الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا.. خلفيات ثقافية للمشاكل الاقتصادية

24 ديسمبر 2016 22:40
من بين المواضيع التي تستأثر باهتمام كبير هذه الأيام، قضية التنمية الاقتصادية الإقليمية في الولايات المتحدة. ويكمن سبب هذا الاهتمام في أن انتصار دونالد ترامب لفت الانتباه إلى المناطق التي تعاني حالة تخلّف اقتصادي مثل ولايات جبال الآبالاش والغرب الأوسط. وكان نوح سميث، كاتب العمود في موقع «بلومبيرغ فيو»، قد عمد مؤخراً إلى وضع بعض الاقتراحات الاقتصادية الموجزة في هذا الصدد. وإذا كنت أوافقه الرأي حول معظم ما أتى به من اقتراحات (وليس حولها كلها)، إلا أنني سأتناول مجموعة من البدائل والرؤى الموجهة الأكثر التزاماً بالأبعاد الثقافية. والحقيقة الأولى التي تستحق الاهتمام فيما يتعلق بالجدل الدائر حول الوضعية الاقتصادية لتلك المناطق، هي عدم توافر معلومات إحصاء وبحثية جديدة حولها باستثناء فوزها بالعنوان العريض الذي يقصر وصفها بأنها كانت مؤيدة لانتخاب دونالد ترامب. وهذا يعني أننا نغض الطرف عن سؤالين ضبابيين: كيف يمكننا أن نساعد تلك المناطق؟ وكيف يمكننا تغيير أنماطها الانتخابية؟. ونحن نعلم جيداً أن الميسيسيبي ولويزيانا هما من أكثر الولايات فقراً في الولايات المتحدة، ولم تستحوذا على الاهتمام الكافي من الحكومة بالمقارنة مع الولايات الأخرى خلال السنوات الأخيرة (حكم الديمقراطيين). وربما يعود سبب ذلك لأنهما تصوتان عادةً لصالح الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية. وتكمن الحقيقة المهمة الأخرى في أن الفروق في معدلات الفقر في هذه الولايات متقاربة على الرغم من تنوع توجهاتها الانتخابية. ولهذا السبب، يمكننا القول إن سبب التفاوت الاقتصادي بينها يمكن أن يكون ثقافياً بامتياز. ويلعب الانتشار الواسع لتعاطي الكحول والمخدرات دوراً سلبياً كبيراً في تخلّف بعض الولايات. ويمكننا أن نستشهد بالوقائع القائمة بالفعل حول هذه الظاهرة، حيث نشر مصدر مطلع في ولاية غرب فرجينيا تقريراً جاء فيه: «خلال السنوات الست الماضية، أمطر تجّار الجملة بالمخدرات الولاية بأكثر من 780 كبسولة من مادتي هيدروكودون وأوكسيكودون المخدرتين، وتم تسجيل 1728 حالة إصابة بجرعات قاتلة من هاتين المادتين في الولاية». وهذا يعني بالحساب أن متوسط نصيب الفرد الواحد من هذه الكبسولات القاتلة (رجلاً كان أم امرأة أو طفلاً)، بلغ 433 كبسولة خلال تلك الفترة». ولقد بقيت معظم المناطق الأكثر فقراً في الولايات المتحدة بما فيها ولاية غرب فرجينيا خلال تاريخها الطويل، تفتقر لمثل هذه الإحصائيات المقارنة حول مشكلة الإدمان على المخدرات. وسأطرح هنا فكرتين ترتبطان بالعمل على تغيير السلوكيات بدلاً من الاعتماد على السياسات المخططة. تكمن الأولى بضرورة الاحتكام إلى الشرائع الدينية، خاصة منها الأديان ذات التعاليم الصارمة فيما يتعلق باستخدام وتعاطي المواد المختلفة بعد أن ثبت بالدليل القاطع أن تلك التعاليم يمكن أن تكون أكثر تأثيراً على المجتمع مما نظن. وبالرغم من أنني لست إنساناً متديّناً، ولكنني لمست في نفسي رغبة لأن أرى انتشار التعاليم الدينية في مناطق أوسع من الولايات المتحدة. ولا شك في أن اختفاء ظاهرة إدمان الكحول والمخدرات، وانخفاض معدلات الطلاق، هي شروط ضرورية للتخفيف من حدة المشاكل الاقتصادية التي تعانيها المناطق الفقيرة. ففي ولاية «يوتا» مثلاً، ذات النسبة الأعلى من السكان الملتزمين بالتعاليم المسيحية المورمونية، تكون المشاكل المتعلقة بإدمان الكحول والمخدرات والتفكك العائلي أقل انتشاراً بكثير مما هي في الولايات الأخرى. ويتضح ذلك من خلال الإحصائيات التي تشير إلى أن «يوتا» طبقة متوسطة كبيرة العدد. ويكون من الواضح أيضاً أن الدين لعب دوره في زيادة المدخول الفردي في تلك الولاية. وأنا أعتقد أن المشاكل ذات الأبعاد الثقافية تتطلب حلولاً ثقافية. وهذا يعني أنه يتوجب علينا نحن المثقفين والمعلقين أن نتحلى بإيجابية أكثر في نظرتنا إلى الدين. وتتعلق توصية أخرى بالطريقة التي سنتناول بها المشاكل التي تعاني منها المناطق المتعثرة في الولايات المتحدة. وأنا، كأستاذ جامعي، لست أرى سوءاً في أن أحاضر بقية الناس أو أخبرهم بما يجب أن يفعلوه، أو كيف يجب أن يفكروا، خاصة بعد أن لمست عدم رغبة طرفي الجدل في قبول الأطر البديلة أو وجهات النظر المختلفة عندما يتعلق الأمر بمناقشة القضايا الساخنة الأكثر إثارة للاستقطاب في سياسات الولايات المتحدة مثل التمييز العنصري والإجهاض والهجرة. والسؤال البسيط هو: عندما نستيقظ في الصباح وتبدأ التفكير في الطريقة التي ستقضي بها يومك، هل يمكنك أن تتقبل بالفعل بأن يكون من يعارضونك الرأي (مهما كانت مشاربهم وانتماءاتهم) على صواب وأنت على خطأ؟. لو كان الأمر كذلك، فسوف يثبت الحوار الثقافي في أميركا أنه أكثر غنى وانطواء على الفائدة بالنسبة لنا جميعاً. أستاذ الاقتصاد في جامعة «جورج ميسون» - فرجينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©