الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القشَّة قصمت ظهر الأمَّة الهشَّة!

27 ديسمبر 2016 23:14
ليس هُناك أعداء للعرب والمسلمين إلا أنفسهم وشياطينهم.. وقد اجتمعت فينا صفتان أو رذيلتان، الأولى أننا «جميعٌ» في البيانات والتصريحات، وعلاقاتنا متميزة، ومثمرة واستراتيجية في العلن والظاهر. ولكن «قلوبنا شتى» وعقولنا شتى، وأغريت بيننا العداوة والبغضاء في الخفاء والغرف المغلقة.. وكل عطور وروائح البيانات الزكية لا تستطيع صرف الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف للكراهية المتبادلة والبغضاء المتجذرة.. شجرة العرب والمسلمين أصلها الخلاف والكراهية والصراع، وفرعها الود الظاهر الكاذب، والأخوة الوهمية، والقبلية المدمرة التي انتقلت من قبلية العرق، والدم في الجاهلية إلى قبلية الفكر والمذاهب، والدين، والتنظيمات الإرهابية. الليلة نسخة من البارحة.. نسخة طبق الأصل من الجاهلية الأولى - وقد ورد في القرآن الكريم وصف الجاهلية (بالأولى).. مما يؤكد أن جاهلية ثانية قادمة، ونحن نعيشها منذ الفتنة الكبرى على عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضي الله عنه. واختلاف الأبطال والمجاميع، والكومبارس، والأسماء، والميادين، والزمان لا يعني أبداً أن السيناريو جديد أو أن العمل الدرامي غير مسبوق.. هو نفس السيناريو الذي عشناه أو عاشه الأجداد في الجاهلية الأولى.. جاهلية البسوس وعبس، وذبيان، وتغلب، وبكر.. جاهلية الثأر، والحمية، والانفعال، والانطباع، والقتل على الهوية سواء القتل على الهوية العرقية القبلية في الجاهلية الأولى، أو القتل على الهوية الدينية والمذهبية، أو حتى الهوية الكروية في جاهليتنا الثانية الآن. زمان ونحن بعد صبية في المدارس، كنا ندرس في كتب التاريخ أن السياسة التي كان يعتمد عليها الاستعمار الأوروبي في المنطقة العربية هي سياسة (فرق تسد).. وعندما كبرنا ووعينا وأدركتنا مأساة وعذاب الفهم عرفنا أن هذا كلام فارغ لأن الاستعمار لم يفرقنا ليسود، وإنما نحن متفرقون جاهزون منذ الجاهلية الأولى ومنذ بداية الجاهلية الثانية.. تنازعنا ففشلنا وذهبت ريحنا ولا دخل للاستعمار في ذلك أبداً.. وبرعنا في اختراع المشاجب (الشماعات) التي نعلق عليها خطايانا.. ومنها مشجب المؤامرة وشماعة أعداء العرب والمسلمين، وشماعة (فرق تسد).. وشماعة تقسيم بعضنا إلى رجعيين، وتقدميين، ومؤمنين، وكفرة، وسنة، وشيعة. نفس القبلية والعنصرية والمذهبية وحمية الجاهلية الأولى. لا جديد. وما زلنا وسنظل نقدم للآخرين الذين نتهمهم بالتآمر علينا أضعاف ما يطلبون وما يتوقعون أن نقدمه. لا أتذكر أن العرب بالتحديد كانوا يوماً ما على وفاق أو على قلب رجل واحد، كما يزعمون، ولا أتذكر أن هذه الأمة عاشت مرحلة الصلابة والتماسك، أو أنها كانت يوماً واحداً في التاريخ عصية على الفشل والتنازع والتفرق وذهاب الريح.. ولا أتذكر أن العرب تمتعوا يوماً بأدب الاختلاف. كما لا أتذكر أن الاختلاف أثراهم، بل إنه أفقرهم وفرقهم، لأنه لم يكن ولن يكون اختلاف آراء وأفكار، ولكنه دائماً اختلاف أهواء وانطباعات وانفعالات. وليته حتى اختلاف مصالح، وليت مصائب بعض العرب عند بعض العرب فوائد، لا شيء سوى العناد والمناكفة وحماقة شمشون الذي هدم المعبد على رأسه ورؤوس الجميع.. لا شيء سوى حالة الارتداد الطفولي التي أصابت هذه الأمة. اتفاق ووفاق أطفال ثم عراك وخلاف أطفال ثم عودة للوفاق واللعب معاً، ثم رجوع إلى العراك والخلاف والصراع واللعب ضد بعضهم. ولا تعرف لماذا اتفقوا ولا تعرف أيضاً لماذا اختلفوا. ولا يمكنك أن تبني آراء محددة ومواقف ثابتة على مواقف العرب من أمر أو ضد أمر معين. ولا تجد جواباً لسؤال (لماذا) في هذه الأمة. والجواب الأزلي والأبدي والخالد هو: وجدنا آباءنا وألفينا آباءنا هكذا.. وإنا على آثارهم مهتدون ومقتدون. فالعرب دوماً كانوا ببغائيين مقلدين في كل مواقفهم إذا صح أن نسميها مواقف. والمشهد الجاهلي الحالي هو نفسه المشهد الجاهلي قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، هو نفسه المشهد القبلي العبثي المقيت، حتى شعراء القبائل المتناحرة الذين كانوا يؤججون الصراعات بقصائد الفخر والحماسة والحمية الجاهلية ما زالوا بين ظهرانينا، وإن تغيرت الأسماء والوسائل. وشعراء الجاهلية الثانية في الأمة هم أهل الإعلام بكل وسائله ووسائطه.. هم الذين يؤججون الصراعات أو حتى يختلقونها ويتبعهم الغاوون وتراهم في كل فضائية وموقع وصحيفة يهيمون ويقولون ما لا يفعلون، ويصنعون جنازات يشبعون أو لا يشبعون فيها لطماً. والمشهد الإعلامي العربي لا يمكن أن يكون عاقلاً وموضوعياً لأن التعقل والموضوعية لا يرفعان نسبة المشاهدة والمتابعة ولا يجلبان الإعلانات.. والأمة ليست في رأس أحد من الإعلاميين الذين أراهم السبب الوحيد في تلويث وتسميم الأجواء العربية القابلة أصلاً للتسمم والتلوث. فهذه الأمة أمة افتراضية وليست حقيقية، أمة على الورق لا في الواقع، أمة توهمناها واخترعناها وخُيّل إلينا من وهمنا أنها تسعى وأنها كيان حقيقي وكائن حي، والحقيقة المؤكدة أن القبلية بكل أنواعها المذهبية والدينية والعرقية والفكرية وبكل حميتها الجاهلية أقوى وأكثر تأثيراً ونفيراً من كيان اسمه الأمة العربية والإسلامية.. فهذا الكيان الورقي الهش المسمى الأمة أو الدول الوطنية سرعان ما عصفت به رياح الخريف العربي ثم أتم الإرهاب المهمة لأن الإرهاب وجد حاضنة شعبية قوية في هذه الأمة.. لأنه دغدغ القبلية المذهبية والدينية والعرقية لدى الناس، وهذه القبلية ظلت كامنة تحت رماد ما سمي الدول الوطنية الهشَّة، التي تقصم ظهرها قشة. فلا وجود لما يسمى أعداء العرب والمسلمين، فنحن أعداء أنفسنا وقتلانا بأيدينا وبحماقتنا أضعاف أضعاف قتلانا بأيدي من نسميهم أعداءنا. وكراهيتنا لبعضنا أضعاف كراهيتنا لمن نسميهم أعداءنا. وكل ما نتحدث عنه من إرهاب وميليشيات وقبليات مذهبية وفكرية ليس سوى قشة قصمت ظهر أمة هشة! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©