الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

متحف «الأوبتغرافيا» في الشارقة يبحث في مفاهيم الموت والحياة

متحف «الأوبتغرافيا» في الشارقة يبحث في مفاهيم الموت والحياة
11 يوليو 2012
يتناول معرض “الأوبتغرافيا” المقام حاليا بمتحف المقتنيات بالشارقة والمستمر حتى الثالث من أكتوبر القادم، فكرة قد تبدو مرعبة ومتضامنة مع خيال مشوش ومضطرب ومسكون بصور الموتى وهم يغادرون الحياة، في اللحظة التي تنطبع فيها الملامح والأشكال المتبخرة في الوعي على شبكية العين في ذات التوقيت الذي تغادر فيه الروح الجسد. انطلاقا من هذه الفكرة الغرائبية التي تعاطى معها وبشكل جدي علم التحقيق الجنائي، يقدم الفنان البريطاني ديريك أوغبورن أعماله في المعرض الذي تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون بصيغة تنصهر وتندمج فيها المفاهيم العلمية والخيالات الفنية والاستبصار والتأويل والغيبيات والماورائيات والأنماط التشكيلية المعاصرة المتمحورة جميعها حول: “شعاع الضوء الأخير الذي يدخل عيوننا لحظة الموت”. حيث يصف الفنان أوغبورن تلك الجملة بأنها تستحضر له فكرة بصرية رائعة ومثيرة للذكريات، ومتعلقة بتلك الصورة الأخيرة التي هي موضوع هذا المعرض. وحول الدوافع التي حرضته على إنشاء هذا المتحف يقول أغبورن “الدافع انطلق أساسا من محاولة الإجابة عن السؤال المبهم: متى وأين وكيف ستكون لحظاتنا الأخيرة قبل أن نفارق الحياة ..”. ويضيف “يتلاعب معرضي بهذه الفكرة، من خلال شبكة عصبية معقدة من العناصر والصور الضوئية والأفلام الوثائقية، والرسومات وأعمال الفيديو والتسجيلات الصوتية والتي أحاول نقل معانيها وارتباطاتها بجمل متشظية أو ملاحظات أخيرة”. ورغم أن أوغبورن يصف متحفه الأوبتغرافي بأنه أشبه بكذبة متداخلة مع الحقيقة، إلا أن الشواهد الفنية وحتى الجنائية التي يقدمها تؤكد على أنه يفكر بصوت عال حول ظاهرة خافتة ومسكوت عنها، لأنها قد تثير الرعب والهلع والدخول في متاهات روحانية مقلقة. ويتذكر أوغبورن الضربة التي تلقاها على رأسه وهو يقود دراجته الهوائية في منطقة سويس كوتاج بشمال لندن عندما أصبح هو بالذات موضوعا حيا وقابلا للتحليل في “مسرح الجريمة” ذاك، وخطرت على باله في تلك اللحظة أعمال العنف والموت المفاجئ بينما نكون منتبهين بشدّة لأنفسنا وكأننا آلات حية. ينقسم المعرض إلى ثلاثة أقسام رئيسية حملت عناوين شعرية لافتة هي “غرفة الأرجوان”، و”فقدان البراءة” و”ترتيلة”. تضم “غرفة الأرجوان” صورا وتخطيطات ووثائق قديمة حول التصوير الكيميائي للضوء وأثره على الأرجوان البصري، أثناء تثبيت صورة ما العين، وخصوصا تلك الصورة الأخيرة المنطبعة بشكل مؤقت على شبكية العين لحظة الموت، وتضم الغرفة قسما بعنوان التجويف الأرجواني وهو قسم جديد في تاريخ متحف: “الأوبتغرافيا” ويجسد المكان المظلم حيث يدخل الضوء، ولكنه لا يخرج أبدا، مكان حيث الظلال تخلق صورا غامضة للمخيلة، أو هو أشبه بحيّز كان مرة بعيدا في الوقت المناسب، حيث الغبار والأوساخ تغطي الآن كل شيء، وحيث تتمدد الأجساد دون أن نشعر بحركتها. ويشبه أوغبورن التجويف الأرجواني بأنه وعاء للحقيقة وصائد لها سواء أكانت أمامنا أو في عقولنا أو في جماجمنا، وظيفته أن يكون محايدا وموضوعيا، مثل الكاميرا، بينما في الوقت نفسه يزرع الشك في ذهن المشاهد، وهو نموذج الذهن الذي يعيش صراعا على الفكرة غير القابلة للتصور في لحظة الموت، والتي تحمل ومضات خاطفة لنقطة النهاية، والحاجز والحافة، والواجهة وكل ذلك يبقى ــ كما يقول الفنان “مثل صورة أو شبح أو روح شريرة في الجسد”. وفي القسم المعنون بفقدان البراءة، يصف أوغبورن اللحظة التي اصطدم فيها رأسه بحافلة مسرعة أثناء حادث طريق بإحدى شوارع لندن في العام 1992 حيث شعر بوميض الصدمة وبطعم الدم وتدفقه على الجينز الأبيض الذي يرتديه والذي وضعه في مكان بارز داخل المعرض من أجل تثبيت تلك اللحظة المدوية في تاريخه الشخصي، والذي يصفه الفنان هنا بأنه دليل بصري صارخ على تلك اللحظة التي شعر فيها بالفناء أو الموت المفاجئ الذي ينقلنا من ضفة الضوء إلى ضفة الظلمات، وهي اللحظة المدوخة التي قادت الفنان مباشرة إلى تنفيذ مشروع: “متحف الأوبتغرافيا”. في الغرفة الثالثة، يترك الفنان جهاز العرض السينمائي وكي يخترق وبحرية كاملة المكان والزمن من أجل توثيق اللحظات الأخيرة من حياة جدته إليزابيث أوغبورن قبل أسابيع من وفاتها، والتي نراها ونسمعها وهي تهذي بترتيلة غامضة على فراش المرض، وتستحضر من خلال هذه الترتيلة هيبة وجلال الموت، الذي عصف بأحبائنا وأصدقائنا، والذي ننتظر دورنا كي يجرفنا معه إلى مجهوله الفائض والحتمي. وأخيرا، فإن متحف الأوبتغرافيا استلهم عناصره ومكوناته الفنية والبصرية من مصادر متنوعة مثل الأعمال الأدبية والعلوم والخيال وكلاسيكيات سينما الرعب، وجمع أوغبورن مجموعة مهمة من النصوص والأفلام التي تتناول موضوعة الموت والمرض والمسائل الوجودية المتأرجحة بين الشك واليقين، وبين الخلود والفناء، وبين كل تلك الركامات الهائلة من التناقضات اللامرئية التي تملأ الفضاء الشاسع بين السماء والأرض!
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©