الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بلعام بن باعوراء» نموذج لسقوط العلماء وردة الأولياء

23 يوليو 2014 22:55
كان «بلعام بن باعوراء» عالماً من علماء بني إسرائيل، وقيل من الكنعانيين، أتاه الله تعالى آيات كثيرة، وعلماً ببعض الكتب المنزلة على الرسل قبله وفي زمانه، كان مجاب الدعوة، يعرف اسم الله الأعظم، بلغ مقاماً شامخاً في العلم والدراية، وكان مؤمناً تقياً عابداً، ولكن بداخله يحب المنزلة والشهرة ، يطلب العلم حباً في المكانة، فكفر به ونبذه وراء ظهره، فلحقه الشيطان وصار قريناً له وكان من الغاوين الضالين الكافرين، وسقط في الهاوية وقيل إنه من بلد الجبارين، أو من مدينة البلقاء، واسمه بلعام أو بلعم. وردت القصة في قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، «سورة الأعراف: 175-176». وقد اختلفت أقوال المفسرين، حول تحديد شخصية من نزلت فيه الآيتان، لكن الأكثر أنه بلعام، وقال مالك بن دينار كان من علماء بني إسرائيل، مجاب الدعوة، يقدمونه في الشدائد، وقالوا إنه كان من أحبار بني إسرائيل، وقد تلقى علم التوراة على يدي نبي الله موسى عليه السلام، وهو الذي رباه وعلمه، حتى صار من أعلم علماء بني إسرائيل، وقد بلغ بلعام من العلم درجة لم يبلغها إلا الأنبياء والصديقون، ومن غزارة معرفته وتقواه، كان الآلاف يتلقون عنه العلم في مجلس واحد، ويكتبون كل ما يسمعونه منه، وقالوا إنه كان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين يكتبون عنه. من جند إبليس ومع هذا كله، أصبح فتى من جند إبليس وانحطت به الحال حتى صار إبليس من جنده، فكان من الغاوين بعد أن كان من المهتدين الراشدين، ولو شاء الله لرفعه بالآيات التي علمها إلى منازل الأبرار ومراتب الأخيار، ولكنه ركن ومال إلى الدنيا رغبة بملاذها، ونزولا لشهواتها الوضيعة، واتبع هواه بإيثار الدنيا على الآخرة، فمثله كمثل الكلب في الدناءة، ولا تتعدى همته بطنه، يدلي لسانه بالنفس الشديد، وهو طبع في الكلب، واللهث غريزة فيه لا تتقيد بحال التعب والعطش وشدة الحر. والمثل الذي ضربه الله عز وجل لعباده فيمن آتاه الحكمة وتركها وعدل عنها فترك آخرته وآثر دنياه في الخسة والضعة، بأخس الحيوانات، وهذا هو مثل العالم الذي اتبع هواه، لا يقدر على نفع نفسه، لأن الحريص على الدنيا إذا وعظته لا ينتفع به وإن لم تعظه، فهو باق على حرصه فصار الحرص على الدنيا طبعاً له غريزياً، وهذا المثل الذي ضربه الله للمكذب بآياته يعم كل مكذب بها لأنهم إذا جاءتهم الرسل بالهداية لم يهتدوا فهم ضلال في كل حال. ويروى أن نبي الله موسى عليه السلام بعثه إلى ملك مدين يدعوه إلى الله، فعرض عليه الملك الكافر أن يزوجه بأجمل النساء من بنات قومه، ويقدم له الكثير من الهدايا والأموال، في مقابل أن يهجر دعوة موسى، ويتخلى عن دينه، لينضم اليهم في كفرهم، وكان هذا أول اختبار حقيقي يتعرض له بلعام وأول فتنة وابتلاء له، وقال له أهل مدين إن موسى جاء بقومه ليقتلنا ويخرجنا من ديارنا، فادع الله عليهم، وكان يعرف اسم الله الأعظم، فقال لهم كيف أدعو على نبي الله والمؤمنين ومعهم الملائكة، فراجعوه في ذلك وهو يمتنع عليهم. خسران الدنيا والآخرة فأتوا امرأته وأهدوا لها هدية وطلبوا إليها أن تدس لزوجها أن يدعو على بني إسرائيل، فقالت له فامتنع، فلم تزل به حتى قال أستخير ربي فاستخار الله تعالى، فنهاه في المنام، فأخبرها بذلك، فقالت راجع ربك، فعاد إلى الاستخارة فلم يجد جواب، فقالت لو أراد ربك لنهاك، ولم تزل تخدعه حتى أجابها، فركب حماراً متوجهاً إلى جبل يشرف على بني إسرائيل، فما مشى إلا قليلاً حتى ربض الحمار فضربه حتى قام فركبه، فسار قليلاً فربض، ففعل ذلك ثلاث مرات، فلما اشتد ضربه في الثالثة فأنطقه الله، ويحك يا بلعم أين تذهب؟ أما ترى الملائكة تردني؟ فلم يرجع، فأطلق الله الحمار حينئذ فسار حتى أشرف على بني إسرائيل، فكان كلما أراد أن يدعو عليهم، ينصرف لسانه إلى الدعاء لهم، وإذا أراد أن يدعو لقومه انقلب دعاؤه عليهم، فقالوا له في ذلك؟ فقال هذا شيء غلب الله عليه، وخرج لسانه فوقع على صدره، فقال الآن خسرت الدنيا والآخرة، ولم يبق إلا المكر والحيلة وأمرهم أن يزينوا النساء ويعطوهن السلع للبيع ويرسلوهن إلى العسكر ولا تمنع امرأة نفسها ممن يريدها، وقال إن زنى منهم رجل واحد كفيتموهم، ففعلوا ذلك ودخل النساء عسكر بني إسرائيل، فأخذ أحدهم امرأة، وأتى بها إلى موسى عليه السلام فقال له أظنك تقول إن هذا حرام فوالله لا نطيعك، ثم أدخلها خيمة فوقع عليها، فأنزل الله عليهم الطاعون. ?اضله الله بعد علم، وأعمى بصيرته بعد نور، مع أنه سبحانه كان قادراً على رفعه وتنزيهه وتقريبه إليه، وليظل بلعام بن باعوراء مثلا لكل من أتاه الله الآيات والعلم، فترك العمل به، واتبع هواه، وآثر سخط الله على رضاه، ودنياه على أخراه. (القاهرة - الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©