الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الأمن القومي الأمريكي من منظور ضيق

30 يوليو 2006 23:54
غادة سليم: على الرغم من التعاون التاريخي الوثيق بين فرنسا والولايات المتحدة وما ربط بينهما من مصالح مشتركة على مدى مائتي عام، إلا أن تلك العلاقة لم تخل من الصراعات على خلفية بعض قضايا الشرق الأوسط والبلقان ومنطقة البحيرات العظمى في أفريقيا وحول إدارة بعض السياسات الاقتصادية الدولية· لكن كلمة توتر لم تدخل قاموس العلاقة بين البلدين رسميا إلا بعد الحرب على العراق· فلقد كان لفرنسا موقف معارض للحرب· ولا يخفى على أحد أن الهجوم الأمريكي على العراق كان يعني فقدان فرنسا لنفوذها وأموالها ومصالحها في المنطقة· فالديون العراقيّة لفرنسا كانت كبيرة جدّا ناهيك عن الشركات الفرنسية العديدة العاملة في العراق· ونتيجة للجذب والشد بين البلدين خسرت فرنسا مكانتها لدى الولايات المتحدة رسميا وشعبيا· وترجمت أمريكا استياءها من فرنسا إلى عقوبات· فحرمت الشركات الفرنسية من الاستثمار في العراق وقاطعتها اقتصاديا وشنت عليها حربا سياسية وإعلامية وشعبية· وكان رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دوفيلبان قد لخص موقف بلاده من الحرب الأمريكية في كتاب '' سمك القرش والنورس البحري'' قائلا: إن الحرب التي يجب أن نخوضها ليست حرب الخير والشر كما يقول بوش ، ليست حرب بعض البشر ضد بعضهم الآخر ، وإنما هي حرب يخوضها كل واحد منا داخل نفسه· فهي حرب بين نزعة التسلط والهيمنة ونزعات المحبة ، بين الميل للقسوة والوحشية والميل للإخاء والمودة· إنها حرب بين نزعتين متضادتين داخل كل شخص· والشيء الذي سوف يتقرر أولا هو تصالح الإنسان مع نفسه ومحيطه وبيئته·'' وفي مقابل هذه الكتب التي لخصت الخير كله في موقف فرنسا مقابل الشر كله في موقف أمريكا ، كانت هناك كتب أخرى تفعل العكس ومن بينها الكتاب الذي بين أيدينا· صورة العدو كانت هذه المقدمة ضرورية قبل عرض كتاب ''الخيانة الفرنسية لأمريكا '' للكاتب الصحفي الأمريكي كينيث تيمرمان صاحب الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة الأمريكية والمتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية للشرق الأوسط ولديه كتب عديدة عن علاقة الغرب بالإسلام ·وهو الذي عمل في فرنسا 18 عاما ولديه صلات تربطه باللاعبين الرئيسيين على الجانبين الفرنسي والأمريكي تخوله - على حد زعمه - من استخدام كافة المفاتيح لكشف سوء نية فرنسا تجاه أمريكا· ويبدأ تيمرمان كلامه متسائلا : ''هل يمكن أن نثق في فرنسا ؟··· بالتأكيد لا· بعد أكثر من 200 عام من التاريخ المشترك و المصالح المشتركة تتجلى لنا صورة الخيانة الفرنسية لأمريكا·'' ويضيف:'' فعلى خلفية التصرف المتعمد الذي قام به دومينيك دوفيلبان في الأمم المتحدة وعزمه على تقليل فرص وزير الخارجية الأمريكي كولين باول في إقناع مجلس الأمن باستخدام القوة ضد العراق· أصبح هناك شك يخالج قلوب الأمريكيين حول حليفتهم فرنسا وأسلوبها المزدوج في تحقيق مصالحها لا يبرره إلا تجسد فرنسا في صورة العدو·'' ويحاول تيمرمان إقناع القارئ بوجهة نظره من خلال تقديم الدليل وراء الآخر· فيقول :'' إن فرنسا هي التي أوحت إلى صدام بمهاجمة جنوب العراق من أجل تهيئة مناطق آمنة لمهندسي البترول الفرنسيين· وان فرنسا هي التي ساعدت صدام على بناء صواريخ نووية بعيدة المدى · وبناء على تمكنه من الإطلاع على وثائق جديدة خاصة سلمتها العراق للأمم المتحدة أكدت أن شركات الدفاع الفرنسية كانت طرفا رئيسيا في تزويد صدام بالصواريخ بعيدة المدى التي قتلت جنودا أمريكيين في السعودية عام 1991 وأمطرت إسرائيل بالرعب·'' وطبقا لمؤلف الكتاب فإن الشعب الأمريكي لا يعي نصف القصة· ولكن بعد قراءتهم لكتابه سيتحول الغضب الأمريكي من فرنسا إلى رغبة في الانتقام· فيقول كينيث تيمرمان :'' لقد بدأت أجزاء الصورة تتكامل وتتضح معالمها ليتجلى لنا كيف أن حكومة جاك شيراك عزمت على تقليص دور الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على الإرهاب في العراق· من خلال التصويب علنا على سياسة أمريكا وتحريضها للدول الأخرى على أن تحذو حذوها· ما الذي جرى لفرنسا؟· وماذا وراء هذا التحول الغريب؟· لقد قلبت فرنسا الطاولة واستخدمت الأساليب الدبلوماسية الرديئة في تحريض الدول الأوروبية الأخرى في الانضمام إلى صفها ضد أمريكا· حتى أن التغطية الفرنسية لأحداث الحرب على العراق لم تكن تتسم فقط بأحادية الرؤى بل أنها كانت غير دقيقة وملتوية ومعادية للأمريكيين بشكل صريح·'' اعتاد تيمرمان أن يسوق في كتابه أدلة غامضة ومجهولة المصدر ولا يقدم للقارئ رؤية متوازنة عن أبعاد القضية· ورغم أن كثيرا من النقاد صنفوا الكتاب على أنه غير مقنع وغير متزن ، إلا أن صحفا مرموقة مثل الواشنطن بوست مثلا وضعته في مصاف أفضل الكتب المتخصصة في الأمن القومي· وتتسم لغة الكتاب بالبساطة التي تناسب القارئ الأمريكي متوسط الثقافة ضحل المعلومات· إذ يقول الكاتب انه استطاع أن يرفع القناع عن الرئيس الفرنسي جاك شيراك بكشفه للعلاقة الوطيدة التي تربطه بالرئيس العراقي المخلوع صدام حسين والجولة الودودة التي صحبه فيها عام 1975 عندما كان شيراك رئيسا للوزراء لإطلاعه على الإمكانيات النووية الفرنسية· وأن الموقف الفرنسي المدافع عن الديكتاتور المخلوع كان متوقعا تماما· فالأمر ببساطة له علاقة بالمال والبترول والسلاح· فشيراك يحتاج إلى نفط صدام وأمواله· وصدام بحاجة إلى السلاح الفرنسي والتكنولوجيا النووية·'' وكأن فرنسا هي الدولة الوحيدة التي كانت تربطها بالعراق صفقات بترول وسلاح وتكنولوجيا آنذاك·! تحايل ·· وتجاهل ففي الفصل الخاص بتاريخ المساعدات العسكرية الخارجية للعراق تجاهل الكاتب تماما شبكة المساعدات الأمريكية الأوروبية التي ساندت صدام حسين في حربه ضد إيران· فمن الثابت أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بإقراضه الأموال وإمداده بقنابل عنقودية مصنوعة في تشيلي، ودعمه بصور الأقمار الصناعية وتكنولوجيا كيميائية وبيولوجية· وان إدارة بوش الأب دعت اثنين من علماء الأسلحة النووية العراقيين في سبتمبر 1989 لحضور دورات متخصصة· وأن إيطاليا ساهمت في إقراض صدام وبريطانيا قدمت تكنولوجيا · طبقا لما وثقه خبير العلوم الاستراتيجية الأمريكي ألان فريدمان في كتابه '' شبكة العنكبوت'' عام ·1993 وقبل غزو الكويت كان صدام أحد أبرز عملاء أمريكا· وطبقا لتقرير المخابرات الأمريكية فإن صفقات العراق مع الولايات المتحدة خمسة أضعاف مثيلتها مع فرنسا· وأن شركات البترول الأمريكية تحت إدارة ديك تشيني عقدت صفقات مع العراق بين عامي 1989 و2000 بإجمالي 103 ملايين دولار· وهو ما تجاهله المؤلف أيضا في الكتاب· فكيف يحاكم الأمريكيون فرنسا على شيء تعترف بفعله الولايات المتحدة·؟ · وإذا كانت التهم الرئيسية التي يركز عليها الكاتب هي نزعة فرنسا الشرهة لبيع السلاح ،فالإحصائيات تؤكد أن الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل وروسيا يتربعون على رأس قائمة الدول الأكثر تصديرا للسلاح في العالم· ،إذا كانت التهمة الأخرى تتعلق بصفقات النفط السرية ، فشركة هاليبرتون الأمريكية وغيرها كانت غارقة لأذنيها في مثل تلك الصفقات قبل حرب الخليج، وغرقت بعدها في فضائح فساد مالي في ميزانية عام 2003 - 2004 بمبلغ 8 مليارات و800 مليون دولار قيمة نفط عراقي بعد احتلال العراق· وكأن تيمرمان وغيره من الكتاب الأمريكيين الذين اتخذوا نفس المنحى يمارسون على القارئ نوعا من التنويم المغناطيسي حتى يلوم فرنسا على مساندة أمريكا في الحرب وينسى أن أجهزة المخابرات الأمريكية أخفقت في تقديم صورة حقيقية لما ستكون عليه الحال بعد الحرب· وبالعودة إلى الكتاب نجد أن تيمرمان يثير تساؤلات كثيرة حول اتفاقيات التعاون النووي الأمريكي الفرنسي والتي لا تزال سارية الفعالية حتى يومنا هذا ، والذي ينصح بإلغائها على ضوء مستجدات السلوك الفرنسي تجاه أمريكا· ويقول: كل هذا ولا تزال إدارة جورج بوش تقدم لفرنسا أسرار أمننا القومي · فلا زال خبراء الدفاع والأسلحة النووية من الجانب الفرنسي والأمريكي يتباحثون ويتبادلون الأسرار حول الترسانة النووية رغم كل أدلة الخيانة الفرنسية لأمريكا· ويضيف قائلا:'' إن مصالحنا الأمنية لم تعد تلتقي· وأن الهوة بدأت تتسع بين السياسات الأمنية والمصالح الاقتصادية للبلدين· فلقد كشفت الحرب على العراق الخيانة الفرنسية وكشفت استعداد فرنسا لعقد صفقات مع أسوأ الأنظمة في العالم معرضة اقتصادها وسمعتها الدولية وعلاقتها بدول صديقة تربطها بها أكثر من 200 عام من علاقات في غاية الإخلاص والقوة· ويقول الكاتب :'' لقد كذب شيراك على بوش وعلى شعبه حول الحرب على العراق· فلقد وعد شيراك بوش شخصيا بأن فرنسا ستقف إلى جانب الولايات المتحدة·'' ويضيف:'' لقد امتنع الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن التعاون مع شخصيات رفيعة في قضية الحرب على الإرهاب· ولقد تلقى القاضي الفرنسي المسئول عن قضايا الإرهاب أوامر بعدم التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في قضية زكريا موسوي رغم امتلاك الولايات المتحدة لأكوام من الوثائق التي كان يمكن أن تساعد على إدانته بتهمة التآمر لارتكاب مجازر جماعية· وكانت الصدمة التي مني بها كينيث تيمرمان أثناء طبع الكتاب أن اتصالاته بشخصيات هامة في مجال صناعة القرار لم تمكنه من التنبؤ بعودة العلاقات الطبيعية بين فرنسا والولايات المتحدة· فبعد أن ظلت الصورة قاتمة بين باريس وواشنطن طوال عام 2004 حدث تفاهم بينهما على هامش أحداث لبنان والتمديد للرئيس إميل لحود واستصدار قرار مجلس الأمن 1559 بانسحاب القوات السورية من لبنان· ثم تطور هذا التفاهم إلى عودة الود بينهما خلال القمم الثلاث التي جمعت الرئيس الأمريكي جورج بوش مع قادة الاتحاد الأوروبي واتفقا خلالها على طي صفحة الخلاف حول العراق والتعاون بشأن إصلاح منطقة الشرق الأوسط الكبير· ولا أحد يدري ·· إذا ما كان الكاتب وضع رأسه في التراب وتجاهل الصلح ، أم أنه أراد أن يسجل كتابه حقبة سوداء في تاريخ العلاقات الفرنسية الأمريكية· برواز:
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©