السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب إفريقيا: إعادة اكتشاف فجر التاريخ

1 أكتوبر 2010 22:04
عندما يلتقط موريس ساتون هنا صخرة متكسرة تبدو عادية في مظهرها، فإنه بذلك يكون هو أول من يلمس تلك الأداة الحجرية منذ أن استعملها الإنسان القديم قبل نحو مليوني سنة. وفي كهفه المظلم والبارد الواقع أسفل سلم بطول 9 أمتار، يشعر "ساتون" بقيمة تلك الصخرة وسحرها، ويشم رائحتها الطينية، وينظر عبر نافذة مفتوحة على الزمن السحيق. يذكر أن "ساتون"، 47 عاماً، عالم آثار، وقبل ذلك كان مديراً في أحد المصانع في ممفيس بولاية تينيسي قبل أن يمل من الأفق المحدود للتجارة والصناعة وطرد زملائه الموظفين، ويقرر الاستقالة وممارسة هواية عزيزة على قلبه: البحث عن المستحاثات والآثار القديمة وأدوات العصر الحجري. وعندها عاد إلى الجامعة من أجل دراسة علوم الآثار، ثم انتقل إلى جنوب إفريقيا حيث يعمل باحثاً مع معهد التطور البشري بجامعة "ويتووترسراند". وتعتبر جنوب إفريقيا عادة وجهة مفضلة لعلماء الآثار؛ حيث تغطي مستحاثاتها فترة ممتدة ومتواصلة من مراحل ما قبل التاريخ، ابتداءً من أول أثر على وجود الحياة مروراً بعصر الديناصورات إلى أقدم أجداد الإنسان؛ وقد تم اكتشاف بعض من أهم المستحاثات والآثار في العالم هنا في هذه الأصقاع ومنها: طفل التونج، والقدم الصغيرة، وذكر شاب من أجداد الإنسان. وفي هذا الإطار، تقول "أندريا لينن"، رئيسة المنظمة العلمية للحفريات، وهي منظمة جنوب إفريقية غير ربحية ترعى البحوث في مجال الآثار: "يمكننا أن نجد هنا أحدث أشكال الحياة، والدليل الأول على الحياة، وكل الفترة المفضية إلى عصر الديناصورات، إلى الظهور الأول لأجداد الإنسان، وصولاً إلى اليوم... لا يوجد مكان آخر في العالم يمكنك أن تجد فيه كل هذا، دفعة واحدة". وفي جامعة "ويتووترسراند" الجنوب إفريقية تشمل كنوز الآثار والمستحاثات عدداً من بيوض أنواع صغيرة من الديناصورات، محفوظة في وقت تفقيسها؛ هذا بينما توجد آلاف أخرى من العناصر على الأرفف وفي الصناديق، حيث لم يتم فصلها بعد عن الصخور الملتصقة بها، وسيتطلب الأمر عقوداً لمعالجتها. ومن المعروف أن الباحثين عن المستحاثات يتنافسون لجذب اهتمام وسائل الإعلام ومنظمات البحوث العلمية، ويعقدون ندوات خاصة حول أي اكتشاف يمكن أن يكون هو الأقدم أو الأقرب إلى فجر تاريج الإنسان؛ غير أن "ساتون" لا تنطبق عليه تلك الصفة؛ وقد كان حذراً في كلامه وهو يصعّد مرتفعاَ جافاً ووعراً تنتشر فيه الكهوف. ويقوم "ساتون" بالحفر خاصة في منطقة "سواتكرانز" في وادي "ستركفونتين"، حيث يستخرج عينات تعود إلى أكثر من مليون سنة؛ وهو من الرجال الذين يشعرون فجأة بالحماس لمجرد رؤية طبقة ترابية ذات لون مختلف، حتى لو كانت تبدو لأول وهلة عصية على التمييز، وكيف لا تكون وهي رواسب من عصور مختلفة، ونوافذ على أزمنة غابرة؟ غير أنه يمكن أن يحفر هنا لسنوات من دون كلل أو ملل لكي يجد ذلك الاكتشاف العظيم المنشود الذي يمكن أن يحدث مرة واحدة في حياة الإنسان -كحلقة مفقودة، أو نوع جديد، أو دليل على أول شكل من أشكال الطبخ... الخ- وبعد جهد مضنٍ قد يكتشف أخيراً أن الحفرة التي يشتغل عليها لا تكشف عن أي شيء جديد وعن ذلك يقول ساتون: "حسناً، لستُ مضطراً بالضرورة لاكتشاف أي شيء جديد، في كل مرة. يمكن للمرء أن يكتفي أيضاً بالنظر إلى الأشياء من زاوية مختلفة، وأن يأتي بوجهة نظر جديدة، وهذا هو الأهم". وعلى سبيل المثال، فقد بات من الممكن اليوم تحليل البقايا الدقيقة جدّاً للحم أو النباتات التي بقيت على الأدوات الحجرية التي يعود عمرها إلى نحو مليوني سنة، ومن ثم يمكن معرفة الغرض الذي كانت تستعمل فيه تلك الأدوات. ومن الجدير بالذكر هنا أن أكثر من ثلث مستحاثات أجداد الإنسان تم العثور عليها في منطقة صغيرة واحدة في "ستركفونتين". فالأدوات الحجرية هنا تعود إلى عصر سحيق من التاريخ الإنساني يقدر بنحو مليون سنة أو أكثر. وتعليقاً على هذا الموضوع يقول ساتون: "إن هذه مرحلة مهمة جدّاً من تطور تاريخ الإنسان. إنها مثل فترة طفولتنا المبكرة". يذكر أن مجموعة من العلماء وجدت في منطقة "سواتكرانز" خلال العقود الماضية أدلة على بعض من الاستعمال الأول المتحكم فيه للنار يعود تاريخه إلى نحو 1.5 مليون عام. ويشير ساتون بفخر إلى منطقة شملتها الحفريات مساحتها تقارب المترين: إنها نتيجة عمليات حفر وتنقيب دامت خمس سنوات. وفي هذه الأثناء ينهمك هو ومساعده الجنوب إفريقي "آندرو فازوانا"، 35 عاماً، على نبش التراب طبقة تلو طبقة، مستخرجين من الألغاز والأسئلة قدر ما يستخرجان من الحقائق والأجوبة. وعلى غرار "ساتون"، كانت أيضاً لدى "فازوانا" ذات يوم وظيفة معقولة، كعامل في محطة للوقود. وهو يحب، بدوره، الشعور الذي ينتاب المرء لدى عثوره على أضراس ضخمة مسطحة كانت تستعمل ربما لمضغ النباتات ذات الألياف مثل الجذور. ويقول فازوانا: "أحب هذا العمل لأنني أتعلم الكثير كل اليوم. وكيف كان الناس القدامى يتصرفون، وكيف كانوا يأكلون، ويستعملون النار". ومن المعتاد في دراسة أجداد الإنسان تفشي الدهاليز المظلمة والنظريات المتصارعة والمراجعات، وكلها تعد أموراً مألوفة في هذا الميدان. ولذلك، فإن "ساتون" حذر جدّاً ويحرص على عدم القفز إلى استنتاجات إذ يقول: "ربما لم نجد حتى الآن بدايات تاريخ الإنسان بعد... وكعالم آثار، هناك شعور رائع في أن تلتقط شيئاً مثل أداة حجرية قد يكون رماها أحد أسلافك قبل مليون سنة مضت". روبن ديكسون - جنوب إفريقيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©