دور العبادة وتعظيم المشتركات بين الناس

محمود الريماوي* الجواب المباشر عن السؤال المثار: نعم أوافق على أن تكون دور العبادة أمكنة للعبادة في المقام الأول، وإلا فيم تسميتها بدور عبادة؟. نشهد في عالمنا العربي والإسلامي منذ سنوات توترات سياسية واجتماعية عالية، تعود في بعض أسبابها للخلط المتعمد بين السياسة والدين، لتسييس الدين وتديين السياسة، مع ظهور ولاءات لهويات دينية بعينها (طوائف ومذاهب). وإنه لأمر يثير العجب أن ينجح المسلمون في غير بلد بالتعايش والتآخي مع غير المسلمين، ويعجزون في الوقت ذاته عن التعايش والتآخي مع شركائهم في الدين الواحد. لكن التوترات أصبح يضار منها أو يشارك بها أحياناً غير المسلمين. التوترات المشار إليها تعود حقاً، إضافة الى ما تقدم، لأسباب أخرى، منها ظروف اقتصادية ضاغطة، والخلل الشديد في توزيع الثروات، وارتفاع وتيرة العسف والاستبداد، لكن خلط السياسة بالدين لا يُعين على مواجهة تلك الأزمات بل يُفاقِم منها. وهو ما يدركه البعض فيعمدون الى توظيف الشعارات الدينية لأغراض سياسية، أو حتى ابتداع جماعات ترفع راية الدين فيما هي تسعى لتأليب مكونات المجتمع بعضها على بعض، وتمنع التطور السياسي السلمي، وتهدد بنزاعات أهلية. نعلم أن كثيراً من الدول تمنع استغلال أماكن العبادة كمقرات للحملات الانتخابية مثلاً، وهو ما يجد تفهماً وقبولاً لدى جميع الأطراف من المتنافسين، وما دام الأمر كذلك وتِبعاً لهذا المنطق فإن دور العبادة لا يمكن أن تكون مكاناً صالحاً لإثارة سجالات سياسية، فذلك ما يمس قدسية هذه الأماكن ومكانتها الرمزية العالية. ولئن كان من الصحيح أن المساجد استخدمت في الماضي كأماكن للتعليم والخطابة، إلا أن تطور عصرنا ونشوء المؤسسات التعليمية، وكذلك النوادي الثقافية والمنابر الإعلامية والتجمعات السياسية أو شبه السياسية، قد أعاد لدور العبادة وظيفتها الأصيلة كمكان لأداء العبادات في أجواء من التراحم والوقار، فيما تتولى المؤسسات الأخرى الأدوار المنوط بها من تعليم وإعلام وتثقيف وسوى ذلك. يسوق المرء هذا مع استدراك لا بد منه، وهو أن دور العبادة يمكن أن تؤدي دوراً مشهوداً في المنعطفات المصيرية، كما في حال التعرض لغزو أو اعتداء خارجي.. حينها فإن الأنظار تتجه لدور العبادة للمشاركة في التعبئة الوطنية ضد الأعداء، وكذلك في حالة نشوء نزاعات أهلية، حيث يُناط بها التقريب بين الناس وتعظيم المشتركات ما بينهم، لا أن تُستخدم لإثارة مثل هذه النزاعات كما يحدث في بعض مجتمعاتنا العربية. * أديب وكاتب سياسي من الأردن