الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا والحاجة إلى العمالة الماهرة

4 يوليو 2015 00:25
يحضرني الآن اسم رجل لا يُنسى، إنه «مينج تشيانج» الذي أعتبره بطلاً أميركياً. و«تشيانج» أستاذ علم المواد في «معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا». و«علم المواد»، ميدان يفتقد إلى الشهرة، إلا أن «تشيانج» ارتقى به وقدم فيه ابتكارات تستحق الإعجاب. وقد بدا وكأنه يشارك المبتكر الأميركي «إيلون ماسك» ذات الاهتمام، وهو ابتداع بطاريات طويلة الأجل ومفيدة للبشر ويمكنها أن تقلل حاجتنا إلى النفط. وفي عام 2001، بدأ «تشانج» بحثاً حول ابتداع بطارية جديدة أطلقت عليها الشركة الأميركية التي تكفلت بتمويله اسمها وهو «أنظمة أ 321» أوA 123 systems. وكان مما يؤسف له أن الطلب على تلك البطارية كان قليلاً، وهذا ما أدى إلى إفلاس الشركة وبيعها عام 2012. إلا أن تجاوز فشل التجربة الأولى واختبار الحظوظ في الفرصة الثانية أيضاً من التقاليد المعروفة في أميركا. فما كان من «تشيانج» إلا أن عاد إلى العمل، ولكن هذه المرة في شركة أخرى لصناعة البطاريات تدعى (24M). وابتكر بطارية جديدة تستخدم تكنولوجيا غير مسبوقة. وقد أقامت الشركة مصنعها في الولايات المتحدة، ومن المنتظر أن تحقق عوائد كبيرة منها. إلا أن هذا المقال، بحد ذاته، لا يدور حول البطاريات بل حول الهجرة. و«تشيانج» من مواليد تايوان. وقد هاجر مع عائلته إلى الولايات المتحدة وعاش في حي بروكلين عندما كان عمره 6 سنوات. ولو بقي في تايوان لكانت مواهبه سُخرت لدعم الاقتصاد التايواني، إلا أن عبقريته أصبحت الآن تساهم في خلق فرص العمل للأميركيين بعد أن ابتدع تكنولوجيا جديدة ذات قيمة عالية، ويمكنها أن تنشّط العمل في العديد من الصناعات المكمّلة. وتمتلك الولايات المتحدة من القدرة على الابتكار ما يؤهلها بالفعل لأن تكون قوة عظمى. ولا تكاد يضارعها في هذه القدرة إلا القليل جداً من الدول الأخرى. وهي تأتي قبل أي شيء آخر من نظامنا الذي يسمح باستغلال المواهب وتوظيف «الأبطال». ولا يشاركنا براعتنا في توظيف الكفاءات من المهاجرين إلا بعض الدول الأنجلوساكسونية مثل كندا وأستراليا، وسنغافورة. ومعظم «الأبطال» الذين نوظفهم يقومون بأعمال يومية مختلفة بما في ذلك المرأة التي تعتني بأطفالك عندما تذهب إلى العمل. وحتى هذه الأعمال التي يقوم بها المهاجرون، والتي تحتاج إلى القليل من الخبرة والمهارة، مهمة أيضاً ومفيدة بالنسبة لنا. إلا أن للمهاجرين ذوي الكفاءات المهنية العالية أهمية بالغة، دون شك، وهذا هو الميدان الذي يجب أن نستغله بطريقة أفضل. وكل مهاجر يمكن أن يضيف شيئاً إلى الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن المهاجر ذا المهارة العالية يضيف قيمة كبرى. ويقدّر الاقتصاديون «إريك هانوشيك» و«جينز روهوز» و«لودجير فوسمان»، أن نسبة تتراوح بين خُمس وثلث الاختلاف في الناتج المحلي للولايات الأميركية (أي بين 20 و33%) يمكن ردّه إلى الاختلاف في «رأس المال البشري»، أو مستوى التعليم والموهبة. ويعود بعض هذا الفرق بالطبع، إلى أن الولايات الأكثر غنى تتولى تعليم أبنائها على نحو أفضل. وهي تعمل بذلك على «تفريخ» عدد أكبر من المواهب، ليستفيد منها الاقتصاد في نهاية المطاف. على أن الطريق الأرخص والأقل تكلفة لتحقيق ذلك يكمن في قبول المهاجرين ذوي الكفاءات العالية. ولسوء الحظ، وعلى رغم أن كثيراً منهم يأتون إلى هنا بالفعل، إلا أننا نعمد إلى طرد معظمهم. وفي الولايات المتحدة، تكثر الأمثلة عن مبدعين وذوي كفاءات يساهمون في تطوير الاقتصاد، إلا أنهم يُطردون من البلد لأسباب واهية. وذلك لأنها لا تحتكم إلى نظام مدروس بعناية للاحتفاظ بهؤلاء الناس. وعندما نتحدث عن «هجرة الكفاءات العالية»، فإننا نتحدث عما يسمى «تأشيرة H1-B» أو تأشيرة العمل المؤقت المكفولة من طرف أرباب العمل. إلا أن هذه التأشيرة تعتبر نظاماً مستهجناً. فهي تنتهي بعد ثلاث سنوات ويمكن تجديدها لمرة واحدة ليصبح مجموع فترة الإقامة المسموحة ست سنوات فقط. وبعد ذلك، سيحتاج المعني إلى كفالة رب العمل حتى تتم الموافقة على منحه «البطاقة الخضراء» لو أراد البقاء. وهذا يعني أن تجديد «تأشيرة H1-B» يجعل الموظفين المهَرة بحاجة لموافقة مستخدميهم ليتساووا في ذلك مع شروط توظيف خادمات البيوت. ولا يقتصر الأمر في الولايات المتحدة على ضرورة العمل على إبقاء المهاجرين الأكثر كفاءة، بل أيضاً السعي لإبقاء أكبر عدد ممكن منهم وتسهيل إجراءات حصولهم على «البطاقة الخضراء». نوح سميث* * أستاذ مساعد في علم التمويل بجامعة «ستوني بروك» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيو سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©