الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من مدونة مجوود

5 أكتوبر 2010 21:34
في العودة للمدينة وشوارعها التي يحبها، كان يسير بقدميه على حجر الرصيف، بينما كان فكره يحلق في فضاءات لا يعلمها أحد. لم يكن منظره مألوفاً في ذلك المساء بين تلك الجموع التي تبدو وكأنها قد خرجت إلى حفلة أو استعراض.. بل كان يوحي بأنه عائد من سفر طويل أو مغامرة بعيدة. كان يغطي رأسه بقبعة تختفي تحت ظلها بعض ملامحه، وتنسل من تحتها خصل من شعره الأسود، أما لحيته فقد طالت وتشعثت بغير انتظام وكأنها قد تُركت لتعيش على سجيتها، وبين يديه كان يمسك بقطعة من الساندوتش يلتهمها بشغف وكأنه يشعر بالهناء مع كل لقمة. أما ثيابه، فقد كانت عادية، لكنها كانت غريبة عن أزياء الناس من حوله. لكن الغريب أكثر أن مظهره العجيب هذا لم يكن يغير كثيراً من سمته وطلته المميزة، على الأقل بالنسبة لشخص يعرفه مثلي.. أما الآخرون، فكانوا يظنون أنه متشرد! فتيات على الطريق كانوا يمرون بجانبه يرمقونه بنظرات غريبة، يتأملون شكله وهيئته وثيابه ولحيته.. ثم يشيحون بنظرهم عنه وكأنهم رأوا ما أثار اشمئزازهم، أما هو فلم يكن منتبهاً لهم أبداً، فقد كان عقله في مكان آخر وجل ما بقي من تركيزه هو ذلك “السندويش” التي بين يديه.. وقطع عليه تفكيره وصوله إلى طريق مسدود، فعاد من فضائه الواسع إلى أرض واقعه، ليدقق النظر في ما يراه.. لم يكن الطريق مغلق فعلاً، كانت هناك “ثلة” فتيات في ريعان الصبا قد توقفن في منتصف الطريق يتحدثن ويضحكن.. كان مظهرهن وأزياؤهن وعطورهن تجتذب الناظر من بعيد، لكن صاحبنا لم ينتبه لهن إلا عندما وقفن في وجهه وسددن عليه طريقه! وكان هذا المنظر الفريد الذي رآه أمامه كافياً ليقطع عليه عزلته الفكرية، ويخرّب عليه صفائه، ويعيده إلى نقطة الصفر، حيث تكون مشاعره نهباً لأي عارض دون أدنى وسيلة للدفاع. وهكذا أفاق من لاوعيه، ونظر حوله وتذكر أنه مازال يسير في المدينة، ووجد طريقه مسدوداً، ففكر قليلاً ثم اقترب من “قاطعات الطريق” وقال بلطف: “أعتذر على قطع سمركم، لكنكن تسددن الطريق”. وعندما انتبهن لكلامه، قالت واحدة منهن: عفواً.. ثم ابتعدت قليلاً وأفسحت له المجال ليمر، ثم عدن إلى حديثهن بمزيد من اللامبالاة. لكنه لم يمر وبقي متجمداً في مكانه.. كان هناك شيء مازال يدور في رأسه.. فاقترب مرة أخرى، وقال : “مازال الطريق مسدوداً يا بنات.. ألا يمكن أن تكملن الحديث في مكان آخر؟”.. والتفتن إليه جميعهن، وقسنه بأعينهن ووزنّه بنظراتهن ثم ردت عليه إحداهن: هل عينّك أحدهم شرطي مرور؟ طالما أفسحنا لك المجال لماذا لا تمر وتتركنا وشأننا؟ فرد عليها بشيء من الحزم: “أنا لا أتكلم من أجلي فقط، ولكن وقوفكن هنا فيه إيذاء للطريق والمارة”. ونظرت إليه الفتاة نفسها بنظرات ازدراء وشيء من الخبث، وقالت: ومنظرك هذا ألا يؤذي الطريق؟ ويبدو أنه كان يريد أن يتكلم ويرد، لكنه تذكر شيئاً فسكت، ثم ابتسم وقال لها: “ربما كان معك حق، منظري هذا يؤذي الطريق.. ولا ينبغي أن أسير بهذه الهيئة في مثل هذا المكان! لكن بالمناسبة ألا تعتقدون أن منظركن أيضاً بهذه الأزياء والزينة قد يؤذي المارة.. صدقوني نحن الشباب أيضاً لدينا أحاسيس ونتأثر بما نرى! ربما لم يخبركم أحد بذلك، لكن هذه هي الحقيقة!” فارق كبير لحظة من فضلكم.. ما هذه المقارنة الغبية؟ هذه المقارنة غير عادلة أبداً..! رغم أن كلا الأمرين يعبر عنه باعتباره حرية شخصية، لكن هناك فارق كبير في النتيجة، دعوني أوضح: يمكن لمنظر شيء ما مهما كان مؤذياً أن يؤذي مشاعر إنسان للحظات، لكن يستطيع ببساطة أن يصرف نظره، وسوف ينسى ما رأى بعد دقيقة أو اثنتين، ولن يتذكر بعد ذلك أي شيء. أما بالنسبة لمنظر المرأة عندما يؤذي مشاعر شاب، فيمكننا أن نشبه الأمر بتيار كهربائي سعة 220 فولت قد لامس أعصابه دون سابق إنذار.. وخلال لحظة تنقلب أفكاره رأساً على عقب، وتعتمل في داخله عشرات المشاعر والأحاسيس المتناقضة، وربما سينسى بعد لحظات إلى أين كان سيذهب، ومن أين أتى، لكنه سيبقى يتذكر طوال اليوم شيئاً واحداً.. ذلك المنظر الذي رآه! لكن شباب هذه الأيام.. وا أسفي عليهم.. كان عليهم أن يتأقلموا مع موجات التيار الكهربائي المتناوب.. الذي أصبح في ما بعد مستمراً، حتى صارت لديهم حالات غريبة عجيبة من الهلوسة والذهول.. مساكين، لا يشعر بهم أحد. ويبدو أن فتيات القصة قد سئمن من كلام صاحبنا وخشين أن يستطرد أكثر في حديثه وأفكاره، فتركن له الطريق بطوله وعرضه وذهبن إلى مكان آخر ليكملن سمرهن. أما هو، فقد تابع طريقه مرة أخرى محاولاً استرجاع أفكاره التي ضاعت وتبعثرت.. مشى خطوات كثيرة ومازالت رائحة العطر تتبعه.. في حين انتابه خاطر عابر بأن قراره بالعودة كان سابقاً لأوانه! http://majjood.wordpress.com
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©