الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة وسط الكثبان إلى·· دبي

رحلة وسط الكثبان إلى·· دبي
18 فبراير 2009 22:51
أن يكون مقر عملك في مدينة أبوظبي ومقر سكنك في مدينة دبي أو الشارقة·· أو العكس·· لم يعد في هذه الأيام أمراً يثير الدهشة أو حتى الاستغراب، بل يعتبر لدى معظم سكان هذه الدولة أمراً عادياً جداً، فالزمن الذي تستغرقه رحلة الذهاب أو الإياب لا يتجاوز الساعتين لدى أكثر السائقين التزاماً بالسرعة المحددة على تلك الطريق السيارة التي لا يكبح جماح المسرعين فيها إلا أجهزة الرادار المنتشرة بكثافة عليها· اليوم·· لا أجد أنه أمر صعب أو حتى مرهق لو لبيت دعوة صديق على الغذاء في مدينة دبي ثم رجعت إلى مكتبي لاستئناف عملي الذي بدأته في الصباح في أبوظبي، وتركته في الثانية عشرة ظهراً وعدت إليه في الخامسة مساءً· لم يكن الأمر كذلك عندما وصلت إلى أبوظبي في الأول من يناير عام ,·1971 فمنذ اليوم الأول لوصولي بدأت محاولاتي الجادة للقيام برحلة من أبوظبي إلى دبي والإمارات الشمالية·· طلبت هذه الرحلة من صديقي مفيد مرعي فلم يتردد أن يطلب مني الانتظار لستة أشهر أخرى· ؟ مشغول؟ ؟؟ لا·· أنا جاهز للسفر من الغد·· ولكن·· الطريق·· فهمت منه ومن آخرين·· أن الطريق الجديدة تحتاج إلى وقت طويل·· وأن الطريق الحالية ليست إلا طريقاً رملية لا تصلح إلا لسيارات اللاندروفر أو السيارات ذات الدفع الرباعي·· سيارة وجواز سفر ولكنني لم أخضع لإرهاب تلك الحكايات التي كان يرويها لي بعض الذين استنجدت بهم لتوفير هذه الرحلة وتأمين السيارة والسائق على الأقل إن اختاروا عدم القيام بمثل هذه المغامرة·· بل زدت تصميماً على السفر وامتلأت شوقاً إلى رؤية دبي، والتي كانت في ذلك الوقت دولة مجاورة يحتاج من يريد أن يصل إليها أن يتوقف على حدودها ويبرز جواز سفره ليختم المسؤولون عن مراكز المراقبة الحدودية ختم الدخول والخروج على جواز السفر· ولما لم تجد توسلاتي آذاناً صاغية لدى الأصدقاء فكرت باستئجار سيارة لاندروفر مع سائقها وتنفيذ مشروع تلك الرحلة من مدينة وجزيرة أبوظبي إلى مدينة دبي· ولكن أخيراً وقبل لحظات من عقد اتفاق مع السائق والسيارة جاءني الصديق المرحوم أحمد سعيد شعث، والذي كان زميلاً لي في إذاعة صوت فلسطين ثم في إذاعة أبوظبي (وصل قبل تعاقدي مع إذاعة أبوظبي بأشهر قليلة) جاء ليبشرني قائلاً: ؟ أخيراً أقنعنا صديقنا بشار (لا يحضرني اسمه الكامل) بالقيام برحلة دبي وقد وافق بعد إلحاح· كان واضحاً أن المرحوم أحمد سعيد شعث أراد أن أُدرك أن تنفيذ رحلة دبي عمل كبير جداً لا يقل أهمية عن رحلة وصولي إلى أبوظبي للعمل في إذاعتها· سألت ببراءة: ولكن لماذا تكلف بشار وأنت لديك سيارتك· قال بأسلوبه الساخر المعروف: هوهوه·· سيارتي وجميع السيارات الصالون لا تستطيع الوصول لما بعد جسر المقطع بكيلومترات قليلة·· أما رحلة دبي فهي بحاجة إلى سيارة لاندروفر وإلى سائق يعرف الطريق· قلت: أليست الطريق معروفة· قال: كل الطرق تؤدي إلى دبي·· ولكن أي طريق أسلم وأقل وعورة· قلت: أليست الطريق معبدة· قال: هناك مشروع طريق·· ولكن ما زال في البداية·· المهم أن تكون جاهزاً في الخامسة صباحاً إذا شئت أن تصل قبل الظهر بقليل· لا أخفي أن حديث الأخ المرحوم أحمد شعث عن الرحلة والقصص التي رواها عمن ذهبوا ولم يرجعوا بعد أن تاهوا في الصحراء جعلني أشعر بشيء من التوتر وبكثير من الإثارة·· ولكن حياة الإعلامي بلا إثارة مملة ورتيبة·· مؤونة الرحلة في الخامسة صباحاً وفي الظلام الذي لم يكن قد خفّ بعد·· بدأت أول رحلة لي إلى دبي، رفقة أحمد وصديقه بشار· جلست في المقعد الخلفي، حيث وجدت في المقعد المجاور زجاجات الماء وأكياس الطعام والفاكهة التي تكفي لثلاثة أشخاص مدة أربعة أيام على الأقل· قال أحمد: هذا الاستعداد ضروري·· فمن يدري ماذا يحدث· قال بشار وهو يزيد من سرعته على الطريق الصحراوية: اطمئن·· لقد قطعت الطريق من أبوظبي إلى دبي أكثر من خمس مرات·· ودائماً أعود بسلامة بدون مشاكل· فجأة وجدت رأسي يضرب بسقف السيارة·· وانطلقت صرخة حقيقية مني بعد اجتياز حفرة على الطريق لم يستطع بشار تفاديها·· تمسك جيداً·· قالها بشار وهو يخفف السرعة قليلاً· الطريق كانت موازية للساحل·· تمر أحياناً بكثبان رملية وأكثر الأحيان بحفر مغطاة بالرمال·· ولولا آثار العجلات للسيارات التي سبقتنا لما كان هناك أي دليل على وجود طريق· أطل علينا بعد زمن غير قصير سهل أبيض·· تفاءلت خيراً وأنا أرى انبساط الأرض وعدم وجود الكثبان والحفر ولكني كنت مخطئاً بهذا التفاؤل عندما سمعت بشار يقول: هنا أخطر مراحل الطريق·· السبخة·· وهي الأرض التي تصلها مياه البحر أثناء المد العالي ثم تنحسر مخلفة بعضاً من اللون الأبيض للملح المترسب فوقها·· لو غرزنا هنا فلن نستطيع إخراج السيارة أبداً·· ولن تستطيع السيارات الأخرى أن تجرنا·· هذا لو مرت بنا سيارة·· فالسيارات الذاهبة والعائدة لا تمر عادة من نفس النقطة·· فالطرق عديدة ومتشعبة·· وكلها تلتقي في النهاية في دبي أو في أبوظبي·· ولكن لو تبعت بعض الطرق الأخرى التي يطرقها السائقون المواطنون الخبراء·· فقد تجد نفسك في قلب الصحراء·· وهكذا يضيع البعض· كانت سيح الشعيب هي النقطة الحدودية الفاصلة بين إمارة أبوظبي وإمارة دبي·· توقفنا في المركز لنطلع رجال الأمن على جوازات سفرنا·· ونكمل الطريق إلى دبي التي وصلناها في الحادية عشرة ظهراً أي بعد ست ساعات تقريباً تعرضنا فيها إلى التغريز مرتين رغم أن سيارتنا كانت لاندروفر ذات الدفع الرباعي للعجلات· الفرح الذي شعرت به بعد الوصول إلى الطريق المعبدة وإطلالة مدينة دبي كان كبيراً·· لم تؤثر به كلمات أخي المرحوم أحمد شعث الذي قال: لا تفرط في الفرح وتذكر رحلة العودة إلى أبوظبي والتي يجب ألا نتأخر حتى لا يحل علينا الليل قبل الوصول· تجولنا في مدينة دبي·· وتناولنا طعام الغذاء في أحد المطاعم البسيطة·· ثم بعد أقل من عشر دقائق من ترك مدينة دبي قال بشار: هذه الشارقة ثم بعد أقل من خمس دقائق قال: هذه عجمان·· وبعد دقائق أخرى قال: هذه أم القيوين· بالطبع كانت الطريق شبه خالية·· والوصول من إمارة إلى أخرى لا يستغرق إلا دقائق معدودة·· الآن للوصول من دبي إلى عجمان·· أحتاج إلى أكثر من ساعة في زحام أتمنى أن تكون هناك وسائل لتخفيف حدته·· قلت لصديقي الذي استطاع فعلاً الحضور إلى موعده في الثانية عشرة ظهراً في أبوظبي بعد أن حضر في الصباح اجتماعاً في دبي: أتمنى لو كنت معي في تلك الرحلة·· لعرفت قيمة هذه الشبكة العظيمة من الطرق التي تجعل وصولنا إلى أي مكان في الإمارات سهلاً وميسراً·· ودون خوف من التغريز أو الضياع·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©