الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنما المؤمنون إخوة

إنما المؤمنون إخوة
4 فبراير 2010 19:19
لقد وثَّق الإسلام صلات المسلمين بعضهم ببعض بلحمة أقوى من النسب، هي وحدة العقيدة، بما ينشأ عنها من وجدان مشترك، وتآلف وتعاطف، وتعاون وإخاء، حيث صهر الإسلام جميع الأجناس في بوتقة واحدة، فجمع بين أبي بكر القرشي الأبيض ، وبلال الحبشي الأسود، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، جعلهم إخوة متحابين بعد أن كانوا أعداء متخاصمين ، فالإخوَّة في الدين أعلى مراتب الإخوة وأعظمها وأكبرها، وهي رباط اجتماعي لا يماثله رباط آخر ولا يقاربه، فقد ذكر القرآن الكريم الإخوة بين المؤمنين في قوله تعالى : ?{?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ?}? (سورة الحجرات الآية 10)، و في قوله – صلى الله عليه وسلم- : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) (أخرجه البخاري). وقد ضرب النبي– صلى الله عليه وسلم– للمؤمنين مثلاً يُعرفون به، ويحرصون عليه، في قوله– صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (أخرجه البخاري)، وبقوله أيضاً : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، (أخرجه الشيخان). أولئك هم المؤمنون حقاً، الذين يتعاونون فيما بينهم على البر والتقوى، ويحرصون على بذل المعروف وإغاثة الملهوف، وتفريج الكربة عن المكروب، ولا يفعلون شيئاً من ذلك إلا ابتغاء وجه الله ورضوانه، لا يريدون من أحد على ما يصنعون جزاء ولا شكوراً. لقد عمّق النبي – صلى الله عليه وسلم – معنى الإخوة، ووضعها موضع التطبيق العملي الذي يمارسه المسلمون في حياتهم اليومية، عندما جسَّد ذلك بما قرره – عليه الصلاة والسلام - للمسلم على أخيه المسلم من حقوق فقال- عليه الصلاة والسلام -:(حق المسلم على المسلم ست “ خصال “ : إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس وحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبع جنازته) (أخرجه الشيخان). وبهذه الإخوَّة تتحقق المحبة في الله، التي تصفو بها القلوب، وتتسع للصفح عن الإساءات، ويقوم ?عليها بنيان المجتمع المتماسك الذي تأتلف قلوب أبنائه، فيستشعر نعمة الله بالوحدة التي يمتن الله بها على عبادة المؤمنين، كما في قوله تعالى : ?{?وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (سورة آل عمران الآية 103). إنَّ الله سبحانه وتعالى أرسل نبيه محمداً– صلى الله عليه وسلم- بدين الإسلام، وتكونت بواسطته أمة التوحيد والإيمان، وجعل منها الحق سبحانه وتعالى أمة واحدة، وإخوَّة متماسكة كالبنيان يشد بعضه بعضا، وأرشد إلى كل ما من شأنه أن يحفظ تلك الإخوَّة ويصونها، وأن يدعمها ويقويها، ويجعلها تؤدي رسالتها المطلوبة، وتحقق غايتها المنشودة من المودة والتكافل، والتضامن والتعاون على الخير بين المسلم وأخيه المسلم في أي زمان أو مكان. فمن ذلك أنه أمر المسلم وأرشده إلى محبة الخير لأخيه المسلم، محبة قلبية وعملية، تشعر أخاه المسلم بها وبصدقها، ويكون لها أثرها الإيجابي فيما يقوم به من إعانة ومساعدة له على الخير، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) (أخرجه الشيخان). ومن ذلك تبادل السلام والاحترام بين المسلم وأخيه المسلم، سواء أكان قريباً منه في السكن والجوار، أم كان بعيداً عنه من مطلق الناس، فإنَّ بذل السلام للناس وإفشاءه هو من الإيمان، ومما يقوي التعارف والتآلف والأخوة بين المسلمين، ويعبر عن المودة وصفاء القلوب عند المؤمنين، عملاً بقول الله تعالى : {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (سورة النساء الآية 86)، وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه -:”والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على أمرٍ إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم” (أخرجه مسلم). ومن ذلك مصافحة المسلم لأخيه المسلم عند الالتقاء معه وعند تحيته له بتحية الإسلام ، أو عند الاجتماع به في مكان كالمسجد مثلاً، فإن المصافحة مما يقوي المودة بين الناس، وينشأ عنها المغفرة والرحمة للمتصافحين، فعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا “(أخرجه أبو داود والترمذي)، وفي معناه قوله – عليه الصلاة والسلام - : “ إذا التقى المسلمان فتصافحا، وحمدا الله، واستغفراه، غُفر لهما “ ، وسئل أنس – رضي الله عنه- : أكانت المصافحة في أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : نعم . ومن تلك المبادئ التي تحفظ الإخوَّة بين المسلم وأخيه المسلم وتدعمها، بذل النصيحة وإسداؤها للمسلم فيما ينفعه ويصلحه في دينه ودنياه، ويسعده في حياته وأخراه، وذلك بالموعظة الحسنة والدعوة والإرشاد بالتي هي أحسن، لأنَّها تدل على محبة المسلم وحب الخير له، عملاً بقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديثه الصحيح عن تميم الداري – رضي الله عنه -: “ الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم “ (أخرجه الشيخان). ومن ذلك، الإخلاص له في المشورة بكل صدق وأمانة حين يستشيرك في أمر من أمور دينه ودنياه، وتكون لك بذلك الأمر، معرفة وخبرة ودراية، فإن ذلك من حق الإخوة الإسلامية وواجبها، أخذاً بقول الله تعالى في أوصاف المؤمنين : {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (سورة الشورى الآية 38). ومن ذلك، العفو والصفح عن أخيك المسلم إذا صدر منه خطأ نحوك، فاعتذر إليك وطلب منك المسامحة، فقبلت عذره وسماحته، ورجعت بينكما المودة والعلاقة إلى صفائها، عملاً بقول الله تعالى : ?{?فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (سورة الشورى الآية 40)، وقوله سبحانه وتعالى : {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } (سورة الشورى الآية 43). ومن ذلك، التعاون بين المسلم وأخيه المسلم بصدق وصفاء على البرِّ والتقوى، وعلى كل ما فيه مصلحتهما وسعادتهما دنيا وأخرى، أخذاً بقول الله تعالى : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (سورة المائدة الآية 2)، وقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: “ والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه “ (أخرجه أصحاب السنن). ومن تلك المبادئ التي تقوي الإخوَّة وتحفظها بين المؤمنين، الإصلاح بين المسلم وأخيه المسلم إذا حدث بينهما ما من شأنه أن يؤدي إلى خلاف وشقاق، أو قطيعة ونزاع، والسعي في إعادة العلاقة الطيبة بينهما إلى ما كانت عليه من الصفاء والوئام، سعياً في الحفاظ على الإخوَّة والمودة، ورغبة في تحصيل الأجر والثواب على ذلك من الله سبحانه وتعالى، عملاً بقوله تعالى : {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاة اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (سورة النساء الآية 114) . فالواجب علينا نحن المسلمين أن نكون إخوة متحابين، وأن نتعاون على البر والتقوى، كما قال العلماء : (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)، وأن يساعد الغني الفقير، وأن يعطف القوي على الضعيف، وأن نكون على قلب رجل واحد في السراء والضراء . ما أحوج أمتنا العربية والإسلامية إلى الترفع على الأحقاد، وطيّ صفحات الماضي المؤلمة، وأن نفتح جميعاً صفحة جديدة من الإخوة والمحبة والإخاء، ففي ظل التعاليم القرآنية والسنة النبوية الشريفة عاشت البشرية حياة الخير والسعادة : {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}( سورة طه الآية 123) . اللهم اجمع شملنا، ووحد كلمتنا، وألف بين قلوبنا، وأزل الغل من صدورنا، بكرمك وفضلك يا أكرم الأكرمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©