السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهند وباكستان: فُرص التعاون التجاري

11 يوليو 2013 12:52
جيسي كابلان باحث في جامعة يل الأميركية رئيس الوزراء الباكستاني الجديد نواز شريف لا يعاني من نقص التحديات؛ ذلك أنه يواجه اقتصاداً يتهدده خطر الانهيار، وانقطاعات متكررة في التيار الكهربائي تتسبب في غرق مناطق مختلفة من البلاد في ظلام دامس، وتصاعد التوتر الإثني والطائفي، وتهديد الإرهاب الداخلي. غير أن شريف أمامه أيضاً فرصة سياسية واقتصادية مهمة، وعليه أن يغتنمها. فهذا العام، من المرتقب أن تقوم باكستان بتطبيع علاقاتها التجارية مع الهند عبر منح جارتها ومنافستها الاستراتيجية وضعَ الدولة الأكثر تفضيلا من الناحية التجارية. وفي هذا الإطار، يتعين على شريف أن يذهب أبعد من ذلك ويسعى إلى إقامة اتفاقية تجارة حرة حقيقية بين البلدين تشبه اتفاقية التجارة الحرة التي تجمع بين بلدان أميركا الشمالية. غير أن العداء الطويل الذي يطبع العلاقات الهندية الباكستانية جعل جنوب آسيا واحدةً من أقل المناطق اندماجاً في العالم. وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن البلدين الجارين خاضا أربع حروب منذ أن تأسسا على إثر تقسيم «الهند البريطانية» عام 1947. ونتيجة لذلك، تشكل التجارة الإقليمية في جنوب آسيا 5 في المئة فقط من التجارة الإجمالية للمنطقة، وهي نسبة أصغر حتى بالمقارنة مع الـ10 في المئة من التجارة الإقليمية في أفريقيا، ناهيك عن نسبة الـ53 في المئة المسجلة في شرق آسيا. وقد فشلت المنظمات الإقليمية الموجودة، مثل «رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي»، في الدفع نحو أكثر من مجرد اندماج شكلي وصوري. والواقع أن الحدود الباكستانية الهندية يبلغ طولها 1800 ميل (ما يعادل نحو 2900 كيلومتر)، غير أن التجارة تتدفق عبر معبر رسمي واحد فقط. وعلاوة على ذلك، فإن الإجراءات الجمركية المعقّدة، وأنظمة التأشيرة الصعبة، والقيود على الاستثمارات الأجنبية... كلها عوامل تساهم في جعل التجارة بين الجارين صعبةً في أحسن الأحوال. ويعتبر بعض المحللين أن التخلص من هذه العراقيل يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع حجم التجارة البينية إلى 40 مليار دولار في السنة، مقارنة مع أقل من ثلاثة مليارات دولار العام الماضي. والشيء المؤكد أن التجارة ليست علاجاً لضعف التنمية وتفشي الفقر، إلا أنها تساعد على تغذية النمو في بلدين يعيق عدمُ انفتاحهما على أحدهما الآخر تطورَهما الاقتصادي. وهكذا، فمن شأن اتفاقية تجارة حرة أن تؤدي إلى زيادة الاستثمارات والسياحة بالنسبة للبلدين، وخفض الأسعار بالنسبة للمستهلكين، وزيادة العائدات بالنسبة للشركات، ومجموعة متنوعة وأكثر ابتكاراً من الممونين بالنسبة لشعبي الدولتين. وعلاوة على ذلك، ومثلما حذّر «مجلس الاستخبارات الوطنية» الأميركي، فإن تحسن التجارة بين البلدين قد يشكل الطريقةَ الوحيدةَ للحفاظ على السلام في منطقة جنوب آسيا، والتي تُعتبر مصدر قلق حقيقي بالنظر إلى الترسانة النووية التي يمتلكها البلدان. وإضافة إلى ذلك، فربما لن يكون هناك توقيت أفضل من التوقيت الحالي بالنسبة لباكستان والهند، وذلك بالنظر إلى أن شريف يحظى اليوم بدعم شعبي واسع لم يسبق تقريباً لزعيم مدني باكستاني أن تمتع به. كما أنه يفتقر إلى منافسين أقوياء. ونتيجة للأداء القوي الذي حققه خلال الانتخابات الأخيرة، في شهر مايو الماضي، فإنه ليس في حاجة لتشكيل ائتلاف حتى يحكم. أما نظيره الهندي مانموهان سينج، فقد رأى ولايته الطويلة تتأثر سلباً بالفضائح والشركاء المشاكسين في الائتلاف الحكومي. كما أن حزبه، «حزب المؤتمر الوطني الهندي»، في حاجة ماسة إلى تحقيق نجاحات اقتصادية من أجل زيادة حماس الناخبين قبل الانتخابات العامة المرتقبة في العام المقبل. والجمهور الهندي يشعر اليوم بالاستياء بسبب مشاكل الأمن الداخلي، وتفشي الجريمة، وضعف النمو الاقتصادي، والأداء الباهت لراحول غاندي، المرشح لخلافة سينج. غير أنه بالنسبة لسينج أيضاً، وعلى غرار شريف، فيمكن القول إن من ِشأن اتفاق تجاري بين البلدين أن يوفر له دفعة سياسية واقتصادية مهمة، وذلك بالنظر إلى أن الشركات ورجال الأعمال الهنود النافذين من المتوقع أن يجنوا فوائد كبيرة من اتفاق تجاري مع 180 مليون مستهلك في بلد مجاور. هذا علماً بأن سينج، الذي ولد في ما يُعرف بباكستان اليوم، اشتهر أصلا بكونه إصلاحياً اقتصادياً، حيث قام بإطلاق عملية تحرير الاقتصاد في الهند حين كان وزيراً للمالية في مطلع التسعينيات. ومما لا شك فيه أن الوصول إلى إبرام اتفاق تجاري بين البلدين لن يكون هدفاً سهل التحقق. ذلك أن الجيش الباكستاني يرتاب في الهند بشكل غريزي، وقد سبق له أن أحبط محاولة لفتح العلاقات بينهما في عام 1999 خلال ولاية شريف السابقة كرئيس للوزراء. وبالمقابل، فإن حلفاء سينج في الائتلاف الحكومي ما زالوا مشاكسين ويثيرون المشاكل. لذلك، سيكون من الضروري تهدئة المجموعتين وتبديد مخاوفهما من أجل السماح لاتفاق تجاري بالمضي قدماً. كما سيتعين على كلا البلدين أن يبقيا على نزاعهما الترابي حول كشمير جانباً باعتباره موضوعاً منفصلا. غير أنه ليس ثمة شيء سهل في جنوب آسيا، ولعل هذه الفرصة هي أفضل الفرص، وعلى شريف وسينج أن يغتنماها دون تردد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©