلم حكاية زوجين فقيرين ينتظران فوزهما في إحدى مسابقات اليانصيب وعندما يتحقق حلمهما بعد انتظار طويل يتحول الجشع الذي يتوالد في داخلهما إلى لعنة قاتلة تفضي إلى مصير أسود وفاجع، وإلى حكاية مضحكة ومبكية في آن. الفيلم العماني “المنز” أو المهد للمخرج عبد الله البطاشي تفوق في الموضوع أو القصة التي تناولها ولكنه عانى كثيرا من ضعف التقنية ومن المبالغة الأدائية والحوارات المباشرة والزائدة عن طاقة الصورة الموحية والمكتفية بذاتها، يحكي الفيلم قصة عائلة مكونة من أب وأم وطفل تعاني الفقدان المكرر لكل رضيع جديد تستقبله هذه العائلة، ويتحول هذا الفقدان الدائم إلى لعنة مقيمة تتداخل معها وتضخمها البيئة القديمة والتقليدية المحيطة بهذه العائلة، بحيث يتم تفسير الحالة على أنها من عمل السحر أو الجان وغيرها من التفاسير الشعبية التي تذهب باتجاه الخرافة أو الأسطورة الموصولة بالجهل والإسقاطات الاجتماعية المتوارثة، تميز الفيلم بجماليات المكان وبيئة التصوير الموائمة لطبيعة وتفاصيل القصة، ولكن نقص الإمكانات وضعف المؤثرات السمعية والبصرية أثر كثيرا على قوة وتأثير القصة على المتفرج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©