الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرأي السديد في اللا نظام العالمي الجديد!

13 ديسمبر 2016 22:58
كل المنظمات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الأمم المتحدة موجودة ولا تحيا، بمعنى أن وجودها كوجود منضدة أو مقعد، لكنها ليست كائناً حيّاً متحركاً، هي مجرد رموز لوحدة العالم أو لوحدة الإقليم، لكنها ليست حقيقة ولا واقعاً.. ولا نستطيع أن نقول إن الأمم المتحدة مثلاً تجاوزها الزمن والأحداث، بل الحقيقة أن هذه المنظمة التي يُقال إنها دولية وُلدت ميتة، وكانت مجرد كيان فرضه المنتصر على المهزوم بعد الحرب العالمية الثانية، أو هي مجرد معاهدة استسلام المهزوم بعد الحرب، بدليل أن الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية هم الذين صاغوا ميثاقها ونسفوه في نفس الصياغة حين قرروا لأنفسهم ما يسمى حق النقض أو «الفيتو» على قرارات مجلس الأمن وحين جعلوا الجمعية العامة مجرد كيان هش لا قيمة لقراراته أو توصياته. ومع مرور الوقت، وظهور الصراع بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي صارت الأمم المتحدة ميداناً لهذا الصراع ولم تكن يوماً منظمة للوفاق أو صنع السلام، بل كانت وما زالت منظمة لصنع الحروب والنزاعات وإدارتها دون أدنى إرادة لحلها، كانت وما زالت منظمة خاضعة لإرادات القوى الكبرى ومنفذة لأجنداتها وموقِّعة على قراراتها مع إضفاء صيغة شرعية على أطماعها ورغبتها في الهيمنة. ولم يحدث يوماً أن كان لقرارات الأمم المتحدة أي قيمة خصوصاً القرارات المتعلقة بالقضايا العربية، بل إن المنظمة الدولية كانت دوماً تناقض قراراتها عن طريق مبعوثيها وأحدهم هو إسماعيل ولد الشيخ أحمد المبعوث الدولي إلى اليمن، فالأمم المتحدة أصدرت قرارات واضحة ضد الانقلاب «الحوثي»، وأقرت عقوبات ضد قيادات هذا الانقلاب، ثم انقلبت وقفزت على هذه القرارات بمحاولاتها شرعنة الانقلاب ومكافأته. وما يحدث في اليمن من جانب الأمم المتحدة نسخة طبق الأصل مما تفعله المنظمة الدولية في ليبيا وسوريا، وما فعلته في العراق، حيث تنفذ هذه المنظمة إرادات قوى كبرى ولا تنفذ إرادة المجتمع الدولي ذلك الاسم الوهمي للقوى الكبرى.. فلا يوجد مجتمع دولي خارج الولايات المتحدة وروسيا والدول الغربية الأخرى، بدليل أن هذه القوى تمارس كل أفعالها، بل وجرائمها خارج عباءة الأمم المتحدة وبعيداً عن مجلس أمنها العاجز أو الذي يراد له أن يكون عاجزاً. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وقبل أن تفيق روسيا من صدمتها وتعود إلى دورها كقوة عظمى ظلّت الأمم المتحدة أداة أميركا الطيعة للهيمنة والسيطرة وتنفيذ أجندة الفوضى الخلاقة، أو ما يحلو لي أن أسميه اللا نظام العالمي الجديد.. وأكاد أجزم، أو أزعم أن منظمة الأمم المتحدة أصبحت في ظل الهيمنة الأميركية منظمة الميليشيات المتحدة.. فقد انحازت هذه المنظمة تماماً إلى الفكرة الماسونية التي تبناها أوباما وهيلاري وجنودهما، وهي فكرة هدم الدول الوطنية عن طريق الانحياز للميليشيات والتنظيمات الإرهابية، بل وصنع ورعاية هذه التنظيمات بتمويلها تارة وبغض الطرف عن تمددها تارة أخرى. وكل مبعوثي الأمم المتحدة خصوصاً إلى المنطقة العربية انحازوا إلى الميليشيات على حساب الدول الوطنية، وحاولوا إعطاء شرعية زائفة لهذه الميليشيات في اليمن وسوريا وليبيا بالتحديد، وكل هذا كان تنفيذاً أميناً لإرادة الولايات المتحدة وإدارة أوباما وهيلاري. الأمم المتحدة ومنظماتها وهيئاتها مجرد صنم صنعته القوى الكبرى وفرضت على العالم عبادته وتقديم القرابين إليه والامتثال لأوامره، والحديث عن إصلاح الأمم المتحدة كان دوماً حديثاً بلا معنى.. أطلقته القوى الكبرى لإشعال الفتنة بين الدول الصغرى التي تصارعت في ما بينها حيناً من الدهر من أجل الفوز بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، ثم انتهى الأمر تماماً، وبقي الصنم كما هو لا يقربه أحد ولا يجرؤ أحد على تخطيه، بل صارت المنظمة الدولية أداة طيِّعة في يد الماسونية، وفي أيدي الاستخبارات الكبرى. وإذا كانت عصبة الأمم قد قامت بعد الحرب العالمية الأولى وفرضها المنتصر على المهزوم، فإن الأمم المتحدة قامت ونشأت بنفس السيناريو، أي أن المنظمات الدولية تهدمها حرب وتقيمها حرب، والأمم المتحدة عاشت طويلاً لأن القوى التي أنشأتها قررت في ما بينها أن تكون الحرب العالمية الثانية هي آخر الحروب المباشرة بين الكبار وأن تصبح الحروب بعدها حروباً غير مباشرة، أو حروباً بالوكالة، أو صراعات داخلية من أجل تشغيل مصانع السلاح وتجريب الأسلحة الجديدة.. فالحروب والصراعات حاجة ماسّة وضرورة حياتية للدول الكبرى المصدرة للأسلحة.. والأمم المتحدة وظيفتها التي أوكلتها إليها القوى الكبرى هي إدارة هذه الحروب لا إنهاؤها. وهذه الدول الكبرى تمد الفريقين المتقاتلين بالأسلحة، تمد الشرعية وتمد الإرهاب وما تسميه المعارضة المسلحة، وتجارة السلاح هي التجارة الأعلى ربحاً في العالم، وهي التجارة التي لا تبور أبداً لأن مستهلكي الأسلحة في ازدياد خصوصاً في منطقة فئران التجارب العربية. والرهان على حروب مباشرة بين الدول الكبرى رهان خاسر تماماً، والدليل أن الولايات المتحدة وروسيا استطاعتا تجنب الصدام المباشر بينهما في سوريا رغم أنهما تحاربان في ميدان واحد.. وإطالة أمد الحروب الصغيرة أو الحروب بالوكالة حاجة ماسّة للدول الكبرى وحاجة ماسّة للأمم المتحدة أيضاً التي تمارس دورها بالوكالة عن القوى الكبرى، وبالتالي، فإن المبدأ الحاكم لـ«اللا نظام» العالمي الجديد هو إشعال الحروب الصغيرة لتعيش الدول الكبيرة على دماء الصغار، والمبدأ الآخر هو أن تكون هناك هدنات على دخن حتى يظل المتحاربون في حالة استعداد للحرب واستئناف القتال لتضمن الدول الكبرى استمرار تصدير السلاح للمتحاربين، وتصدير السلاح لمن يستعدون للحرب في أوقات الهدنة. والخلاصة أن يبقى الصغار وعلى رأسهم العرب وقود حروب الكبار ومصانع أسلحتهم، لذلك لا يمكن أن يكون هناك حل للقضايا العربية والصراعات العربية التي يريد لها الكبار والأمم المتحدة أن تستمر. وهذا هو الرأي السديد في اللا نظام العالمي الجديد! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©