لم يكن ''كريم'' ابن الثماني سنوات يعلم حينما مزّقت تلك الآلة البحرية ''جت سكي'' جسده الصغير في تركيا حيث كان يقضي إجازة صيفية مع عائلته، أن وجعه وحزن والدته وذلك الفراق الطويل بينهما سوف يتحول إلى فرح عارم يلتمع في عيون صغيرة مثقلة بالوجع··· وأن تلك الذكرى المؤلمة على قلب والدته ستتحول الى دعاء جميل تحوم من خلالها ملائكته الصغيرة حول أسرة صغيرة ومتعبة، وأن عبارة ''اطلب وتمنّى يا كريم'' التي رددتها له مراراً والدته ديالا ستتحول إلى لازمة وعنواناً لجمعية جاءت لتحقق الحلم وتمسح دمعة طفل مريض وتقول له ''اطلب وتمنى'' حين لم يبق له إلا أن يتمنى··· لكن ما هي حكاية كريم؟ وما هي حكاية جمعية ''تمنى''، هنا تفاصيل الحكاية:
بيروت - ريميال نعمة:
جمعية ''تمنى'' التي أسستها والدة كريم السيدة ديالا الريس مع عدد من صديقاتها بعد 3 شهور فقط على رحيل كريم، أخذت على نفسها عهداً ومنذ سبعة أشهر حتى اليوم بزرع البسمة على وجوه غابت عنها منذ زمن· وقد فعلت، حيث رسمت البسمة على شفاه اكثر من 30 طفلاً من خلال تحقيق أحلامهم الصغيرة حتى ولو كانت على شكل لعبة أو رحلة او لقاء شخصية مشهورة·
الحكاية من أولها
بدأت الحكاية مع السيدة ديالا الريس الأم المفجوعة بصغيرها بالتفاف بعض أصدقائها من حولها ليكبر الحلم وتكبر المساعدات، تقول ديالا الريس: ''بعد رحيل كريم، شعرت بحزن وغضب شديدين، وبأن لديَّ طاقة كبيرة يمكنها أن تحرك الجبال، فإما أن أوظفها سلباً بالانكفاء والعزلة والانطواء على نفسي، أو إيجاباً بالقيام بعمل ما يشبه كريم ويجعله سعيداً دائماً·
ولدت فكرة ''تمنى'' حين جلسنا أنا وأختي رنا وأصدقائي نحاول البحث عن فكرة تشعرنا دوماً أن كريم لا يزال معنا··· وهكذا قررنا ان نحقق أحلام وأمنيات الأطفال المصابين إما بالسرطان او حتى بأمراض مزمنة قد يستغرق علاجها طويلاً مما يتعبهم ويجعلهم يفقدون الرغبة بالحياة· وتحديداً تلك الامراض التي تمنعهم من التواصل مع اصدقائهم، ومن ممارسة حياتهم الطبيعية، ما يساعدهم على استكمال العلاج بسعادة واندفاع أكبر ويؤثر في مدى تجاوبهم مع العلاج·
سبحة الأحلام
أكثر من 61 حلماً لثلاثين طفلاً مصاباً بمرض خبيث او مزمن حققتها جمعية ''تمنى'' بعد جولة كبيرة في المستشفيات ومراكز العلاج قام بها أعضاء الجمعية لتدوين أسماء الاطفال المرضى واحلامهم، وعن هذا تقول السيدة نادين عكاوي إحدى العضوات: ''كان أول حلم حققناه لصبي لم يبلغ الخامسة من عمره، بعد أن عرفنا ولعه بسيارات ''البورش الحمراء'' وحلمه باقتناء واحدة· حيث وجد عند خروجه لاستكمال علاجه في المنزل سيارة ''بورش حمراء اللون'' أي ''سيارة أحلامه'' التي طالما حلم بالركوب فيها، تنتظره على مدخل المستشفى تماماً كما تمنى· وأخذناه في جولة طويلة، ووضعنا له الموسيقى التي يحبها، وأوصلناه الى المنزل حيث كانت هناك أيضاً سيارة حمراء جميلة على مقاسه· أذكر أنه كاد يطير من الفرح وكان سعيداً جداً·
وكرَّت سبحة الأحلام - تتابع نادين - لنحقق حلم أحد الأطفال المرضى بقيادة طائرة حقيقية، وذلك بمساعدة الصديق هيثم قزي الذي يملك طائرة صغيرة، فقد أخذه في جولة وأجلسه في مقصورة القيادة وجعله يقود الطائرة بنفسه وحلقا معاً لمدة ساعة· لا استطيع وصف بريق عينيه أو ضحكاته وسعادته بتحقيق حلمه الصغير، أما نور ابنة الثامنة فكان حلمها لقاء الشيخ سعد الحريري، وهو ما حصل فعلاً، إذ التقته في القصر لمدة ساعة تقريباً، وتحدثت معه وقرأت له الشعر، وأذكر أنها بعد خروجها من القصر قالت: ''الآن لم يعد يهمني أي شيء''·
سهل وصعب
وعن نوعية تلك الاحلام الممكن تحقيقها تقول السيدة الريس: ''ثمة أنواع عديدة من الأحلام، بعضها يسهل تحقيقه كاقتناء لعبة ما او الذهاب إلى الثلج أو البحر أو رؤية شخصية مشهورة، من الفنانين أو السياسيين أو الرياضيين لأن الجميع يتجاوب ويتفاعل مع حلم طفل مريض· وهناك أحلام أكثر كلفة مثل أحلام السفر، وغالبيتهم يحلمون بالسفر إلى ''ديزني لاند أو يورو ديزني''، ونحن فعلاً بصدد تنظيم رحلة لعدد من الأطفال المرضى الراغبين بزيارة ''يورو ديزني'' بعد موافقة طبيبهم المشرف على علاجهم· وهناك أيضاً من يحلم باقتناء جهاز كومبيوتر وبالفعل لدينا طلبات كثيرة في هذا الاطار نحاول تلبيتها جميعاً·
وهل هناك احلام من الصعب تحقيقها مثلاً؟
- نعم، فبعض الأطفال قد يطلبون منا شراء بيت أو سيارة لأهلهم، أو حتى مصاريف العلاج، وهذا ما لا نستطيع تلبيته· نحن نهتم فقط بالأحلام الشخصية للطفل ونحاول إسعاده بشكل شخصي أي أن تكون الأمنية نابعة من قلبه الصغير·
أيادٍ بيضاء
ورغم محدودية الإمكانيات تجد لائحة الأحلام الصغيرة من يسعى لتحقيقها من ذوي الأيادي البيضاء والراغبين في عمل الخير من الميسورين، فهناك أشخاص جاهزون دائماً للمساعدة عندما يتعلق الأمر بطفل مريض، وللجمعية موقع على الانترنت يعكس صورة كاملة عن الجمعية التي يعمل أعضاوها الـ (51) حوالي 42 ساعة، وحققوا 16 حلماً ولديهم 021 حلماً آخر على اللائحة ينتظر أن يتحقق·
وهكذا، تبقى جمعية ''تمنى'' نقطة ضوء صغيرة وسط نفق العلاج والمرض المظلم، وتبقى عيون كريم هي المنارة والحافز الأكيد لدى والدته وكل من عرفه وأحبه لتحقيق تلك الاحلام''·
عدد اليوم
