الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا البيضاء... أزمات السياسة والاقتصاد

12 يوليو 2011 23:12
رغم أن معظم اهتمام العالم، قد تركز خلال الشهور الأخيرة على منطقة الشرق الأوسط المتقلبة، فإن احتجاجات المواطنين ضد الطغاة انتشرت إلى أجزاء أخرى من العالم ومنها على سبيل المثال لا الحصر جمهورية روسيا البيضاء التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي في السابق، ويحكمها في الوقت الراهن رجل تطلق عليه وسائل الإعلام "ديكتاتور أوروبا الأخير". إنه رئيس روسيا البيضاء القوي اليكسندر لوكاشينكو الذي يتعرض في الوقت الراهن لضغط محلي ودولي كبير ومتزايد، بسبب سجله في حقوق الإنسان، ومسؤوليته عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب بلاده وتعتبر أسوأ أزمة اقتصادية تتعرض لها، منذ استقلت عن الاتحاد السوفييتي قبل عشرين عاماً على وجه التقريب. وشعب روسيا البيضاء يرسل الكثير من الإشارات التي تفيد بان الكيل قد طفح به وأنه لم يعد قادراً على التحمل. لذلك فإنه، وفي الوقت الذي يسعى فيه الجميع إلى التسريع بإضعاف النظام الحالي، فإن المجتمع المدني في روسيا البيضاء، والمواطنين العاديين وقوى المعارضة فيها، بالإضافة للحكومات الأوروبية والأميركية، يجب أن يعملوا جميعا -وفي نفس الوقت- على الإعداد لروسيا البيضاء فيما بعد لوكاشينكو. ومن سياسات لوكاشينكو مثلا أنه قام برفع متوسط الرواتب بمقدار الثلث العام الماضي قبل الانتخابات، دون أن تتوافر لديه مصادر التمويل الكافية في الميزانية، متسببا في تخريب كبير للاقتصاد، حيث أدت تلك الزيادة إلى مضاعفة أعداد العاطلين في البلاد، وارتفاع التضخم لدرجة خطيرة، وانخفاض احتياطي البلاد من العملة الأجنبية، وانخفاض قيمة العملة المحلية... وكلها مشكلات كانت سبباً في خروج أعداد كبيرة من مواطني روسيا البيضاء إلى الشوارع للاحتجاج عليها. لكن رد الفعل العنيف من جانب النظام على تلك الاحتجاجات، لم ينجح في إيقافها، بل أدى إلى نتائج عكسية. فعندما خرج عشرات الآلاف من المواطنين احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي وصفوها بالمزورة، في التاسع عشر من ديسمبر الماضي، تصدت لهم قوات الأمن وقامت بضربهم بوحشية، واعتقلت المئات منهم وزجت بهم في غياهب السجون، وكان من بين المسجونين عدد من السياسيين المرشحين للرئاسة. ولم تفلح تلك الإجراءات القمعية في إسكات صوت المحتجين الذين تواصلت تظاهراتهم منذ ذلك الحين على نحو منتظم. ومنذ فترة قريبة، وفي العاصمة"مينسك" ومدن أخرى غيرها تقع في مختلف أنحاء البلاد، خرج آلاف المواطنين إلى الشوارع، وظلوا جميعاً يصفقون في وقت واحد وبالإيقاع نفسه. ورغم أن وسيلتهم في التعبير عن الاحتجاج كانت سلمية للغاية، إلا أن قوات الأمن استمرت في اتباع أساليبها في التعامل مع الاحتجاجات، حيث اعتقلت ما يقرب من 700 شخص أثناء الانتخابات كما قبضت على 1800 شخص خلال احتجاجات الشوارع التي وقعت في العاصمة وفي المدن الأخرى الشهر الماضي. ورغم وحشية تلك الإجراءات، فإنها لم تنجح في ردع المحتجين. وكانت نتيجة ذلك كله هبوط شعبية لوكاشينكو، ونسبة تأييده لحد كبير حيث انخفضت إلى ما دون 30 في المـئة في الآونة الأخيرة حسب استطلاعات الرأي العديدة التي أجريت في هذا البلد، وذلك للمرة الأولى منذ توليه السلطة عام 1994. وقد أثارت إجراءات قوات الأمن في روسيا البيضاء ردود فعل من جانب الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، حيث قاما بفرض حظر على التأشيرات وتجميد أصول كبار المسؤولين عن "التزوير" الانتخابي، وعن أعمال العنف التي صاحبتها. كما فرضا عقوبات اقتصادية بسبب الاستمرار في انتهاكات حقوق الإنسان هناك. وأوضح مسؤولو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن الطرفين لن يساندا أي طلب تتقدم به روسيا البيضاء للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، وهي القروض التي يحتاجها اقتصاد البلاد الذي يمر حالياً بحالة من السقوط الحر، بصورة ماسة. ومن المعروف أن لوكاشينكو، ونتيجة لهذه الظروف الاقتصادية السيئة، بات يعلق كافة آماله على صفقة إنقاذ من صندوق النقد الدولي شبيهة بصفقات الإنقاذ التي قدمها الصندوق لعدد من الدول التي تعاني مشكلات مالية طاحنة كاليونان مثلا. وقد ازدادت هذه الآمال عقب الزيارة التي قام بها مسؤولون من الصندوق إلى روسيا البيضاء الشهر الماضي. أما روسيا الاتحادية فعملت من جانبها على التنغيص على لوكاشينكو وجعل الحكم صعباً بالنسبة له، حيث قطعت إمدادات الكهرباء، كما تراجعت عن المشاركة في حزم الإنقاذ التي يحتاجها اقتصاد روسيا البيضاء بصورة ماسة. ويلزم التنويه هنا إلى أن روسيا والغرب يتحركان انطلاقا من عوامل مختلفة: فالغرب يتحرك بدافع نفوره من سجل لوكاشينكو في انتهاك حقوق الإنسان.. أما روسيا فتتحرك بسبب رغبتها في الحصول على أصول قيّمة من روسيا البيضاء على يدي لوكاشينكو الضعيف. والنتيجة أن لوكاشينكو بات حبيسا بين فكي كماشة يضيقان تدريجيا من حوله . والغرب وحده هو من يستطيع أن يوفر للوكاشينكو مخرجاً من هذا الوضع شريطة أن يفرج بدون قيد ولا شرط عن جميع المعتقلين السياسيين الذين تعج بهم سجونه. ديفيد جيه. كرامر وويس ميتشيلي كاتبان أميركيان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©