السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فطرة الإنسان لا تميل للشر والبيئة تخلط الحق بالباطل

14 يوليو 2011 19:28
الكمال الخلقي أمر فطري متأصل في الإنسان، فليست الفطرة الإنسانية ميالة إلى الشر، لأن الله سبحانه خلقها خيرة في جوهرها، إلا أن الإنسان منذ أن يولد يجد نفسه في بيئة اجتماعية معينة، وهذا يجعله يستوعب منذ الخطوات الأولى قيم البيئة الاجتماعية وأعرافها وتقاليدها، فيصبح يتصرف من خلال عقلية المجتمع وقوانينه، فيختلط الخير بالشر والحق بالباطل، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ (البخاري)، وهنا يتدخل الشرع لضبط سلوكيات الناس وإشاعة الخير في المجتمع، ووضع حد لطغيان الشر، فالشرع يحمي المجتمع من اللاتوازن ويحقق الاعتدال والتوسط في الأخلاق. لهذه الأهمية التي تحظى بها الأخلاق اعتبرت جوهر الإسلام وروحه، بل غاية البعثة النبوية القصوى، حيث قال صلى الله عليه وسلم: بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ(الموطأ) ، وبين صلى الله عليه وسلم ما في محاسن الخلق من أجر وثواب بقوله: مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ (أبو داود)، وقال أيضاً: إِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ (الترمذي )، بل يفوق العابد بأخلاقه، يقول عليه السلام: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الآخِرَةِ، وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ، وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَجَةٍ فِي جَهَنَّمَ (الطبراني). لهذا كللت العبادات بالأخلاق، فما من عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى إلا وهي مصحوبة بحسن الخلق، وزينت بها المعاملات، فما من معاملة بين الناس إلا وقد جاء فيها الحث على حسن الخلق. فالقرآن الكريم وهو مصدر الأخلاق الإسلامية الأول، جمع مكارم الأخلاق خير جمع، ونظمها خير تنظيم، والتطبيق العملي للأخلاق الإسلامية أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، فسار به خير سير وقام به خير قيام، فقد كان خلقه القرآن، بل كان قرآناً يمشي على الأرض، فالفضائل والآداب العامة قد بلغت ذروة كمالها وأوج مكارمها في الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو ينبوعها وملاك محاسنها، حتى أن الله تعالى أثنى عليه عندما قال في حقه صلى الله عليه وسلم: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ” (القلم : 4)، لذلك حثنا الله سبحانه على الاقتداء به وحذو حذوه في كريم خلاله ومحاسن الآداب فقال سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب: 21) كي يبقى صلى الله عليه وسلم النموذج الأكمل والمثل الأعلى لكل مسلم في كل ما يأتي به ويذر من أقوال وأفعال، سالكاً مسلك الاعتدال والتوسط، بعيداً عن الإفراط والتفريط. قال أنس رضي الله عنه: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَا غُلَامٌ لَيْسَ كُلُّ أَمْرِي كَمَا يَشْتَهِي صَاحِبِي أَنْ أَكُونَ عَلَيْهِ مَا قَالَ لِي فِيهَا أُفٍّ قَطُّ وَمَا قَالَ لِي لِمَ فَعَلْتَ هَذَا أَوْ أَلَّا فَعَلْتَ هَذَا» (أبو داود). منابع الأخلاق في الإسلام تتميز الأخلاق في الإسلام بالتوسط والاعتدال، لحماية المجتمع من اللاتوازن ، فلا غلو فيها ولا تقصير، جاءت متماهية مع طبيعة الإنسان وفطرته السوية، والأخلاق السوية هي التي تنبع من فطرة الإنسان السوية والدين القيم الذي وضع من الأحكام ما يكفل بها الأخلاق ويصونها. الفطرة السوية إن الله سبحانه فطر الناس على حب الفضائل، وغرس في فطرتهم أصول الأخلاق السامية وحبب إليهم العمل بها، فإذا انحرفت الفطرة وخرجت عن سمتها بموجب البيئة الاجتماعية والمؤثرات الخارجية كان من فضل الله على عباده أن جعل الأخلاق على ألسنة رسله فذموا الرذائل وقبحوها، ومدحوا الفضائل وحسنوها، ولم يتركها خاضعة لرغبات الناس وتصوراتهم،التي قد تخطئ وتضل وتنحرف عن منهج الاستقامة ويحدث الغلو والجفاء، بل ارتقى بها سبحانه إلى أعلى الدرجات وأسماها أن نسبها إلى نفسه، في صفاته الكاملة وأسمائه الحسنى ليكون النموذج الأمثل لكل مسلم في أخلاقه، وبذلك يتوافق الدين مع الفطرة السوية والطبع السليم ليحقق للإنسان توازنه واعتداله وسعادته في الدنيا والآخرة. الديـن إن منبع الأخلاق الإسلامية عامة هو الدين، والدين منبع الاعتدال والتوسط في أمور الحياة، والتدين الحق يورث الأخلاق القويمة المتوازنة وهي الثمرة الحقيقية للعقيدة والعبادة، إذ الإيمان القوي يولد الخلق القوي حتماً، وإن انهيار الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا (أبو داود). والعبادات التي شرعت في الإسلام ليست طقوساً غامضة وحركات لا معنى لها، بل هي منهج متكامل في تأصيل الخلق القويم في المسلم، فالصلاة التي هي عماد الدين قال فيها الله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنكبوت: 45) ، وجاء في الحديث القدسي: “إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل على خلقي ولم يبت مصراً على معصيتي وقطع النهار في ذكري ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب ذلك نوره كنور الشمس أكلؤه بعزتي وأستحفظه ملائكتي أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة”. والزكاة ليست ضريبة خاوية من كل معنى، بل جعلها الله وسيلة لتوطيد أواصر الألفة والتعاون والتضامن والتكافل الاجتماعي، قال تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (المعارج: 24)، من أجل ذلك تجاوزت الصدقة في الإسلام المفهوم المادي لتشمل كل وجوه البر والخير، قال صلى الله عليه وسلم: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ (البخاري). والصيام كذلك شرع ليكون سبيلاً لتحقيق استقامة الفرد فقال عليه السلام: « ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث» (المستدرك). كذلك فريضة الحج جعلها الإسلام رحلة إيمانية من أجل التغيير الاجتماعي والارتقاء الأخلاقي والسمو الروحي قال تعالى: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ”( البقرة: 197). وهكذا تكون العبادات منهجاً متكاملاً لتأصيل القيم الأخلاقية في المجتمع المسلم ، وإن لم تتماثل في المسلم تلكم المقاصد، فهي مجرد طقوس جوفاء لا يرضاها الإسلام ولا يقبلها. لهذا السبب كانت الأخلاق في الإسلام موصوفة بصفتين رئيسيتين: الأولى: الشمولية: فالأخلاق في الإسلام رسمت للإنسان منهجاً متكاملاً شاملاً متناسقاً مع طبيعته، لم تدع جانباً من جوانب الحياة إلا ورسمت له المنهج الأمثل للسلوك الرفيع، فشملت علاقته بربه وعلاقته بذاته وعلاقته بمحيطه. الثانية: الواقعية: تراعي الطاقة المتوسطة للإنسان وتعترف بإمكاناته ورغباته فتقيم توازناً بينهما، وتدفع عنهما الغلو والجفاء، وتحمله على اعتدال أخلاقه وتوسطه فيها بين طرفي الإفراط والتفريط. د.سالم بن نصيرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©