الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نورزيلا زكريا : رمضان في ماليزيا رحلة للعبادة والتصدق وختم القرآن بحلقات «تدارس»

نورزيلا زكريا : رمضان في ماليزيا رحلة للعبادة والتصدق وختم القرآن بحلقات «تدارس»
15 يوليو 2013 17:16
تعددت الألوان والأعراق والألسنة بتعدد البلاد والشعوب، فاختلفت العادات والتقاليد عبر دول العالم الإسلامي التي يعيش فيها أكثر من مليار نسمة في شتى قارات العالم، ولا يجمعهم إلا الإسلام تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وفي رمضان من كل عام، يتحول المسلمون في شتى ربوع الأرض إلى كتلة واحدة عملاقة، تهيمن عليها روحانيات الشهر الفضيل، فيؤدي الجميع العبادات نفسها من صيام وصلاة وإقبال استثنائي على فعل الخير ونزعة أقوى للتسامح والتواصل مع الآخرين. لكن رمضان بسماحته، يعطي أحبابه في مشارق الأرق ومغاربها فرصة عظيمة ليضع كل مجتمع بصمته ولمساته المستمدة من عاداته وتاريخه على طقوس استقبال ومعايشة الشهر الفضيل. وتنشر «دنيا الاتحاد» على مدى الشهر سلسلة حوارات مع العديد من زوجات سفراء الدول العربية والإسلامية في الإمارات، لإلقاء الضوء على عادات وتقاليد شعوبهن خلال رمضان. حتى الآن مازال الماليزيون أوفياء لعاداتهم وتقاليدهم في شهر رمضان ، رغم الغنى الثقافي والتمازج العرقي والانفتاح على العالم الخارجي والحداثة المذهلة التي تضع بصمتها على كل شيء هناك. وما زالت المائدة الرمضانية في بيوت الماليزيين تحتفي بالأكلات التقليدية التراثية، فيما تفتح المساجد أبوابها لحلقات الذكر والدروس القرآنية أو ما يعرف باسم «تدارس»، وسط أجواء روحانية مذهلة يضفيها الشهر الفضيل على البلاد طوال ثلاثين يوماً وليلة. وما أن يأتي رمضان، تتحول ماليزيا كلها إلى ما يشبه سوق كبير مفتوح، تباع فيه كل شيء، وتتحول الشوارع إلى خلية نحل، لا تهدأ، تحت أضواء تتلألأ في كل مكان. ويعلن عن قدوم رمضان في القرى بدق الطبول التي تستخدم أيضاً عند آذان المغرب، وهي عادة متوارثة من الماضي، ما زال لها حضور قوي حتى الآن، مثلها في ذلك مثل «المسحراتي» الذي يعد نجم الشعبي للشهر الفضيل. ومن عادة الماليزيين الفطور على التمر والماء الملون المعطر بماء الورد، ثم يقومون لصلاة المغرب، وبعدها يتناولون الوجبة الرئيسية، وبعد صلاة التراويح يذهبون للنوم مباشرة بعد تناول بعض الحلويات، ليستيقظوا وقت السحور، اقتداء بالسنة النبوية الكريمة. تقول السيدة نورزيلا محمد زكريا حرم السفير الماليزي المعتمد في الإمارات، إن شعب ماليزيا شديد التدين ويحافظ على تقاليده وعاداته وهويته الإسلامية، موضحة أن رمضان يجمع الناس في هذه الدولة الواقعة في قلب منطقة جنوب شرق آسيا التي يعيش فيها أغلبية من المسلمين، يزيد عددهم على 13 مليون مسلم، تصل نسبتهم إلى أكثر من 60% من إجمالي عدد السكان. وتضيف أن المسلمين الماليزيين يستقبلون الشهر الكريم بحفاوة كبيرة جداً، حيث تنظف البيوت والمساجد قبل بداية الشهر، بينما تكتب عبارات الترحيب باللغة العربية وتزين الأسواق والمحال التجارية ابتهاجاً بقدوم رمضان، وتعمر المساجد في القرى والمدن، حيث يتدارس فيها المسلمون القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وتقام فيها المحاضرات الدينية، والدروس الرمضانية، وتؤدى فيها صلاة التراويح وقيام الليل، كما تزيد جرعة البرامج الدينية في التلفاز والراديو، وذلك ابتداء من الأسبوع الذي يسبق شهر رمضان. ويشتهر الماليزيون بالتسابق على فعل الخير خلال رمضان، حيث يتنافسون على التكفل بإعداد موائد الإفطار على مدار الشهر في مختلف المساجد التي لا تغلق أبوابها مطلقاً. وعند صلاة المغرب يحضر أهل الفضل ومعهم بعض المأكولات والمشروبات، حيث توضع على مفارش طويلة في الأروقة، وتكون الدعوة عامة ومفتوحة للجميع للمشاركة في تناول طعام الإفطار، في حال لم يتم حجز المسجد بشكل مسبق من طرف أحد المتصدقين. الأكل باليد وللماليزيين عادات خاصة في الشهر الكريم، حيث تقول السيدة نورزيلا إن الماء الملون والمعطر بماء الورد، عنصر أساسي عند الإفطار، وهو أول ما يتناولونه -مع التمر- عند الإفطار. ويتطلب إعداده، بعض التجهيز، حيث يتم غلي الماء العادي، ثم يضاف له ملون طبيعي خفيف حسب الذوق، ثم يسكب فيه قليل من ماء الورد ويقدم على مائدة الإفطار بارداً. وبعد الإفطار عليه يقوم الناس للصلاة في المساجد، ثم يتناولون بعدها الوجبة الرئيسية. وفي العادة لا يستخدم الناس أدوات المائدة عند تناول طعام الإفطار، «إنهم يأكلون بأيديهم»، حسبما تقول نورزيلا. ثم يتم غسل الأيدي في آنية مزدوجة، تتكون من جهاز سفلي وآخر فوقي يشبه الإبريق يحتوي على الماء الذي يصب على اليد وتنشف بعد ذلك، ولا يخلو منزل ماليزي من هذا الجهاز. تشير نورزيلا إلى أن الشارع الماليزي خلال شهر رمضان ينبض بالحيوية والنشاط، حيث ينتشر الباعة المتجولون في كل مكان، لبيع المأكولات الرمضانية، بما في ذلك الماء الملون والمعطر، وتوضح أن العديد من السيدات لا يقدرن على تجهيز الطعام في بيوتهن لعملهن خارج البيت، مما يضطرهن لشراء ما يلزمهن من هذا السوق الذي يوفر اختيارات متعددة، وتشير حرم السفير أن هذا السوق يعتبر من الذاكرة الجماعية للماليزيين وارتبط ارتباطا وثيقا بالشهر الفضيل. أطباق مفضلة ويحب الماليزيون في العادة التنوع في الوجبات على مدار الشهر، وما يتبقى من طعام الفطور يتم تناوله خلال وجبة السحور، وقد يزيدون عليه حسب الحاجة لذلك، ومن الأطباق الحاضرة أيضاً على مائدة الإفطار، الأرز الأبيض مع طبق روبيان كبير مع مرق طماطم حار، وطبق دجاج بالكاري. ومن السلطات المفضلة، سلطة المانجو النيء المجروش بشكل طولي مع الليمون والفلفل الحار والبصل والكزبرة والملح، وتزين المائدة أيضاً بكريات من اللحم المفروم مع البطاطا، والسمبوسة باللحم والبطاطا التي تدخل في تجهيز العديد من الأطباق والحلويات. وتوضح نورزيلا أن الأطباق تتغير من يوم لآخر لتشمل أيضاً الأرز الصيني وأرزاً على طريقة برياني، كما تتغير السلطات، مشيرة إلى أن المطبخ الماليزي متأثر بمطابخ الدول المجاورة ومختلف الأعراق والأجناس التي تعيش في البلاد. من عادة الأسر والعائلات الماليزية، تبادل الهدايا والأطعمة والحلويات خلال الشهر الكريم، تدعيماً لأواصر المحبة والوئام بينها، وتعظيماً لمكانة رمضان. وفي العادة ينام الماليزيون مبكراً عقب صلاة التراويح، بعد تناول الحلوى التقليدية التي يدخل في تكوينها جوز الهند، الذرة الحلوة، والبطاطا بأنواعها. أما وجبة السحور، فهي عبارة عن خبز يشبه براتا أو الأرز. روحانيات يحرص الماليزيون على قراءة القرآن في جماعات، خاصة مع أفراد الأسرة، وتقوم الإذاعة الدينية في ماليزيا بإعداد برامج خاصة بشهر رمضان، محورها السيرة النبوية، وسير الصحابة الكرام، وأحكام الفقه، والتفسير، وتلاوة القرآن، وتنظم المسابقات الدينية كما تقام الفعاليات الرمضانية، ومع الانتهاء من صلاة التراويح تعقد مجالس العلم، وتنظم حلقات القرآن «تدارس»، حيث تتحلق جموع المصلين في حلقات لسماع دروس العلم الشرعي من أهل العلم، وغالباً ما تنفض تلك الحلقات مع حلول منتصف الليل، ثم يغادر معظم المصلين إلى بيوتهم، بينما يمكث البعض في المسجد لقراءة القرآن والعبادة. وتشهد المساجد في العشر الأواخر من رمضان إقبالاً مشهوداً. ويعتكف المصلون حتى أداء صلاة الفجر. وتجهز الشوارع والبيوت بالزينات والأنوار لاستقبال ليلة القدر في السابع والعشرين من الشهر المبارك. نكهة خاصة للعيد تقول حرم السفير الماليزي إن الشعب الماليزي عموماً يبدي اهتماماً كبيراً بالملابس التقليدية التي يحرص الجميع على ارتدائها خلال رمضان والعيد، كما أن الأطفال أيضاً يسعدون بارتداء ملابسهم الوطنية، ويضعون على رؤوسهم القبعات مستطيلة الشكل، في حين ترتدي الفتيات الملابس الطويلة الفضفاضة التي تتكون من قطعتين، السفلية على شكل تنورة طويلة من الحرير، بينما القطعة التي تأتي من فوقها وتنسدل تحت الركبة فتشبه القميص مع تطريز خفيف، دقيق ومتقن. وتضيف السيدة نورزيلا أن اللباس التقليدي للسيدات دخلت عليه بعض التجديدات بما يلائم الفتاة العصرية، لكنه ظل وفياً لطابعه العام، بحيث يشتمل على شغل يدوي ناعم جداً ودقيق، موضحة أنه يتكون من قطعتين من الحرير الخالص، ويطلق على هذا اللباس» كورونج»، بينما ظلت السيدات حريصات على ارتداء الملابس التقليدية بطابعها القديم، لافتة إلى أن هذا اللباس حاضراً على مدار السنة، ويعرف حضوراً أكبر في رمضان. ويتم تجهيز ملابس العيد قبل حلول الشهر الكريم بثلاثة أشهر، نظراً للإقبال الشديد على الزي التقليدي، كما أن هذه الملابس تفصل وتطرز وتتطلب وقتاً طويلاً لتجهيزها. وتشير نورزيلا إلى أن كل ما يحضّر لعيد الفطر يختلف عن بقية أيام شهر رمضان، حيث يتم تجهيز حلويات خاصة، مع تحضير المأكولات بكميات كبيرة. وبحسب التقاليد المتوارثة، لا تدخل السيدات المطبخ في العيد، وذلك للتفرغ لأداء صلاة العيد واستقبال الضيوف، والقيام بالزيارات العائلية. وعادة ما يزور الصغار الجيران والأهل والأصدقاء، الأكبر سناً احتراماً وتقديراً. وبالنسبة للأسرة، يجتمع الكل عند الأب أو في البيت الكبير، وفي العادة يتم تنظيف البيت واقتناء بعض الأثاث حسب قدرة كل شخص. وتشير حرم السفير إلى أن الأطفال يستقبلون العيد بالألعاب النارية، وبارتداء الملابس الجديدة، وفي صباح العيد يعطيهم الأهل «العيدية» التي لا تقتصر على الأطفال الصغار فحسب، بل تمتد إلى الأكبر سناً ممن لا يعملون، وليس لهم دخل، لافتة أن الأطفال خلال هذا اليوم يجمعون الكثير من النقود من خلال تجوالهم على بيوت الجيران، والأهل والأصحاب، حاملين حقيبة صغيرة تعلق على الكتف. سلبي وإيجابي للسيدة نورزيلا زكريا ثلاثة أبناء وبنت واحدة، ويبدو أن تجربة الانتقال من بلد لأخرى بسبب طبيعة عمل الزوج، أكسبت الأسرة عموماً، بما فيها الأبناء، مهارات وخبرات حياتية مميزة، ومنحهم إحساساً بالاستقلالية مع تنقلهم من مدرسة دولية لأخرى، حسبما تقول. لكن حرمهم السفر الدائم من تكوين صداقات عميقة تستمر لفترات طويلة، حتى أنهم «يكادون يعيشون حياتهم بلا أصدقاء» في الرحلة الدبلوماسية.. الإمارات الأقرب للقلب قضت نورزيلا زكريا رمضان في أكثر من دولة، وهي تعتبر الإمارات البلد الأقرب إلى قلبها بعدما أمضت رمضان في تايلاند والنمسا وأميركا وسنغافورة وباكستان. وتكشف أنها أضربت عن تناول اللحوم الحمراء والبيضاء لمدة ثلاث سنوات عندما كانت مع زوجها في إحدى الدول غير الإسلامية، واعتمدت في غذائها بصورة أساسية خلال تلك الفترة على الأسماك. وتحتفظ حرم السفير الماليزي بأفضل الذكريات في رمضان عن تجربتها في باكستان، حيث كانت الجالية في هذا البلد قليلة، لكنها قريبة من بعضها البعض. وتتذكر أن الجميع كان يأتي لبيتها على الفطور أو بعده ثم يصلي الجميع صلاة العشاء والتراويح، وبعدها تقام حلقات «التدارس». وتضيف: «كان هناك 13 طالباً ماليزياً يدرسون في باكستان، وكنا نجتمع كل ليلة ونقرأ القرآن، مع آخرين من الجالية الذين كانوا يأتون بأطباق رمضانية، ويوم العيد نؤدي صلاة عيد الفطر، ويقضي الجميع يوماً كاملاً مع بعضنا البعض في بيتي». وفيما يتعلق بتجربتها في الإمارات، تقول حرم السفير الماليزي، إن الجالية في دبي أكثر بكثير من أبوظبي. وتشير إلى أنها في السنة الماضية أقامت إفطاراً لأكثر من 500 صائم ماليزي، وهي تنوي إقامة مائدة إفطار للماليزيين في نهاية كل أسبوع خلال الشهر الحالي.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©