الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتخابات ليبيا: أجواء الفرح والأسئلة الكبرى!

انتخابات ليبيا: أجواء الفرح والأسئلة الكبرى!
9 يوليو 2012
توجـه الليبيـون أول من أمـس لصناديق الاقتراع للمشاركة في أول انتخابات حرة تجري في ليبيا منذ عدة عقود. وتحدثت التقارير الواردة من المقار الانتخابية عن أجواء فرحة وفخر في الأغلب الأعم، لكنها لا تخلو أيضاً من روايات عن عنف الميليشيات المستمر الذي يعاني منه هذا البلد الشمال أفريقي منذ الانتفاضة الناجحة التي أطاحت بنظام حكم القذافي العام الماضي. وتفيد الأنباء التي نقلتها وكالة "رويتزر" أن المتظاهرين قد قاموا باقتحام عدد من مراكز الاقتراع في مدينة بنغازي التي اندلعت منها شرارة الانتفاضة ضد حكم الطاغية الراحل. وفي ومدينة راس لانوف منعت الميليشيات الناخبين من دخول مراكز الاقتراع، وقال المسؤولون الليبيون إن 94 في المئة من مراكز الاقتراع في ليبيا قد ظلت مفتوحة وهادئة على الرغم من تلك الحوادث. ويذكر أن آخر انتخابات عامة على المستوى الوطني أجريت في ليبيا كانت في عام 1965، وهي انتخابات كانت نتيجتها معروفة سلفاً نظراً لقيام النظام الملكي آنذاك بالحيلولة بين الأحزاب وبين حرية المشاركة فيها، وهو ما دعا النقيب -في ذلك الحين- معمر القذافي، لقيادة انقلاب بعد ذلك التاريخ بأربعة أعوام على الملك إدريس السنوسي وإلغاء الملكية. وجيوب الاضطرابات المعزولة التي شابت المشهد الانتخابي الذي كان يمكن أن يكون مشرقاً من دونها، تذكر بما ما ظل يتوجّب على ليبيا عمله، وبأن هذه الانتخابات هي أول اختبار عملي يواجه البلاد على طريق عملية صعبـة وطويلـة، وليست هدفـاً في حـد ذاتـه. وليس المقصود بهذا الكلام إفساد البهجة، ولكن سيكون من الغباء المطبق أن نتناسى دروساً من التاريخ سرعان ما اختفت فيها الانتخابات الحرة، لتحل محلها أحزان عامة، وخاسرون غاضبون ومسلحون. وباعتباري من المراسلين الذين قاموا بتغطية الصراع في العراق من عام 2003 وحتى عام 2008 فإن أول انطباع يتولد لديّ عند رؤيتي للناخبين المبتسمين الذين يلوحون بسبابتهم الملونة بالحبر الانتخابي، هو نوع من التوجس. وليس معنى ذلك أنني أعارض الانتخابات والديمقراطية- بل أنا أبعد ما أكون عن ذلك- لكني أومن إيماناً جازماً بأن الانتخابات نفسها أو الآلية الانتخابية لا تعني سوى أقل القليل، كما أنها لا تمثل ضمانة ضد الرعب والفوضى اللذين يمكن أن ينفجرا في المستقبل القريب. ففي الحالة العراقية جاءت أول انتخابات حرة في تاريخ هذا البلد عندما كان قد بدأ ينزلق في هوة حرب أهلية طاحنة أدت إلى تغيير الأوضاع الديموغرافية، وتركت مئات الآلاف من العراقيين صرعى في أعقابها. وعلى الرغم من نجاح الانتخابات فإن الوضع لم يتحسن كثيراً بعدها، حيث استمرت الاختلالات الديموغرافية بعدها أيضاً، وهو ما يتبدى من هجرة الطائفة المسيحية التي كانت تمثل جزءاً أصيلاً من مكونات الشعب العراقي حيث لم يتبق منها سوى شريحة صغيرة فقط مما كانت عليه، كما لم تؤد تلك الانتخابات لتعزيز الديمقراطية في العراق، حيث نرى الآن أن حكومة نوري المالكي تتجه بشكل حثيث نحو التشكل في قالب ديكتاتوري. ولا شك أن الأوضاع في العراق عندما ذهب شعبه إلى الانتخابات لأول مرة، كانت أسوأ كثيراً مما هي عليه في ليبيا في الوقت الراهن. ففي ذلك الحين كان العراقيون قد دخلوا في حرب مفتوحة ضد بعضهم بعضاً، ونشطت فرق الموت الشيعية، بينما كان لتنظيم "القاعدة" أصابعه الطويلة، فانتشرت حالة من الرعب لدرجة أن الكثير من المرشحين أخفوا أسماءهم عن الناخبين حتى قبل الانتخابات بأيام قليلة. ويمكن القول أيضاً إن المجتمع في ليبيا أكثر تجانساً دينياً وثقافياً ومذهبياً من مثيله في العراق، وهو ما يجعل من تحقق الاستقرار فيها على المدى القصير أمراً أكثر ترجيحاً. لكن رغم ذلك فإن الشيء الباعث على القلق في ليبيا هو ذلك الانشقاق القائم بين نصفها الشرقي وبين الغرب الذي يعتبر مقراً للميليشيات الليبية المسلحة التي ترفض حتى الآن التنازل عن سيطرتها على المناطق التي تعمل فيها، علاوة على أن ليبيا تواجه التحدي الخاص بإعادة بناء نفسها من نقطة الصفر تقريباً بعد أن قوّض القذافي معظم مؤسسات البلاد خلال فترة حكمة التي طالت لأربعين عاماً. وبناء مؤسسة قضائية ومنظومة خدمة مدنية قادرة على التحرر من إرث المحسوبية والفساد المتخلف عن نظام القذافي سوف يكون مهمة شاقة للغاية، وسيؤدي الفشل فيها إلى إطالة أمد الفوضى الضاربة أطنابها في البلد حالياً. كذلك فإن معالجة تداعيات الانشقاق بين الشرق والغرب سيكون أمراً صعباً، خصوصاً إذا ما عرفنا أن هذا الانشقاق ليس حديثاً، لأن المناطق التي يطلق عليها ليبيا في الوقت الراهن قد شهدت توترات بين الشرق والغرب عبر تاريخ طويل يمتد لـ 2000 عام. الخطوة الأولى لإزالة شك سكان شرق ليبيا وتوجسهم من رغبة سكان الغرب في الاستيلاء على السلطة، تتمثل في كتابة دستور. ومن المعروف أن صلاحية كتابة الدستور قد منحت للجنة متخصصة تتكون من ستين عضواً سوف يتم اختيار أعضائها في وقت لم يحدد بعد. ولا ريب أن الطريقة التي سيتم بها اختيار أعضاء اللجنة والطريقة التي سيصيغون بها الدستور، سوف تكون في غاية الأهمية بالنسبة لقدرة ليبيا على الخروج من حالة الفوضى التي تعاني منها في الوقت الراهن.ويلعب المال دوراً محورياً كذلك، خصوصاً إذا ما عرفنا أن معظم بترول ليبيا يتم استخراجه من المناطق الشرقية. وإلى ذلك فإن الدور الذي سيلعبه الإسلام في منظومة الحكم الجديدة يمثل نقطة من النقاط الملتهبة التي قد يختلف الليبيون حولها، خصوصاً على ضوء التقارير التي تفيد بأن الإسلاميين كانوا قد أعدوا العدة جيداً لخوض حملة قوية لتحقيق مكاسب انتخابية مثل نظرائهم في البلاد العربية التي شهدت انتفاضات خلال العام ونصف العام الماضي. إن ليبيا اليوم تمر بلحظة عظيمة في تاريخها، لكن رغم ذلك علينا ألا نأبه كثيراً لأي تقارير تشير إلى أن البلد يقترب بأي شكل من الأشكال من خط نهاية السباق نحو الاستقرار. وفي الكلمة المتفائلة التي وجهتها "سوزان رايس"، سفيرة الولايات المتحدة في المنظمة الأممية بمناسبة الانتخابات الليبية منذ أيام، قالت رايس: "في يوم الانتخابات سوف تتمكنون، أمهات ليبيا وآباءها وأبناءها وبناتها، من الدخول بكل فخر لمراكز الاقتراع لتقرير مصيركم بأنفسكم". وأضافت رايس التي تمت إذاعة كلماتها في شريط تلفزيوني على خلفية صور تظهر ليبيين مبتهجين يلوحون بأعلام بلادهم، "إني أرجو كل واحد منكم... كل مواطن مسجل في السجلات الانتخابية، أن يدلي بصوته كما تفعلون أنتن أيتها النساء الليبيات اللائي وقفن جنباً لجنب رجالكن في الثورة واللائي ستتمكن من التصويت من أجل حكومتكن، على قدم المساواة مع الرجال". ربما يكون الأمر كذلك بالفعل، وربما تجد النساء الليبيات أن دورهن قد تم الحد منه في البرلمان الجديد الذي قد يكون محتشداً بالإسلاميين، كما هو متوقع. على أي حـال من المبكر للغاية التنبؤ بما سيحدث على وجه التحديد. دان ميرفي محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©