الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة اليونان.. معالجة مختلفة

12 يوليو 2015 23:33
كانت الصورة صادمة: متقاعد يوناني في الـ77 يجهش بالبكاء وهو جالس على الأرض أمام بنك، وبطاقة هويته ودفتر حسابه المصرفي مرميان لجانبه. كان الرجل قد اصطف طيلة النهار في طوابير أمام أربعة من البنوك المتعثرة لسحب راتبه الذي لا يزيد عن 178 دولاراً، لكنه لم يتمكن من ذلك. خطر خروج اليونان من منطقة اليورو، لا يتعلق بتأثيره الاقتصادي بقدر ما يتعلق بتأثيره السياسي المحتمل. فالأحزاب الراديكالية الأوروبية، اليمينية واليسارية، اتفقت مع بعضها على نحو غريب في الدعوة لخروج اليونان من منطقة اليورو. والهدف المشترك لتلك الأحزاب هو إضعاف الاتحاد الأوروبي و«الناتو» معاً. في حالة خروج اليونان من منطقة اليورو، وغرقها في المزيد من الفوضى فإن هذه الدولة، بموقعها الاستراتيجي المهم في جنوب شرقي أوروبا، ستكون سبباً للكثير من التصدعات. ورغم أنها ستظل عضواً في الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو»، فإن حكومتها اليسارية قد ترى أنه ليس هناك ما يمكن فقدانه إذا ما سعت لتكوين تحالفات مع دول أخرى. ويشار في هذا السياق إلى أن رئيس الوزراء اليوناني «اليكسيس تسيبراس» عمل على التقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي سيجد في اليونان حليفاً محتملاً داخل «الناتو» يمكن أن يشجعه على إثارة الشغب. وهناك فائدة أخرى لهذا التقارب مع موسكو وهي أن تسيبراس يمكنه أيضاً استخدام الفيتو اليوناني لمعارضة العقوبات الأوروبية على روسيا بشأن أوكرانيا. وحول هذه النقطة يقول «سباستيان مالابي»، عضو مجلس العلاقات الخارجية الأميركي: «الدرس الذي نخرج به من تجربة الأعوام الـ15 الأخيرة، هو أن الدول الضعيفة قد تلحق الضرر باستقرار الدول المستقرة المزدهرة، خصوصاً إذا كانت الدولة الضعيفة لا تقع جغرافياً داخل نطاق أوروبا فحسب، وإنما أيضاً داخل المؤسسات الأوروبية». لم يكن هذا هو الطريق المفترض للاتحاد الأوروبي. فقد كان الحلم الأوروبي ينبني على رفض التعصب القومي، والتركيز على خلق الروابط الاقتصادية والتجارية. وهكذا أصبحت ألمانيا وفرنسا حليفتين داخل الاتحاد، كما وجدت كل من إسبانيا والبرتغال اللتين حكمتا طويلا بأنظمة سلطوية نفسيهما مضطرتين لاعتناق الديمقراطية. وعقب انهيار سور برلين، انضمت دول أوروبا الشرقية للاتحاد الأوروبي وطبقت أنظمة برلمانية. كان الاتحاد يمضي بشكل جيد للغاية، نحو تحقيق المأمول من إنشائه، لكن المشكلة الرئيسية فيه كانت أن القيم الثقافية لليونان وإسبانيا والبرتغال تختلف عن القيم التي تتبناها دول أخرى مثل ألمانيا وفنلندا التي تعطي أهمية كبيرة للالتزام بالقواعد والنظام، والاقتصاد والتدبير. كان وضع دول متباينة على هذا النحو، في نظام عملة موحدة، وصفة مؤكدة للكارثة. عندما كانت الأحوال جيدة، لم تجد البنوك الألمانية والفرنسية مانعاً من تقديم القررض لليونانيين، غير آبهة بعبء الديون التي كانت أثينا تراكمها. وعندما ساءت الأحوال الاقتصادية، لم تعد اليونان قادرة على الوفاء بسداد الديون. وتحت ضغط من بروكسل، حاولت اليونان تطبيق خطة تقشف ضخمة أدت إلى انكماش الاقتصاد اليوناني بنسبة 25? وارتفاع مستوى البطالة إلى نسبة 25? أيضاً. وبدلا من تخفيف أعباء المديونية عن اليونان عام 2010، استمر الاتحاد الأوروبي في إقراضها المزيد من الأموال، لسداد الديون المستحقة للبنوك الألمانية والفرنسية الخاصة، مما أدى لزيادة الدين اليوناني إلى معدلات قياسية. وأظهرت المأساة التي نتجت عن ذلك النهج خواء الطموحات والمؤسسات السياسية الأوروبية، كما أثبتت أن اليورو قد بني على سراب. ومع ذلك ما زال بإمكان مسؤولي الاتحاد الأوروبي القيام بمحاولة لمساعدة اليونان عبر تخفيض ديونها، أو تسهيل خروجها من منطقة اليورو. لكن ما نراه حالياً هو أن مواطني شمال أوروبا يبدون أكثر تشوقاً لرؤية اليونانيين وهم يعانون كي يثبطوا أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين عن التفكير في محاولة الخروج من منظومة اليورو. هذا نهج قصير النظر: فسواء خرجت اليونان من اليورو أو ظلت فيه فإن آلامها سوف تغذي رواية الأحزاب الأوروبية اليسارية التي تمثل تهديداً لمستقبل الديمقراطية الأوروبية. وإذا ما كان قادة الاتحاد الأوروبي يريدون حقاً إنقاذ اتحادهم السياسي، فعليهم إعادة التفكير في معاملتهم لليونان. ترودي روبن* *محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©