هيف كهرمان جروح الإنسان في زمن العولمة

محمود عبد الله (أبوظبي) لفت غاليري الخط الثالث، أنظار زوار وعشاق الفن المعاصر في فن أبوظبي 9، من خلال معرض التشكيلية العراقية هيف كهرمان، بعنوان «نحو فضاءات جديدة»، وتضمن 28 عملاً أشرف عليها أستاذها الدكتور عمر خليف، وتنتمي الأعمال الجديدة لكهرمان إلى أحدث سلسلة من إبداعاتها المعروفة باسم «أغراض تذكارية»، والتي يتحول فيها القماش إلى شاشة لاستعراض ذكريات فردية ذاتية تائهة في زمن عولمة الثقافة، ولكنها في الوقت ذاته تمثل جزءاً من ذاكرة جمعية لموجة أكبر من المهاجرين، حيث تحتل قضيتهم اليوم أولوية عالمية. كانت المهفّة (مروحة يد عراقية تصنع من سعف النخيل)، أحد الأغراض القليلة التي سمح لعائلة كهرمان بأخذها عندما غادرت بغداد متجهة إلى السويد، واليوم تقبع هذه المروحة الملونة ضمن ركن أسمته الفنانة بـ «الركن العراقي» في منزل عائلتها في السويد، لكن هذه المروحة ما زالت تلعب دورها في استحضار ذكريات الماضي من الوطن الجريح، وتنعكس بنيتها المنسوجة في لوحاتها الجديدة، ففي حين تبدو بطلات هذه اللوحات كما لو أنهن في حالة سكون، فقد تم طلاء قطع القماش وتمزيقها ونسجها بعضها ببعض على نحو يشبه هذه المروحة التي أصبحت لازمة فنية في تشكيلات كهرمان في معرضها الفريد من نوعه. يمثل التمزق في الكتان بالنسبة لكهرمان، جروح الماضي الغائرة، إذ يوحي بحالة من الامتثال للقانون، أو بالأحرى غياب القانون، كما يشكل عنصراً متبايناً مع حالة الخضوع التي عاشتها الفنانة عندما انتقلت إلى بلدة غريبة صغيرة، في السويد، وكانت مضطرة إلى إطاعة كل القواعد والقوانين، وتقول كهرمان لـ «الاتحاد»: (عندما أمزق الكتان أشعر بأنني أرتكب ذنباً ما، وبالمقابل فإن نسج قطع الكتان مع بعضها بعضاً يرمز إلى محاولة لمّ جروح الماضي المرير، بينما يشير تداخل الأجساد إلى تقاطع طرقها وأحلامها وآلامها وتمازج ذكرياتها). في الواقع يمثل هذا المعرض نجاحاً خاصاً لغاليري الخط الثالث، بتقديمه فناً جديداً، يركز على مسائل الاستلاب والاغتراب في إطار تشكيلي راق مدروس، إذ تقوم كهرمان بإعادة هيكلة هذه القطع بشكل مركب متناسق في نهاية المطاف، مع استخدامات مبهرة للون والنّسب، علماً بأن هذه العملية التشكيلية المعقدة تنطوي على ندوب تحاكي التجارب الحقيقية في حياة الناس.