الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتاب نجا من المصادرة بفضل الأزهر

كتاب نجا من المصادرة بفضل الأزهر
12 يوليو 2012
لو أحسنت وزارات التعليم في بلادنا العربية لطبعت هذا الكتاب ووزعته على التلاميذ لقراءته ودراسته، خاصة إن مؤلفه عالم جليل من علماء الازهر، هو الشيخ عبد المتعال الصعيدي (1895 ـ 1971) الذي شغل طوال عمره بقضايا التجديد والاجتهاد في الإسلام، ورفع في أعماله الحرية الدينية والعقلية الى مرتبة رفيعة، كما يتضح من كتابه الذي صدرت منه طبعة جديدة “الحرية الدينية في الإسلام”. وقد أثار هذا الكتاب اعتراض بعض الجامدين والتقليديين من العلماء وطالب بعضهم بمصادرته، لكن رفض مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر المصادرة وأجازه، وجاء في تقرير الاجازة: “مصادرة الكتاب ليست مشروعة والإتيان بجديد من عالم متخصص شيء طبيعي، لنا ان نناقشه وتعارضه ولكن ليس لنا ان نصادره”. بدأ الشيخ الصعيدي كتابه بالقول “الحمد لله الذي فتح باب الاجتهاد في الدين لأهل الاجتهاد، ولم يجعل الجمود سنة في الدين ولا في العلم، بل فتح باب التجديد فيهما على مصراعيه لكل إمام مجدد”. تعريف ويقدم المؤلف تعريفه للحرية الدينية أو حرية الاعتقاد بأنها “يكون للإنسان الحق في اختيار ما يؤديه إليه اجتهاده في الدين، فلا يكون لغيره حق في إكراهه على ما يعتقده بوسيلة من وسائل الإكراه، وإنما يكون له حق دعوته إليه بالإقناع بدليل العقل، أو بالترغيب في ثواب الآخرة والتخويف من عقابها، وهذا لا يكون إلا بعد اقامة الدليل على ان هناك إلها قادرا عالما حكيما يريد الخير للناس في دنياهم وآخراهم”. وهكذا يكون الأمر “دليلا بدليل وإقناعا باقناع من غير ان يكون هناك سعي في فتنة تثير حربا بين الناس”. وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تمنح الإنسان حريته كاملة في الاعتقاد، في سورة النحيل، الآية 25 “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة والحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”. وفي سورة القصص الآية 56 “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين”. وفي سورة يونس الآية 99 يرد قوله تعالى “ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”. وفي سورة البقرة اية 256 “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” وقيل إن هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار كان له ابنان مسيحيان وكان هو مسلما، فقال للنبي: “لا ألا استكرههما فإنهما أبيا إلا النصرانية. فانزل الله الآية، وفي بعض التفاسير انه حاول إكراههما فاختصماه إلى النبي، فقال أبوهما للنبي: يا رسول الله، أدخل بعضي النار وأنا انظر؟ فنزلت الآية تنهاه عن ذلك. وفي سورة الكهف الآية 29 ورد قول الله تعالى “وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر أنا اعتدنا للظالمين نارا” وتوقف بعض المفسرين عند الأمر في الآية “فليكفر” فقال بعضهم إنها للتخيير، وقال البعض بل هي للتهديد، ولو صح إنها للتهديد فإن العقاب يكون في الآخرة وليس في الدنيا، ومن ثم يتأكد نفي الإكراه على الإيمان. تحليل ويخصص الشيخ الصعيدي فصلا ليحلل فيه قول بعض العلماء إن الإسلام انتشر بحد السيف، ويعلل هؤلاء العلماء ذلك بأن الآيات القرآنية، السابق الإشارة إليها، وغيرها من آيات الحرية الدينية والعقائدية تم نسخها بآيات القتال، مثل قوله تعالى “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله” ومنها جاء قول رسول الله “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله”. ويستعرض بقية الآيات مثل قوله تعالى “يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين”. وقوله تعالى “فاقتلوا المشتركين” ويستعرض أسباب نزول كل آية وأحكامها، ويخلص إلى إبطال دعوى النسخ، فقول الرسول “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله”. هنا كان القتال على إظهار الإسلام وليس على اعتقاده، والأمر بالقتال يكون لحماية الدعوة من المعتدين بالقتال عليها لا من أجل إكراههم على الدخول فيها، ويستعرض التفسير الذي وضعه الاستاذ الإمام محمد عبده لهذه الآيات، وينتهي فيه هو وتلميذه رشيد رضا الى القول إن علماء المسلمين اجمعوا على إن إيمان المكره باطل. وان القتال ليس من جوهر الإسلام ولا من مقاصده وإنما هو سياج له وحماية، اي إنه أمر سياس لازم له، للضرورة وليس لاكراه الناس على اعتقاده. وما يبطل دعوى النسخ لديه هو إجماع العلماء على ان الاختيار في الإسلام شرط صحته. أدلة ويمتد الشيخ الصعيدي بالحرية الدينية الى منطقة شائكة وتتعلق بالمرتد عن الإسلام، وهناك فقهاء كبار مثل ابن حزم الاندلسي يجيزون قتل المرتد بعد استتابته، وبعضهم يجعل قتل المسلم المرتد واجبا دينيا، وهو يرفض ذلك تماما، ويعتبر ان ارتداد المسلم عن دينه هو لون من ألوان الحرية الدينية، وان استمرار استتابته هو لون من ألوان الإكراه في العقيدة لا يرضاه الاسلام ولا يقره، يقول الشيخ الصعيدي “ثبوت الحرية الدينية للمرتد هو مذهب الجديد فيه، وعليه لا يكون هناك فرق في الدعوة بين المرتد ومن لم يسبق له إسلام، فكل منها يدعي الى الإسلام بالتي هي أحسن، وكل منهما يكتفي بدعوته مرة واحدة، ولا يلزم في المرتد ان يستتاب أبدا كما ذهب اليه بعض العلماء. “ويقدم ادلته على ذلك، عقلية ونقلية.. العقلية تتمثل في اجماع العلماء على اشتراط الاختيار في صحة الإسلام وهو عنده شرط يتعلق بكل شخص. سواء أكان ممن يسبق منه إسلام ام كان ممن سبق منه ويرتدوا عنه، وحينئذ لا يصح أخذ المرتد الى الإسلام بالإكراه. لانه يكون إسلاما باطلا لا فائدة فيه، ولا ينجي صاحبه من عقاب الله تعالى في الآخره. والأدلة النقلية تتمثل في الآيات القرآنية مثل “لا إكراه في الدين”، ذلك ان نفي الإكراه جاء مطلقا، وكلمة “إكراه” في الاية، نكرة وليست معرفة، والنفي في اللغة العربية حين يدخل على النكرة يفيد العموم والشمول، وبالتالي نفي اي إكراه في الدين حتى إكراه المرتد عن الإسلام، وهناك واقعة من نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الجور وعدم العدل في القسمة وأراد بعض الصحابة قتله فلم يأذن الرسول بذلك، ولم يستتبه من ردته وتركه يذهب حيث شاء. والثابت ان هناك بعض المنافقين، كان الرسول يعلم بأمرهم ولم يستتبهم ولم يأذن في قتالهم. ومن كانوا يقاتلون، لم يكن بسبب موقفهم العقائدي لكن بسبب اعتدائهم على المسلمين، مثل الرجل الذي اعتبر رأس الخوارج الذي تركه الرسول. بعد هذا الكتاب ظهر كتاب الشيخ شلتوت “الإسلام عقيدة وشريعة”، وذلك فيه بوضوح الى ان “الكفر بنفسه ليس مبيحا للدم وان المبيح للدم هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم”. مشكلة هذه الأفكار انها لم تتحول بعد إلى تيار فقهي كبير، فلم تتواصل بحوث العلماء الأزهر تحديدا، صحيح ان هناك أفكارا وكتابات كثيرة حول الحرية لكنها تصدر من خارج دائرة الأزهر وينظر الى القائمين عليها باعتبارهم غير بعيدين عن وجهة النظر الإسلامية. مبحث الحرية الدينية في الإسلام يستحق من العلماء اهتماما أكبر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©