الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الحراك العراقي.. عين على بغداد وأخرى على البغدادي

الحراك العراقي.. عين على بغداد وأخرى على البغدادي
20 يوليو 2014 01:15
د. فارس الخطاب (أبوظبي) أعلن أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي ل«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) يونيو الماضي عن إقامة دولة الخلافة الإسلامية ومبايعة أمير التنظيم أبي بكر البغدادي كخليفة للمسلمين، ملغيا اسم العراق والشام من مسمى الدولة ليقتصر على اسم الدولة الإسلامية فحسب.. هكذا تناولت معظم وكالات الأنباء هذا الخبر، والذي سارعت الولايات المتحدة إلى التقليل من شأنه، فيما اعتبرته الكثير من الدول العربية مثارا للسخرية وتكرارا لإعلانات سابقة قامت بها حركات متشددة في أفغانستان وباكستان والعراق وغيرها تضمنت مسميات الإمارة أو أمير المؤمنين أو غيرها، والتي سرعان ما اضمحلت وتلاشت بفعل المواجهة المنظمة عالميا وإقليميا لها أولا، ولغياب الحواضن الطبيعية المؤمنة بهذه التسميات والممارسات المرتبطة بها في مناطق نفوذها، ذهبت معظم هذه الجماعات بعد أن ذهب ضحيتها الكثير من البشر الذين ساقتهم الأقدار ليكونوا ضمن أنطقة نشاط هذه التنظيمات ونفوذ مسلحيها، ولكن، هل إعلان دولة (الخلافة الإسلامية) من مدينة الموصل شمال العراق يندرج ضمن هذه التجارب التي يمكن أن يتم التعامل معها بشيء من السخرية وكثير من اللامبالاة ؟ أم إنها بداية لطريق يفضي لخيارات حرجة وصعبة لا تعني العراق وسوريا وحدهما، بل مجمل الإقليم الممتد من حدود الأناضول وحتى بحر العرب؟. «داعش» النموذج السر: لن أخوض كثيرا في مسألة تشكّل تنظيم (داعش) والذي هو نتاج اندماج بين إحدى تنظيمات القاعدة في العراق (دولة العراق الإسلامية)، وجبهة (النصرة) في سوريا في أكتوبر 2013، ثم سرعان ما تنصلت (النصرة) منه وكذلك فعل أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، عندما لم يبارك هذا الاندماج واعتبره ملغيا بعد الإعلان عنه بشهرين فقط، إلا أن أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم (المتحد) تجاهل الجهتين وأبقى على اسم التنظيم وقيادته له، ومن غريب الأمر أن يكون هذا التنظيم خلال فترة وجيزة جدا واحدا من أهم وأشرس التنظيمات التي يشار إليها في الحضور الميداني في الساحة السورية من خلال قابليته الكبيرة على تنفيذ عمليات القتل والقصاص من أعدائه سواء من فصائل المعارضة السورية الوطنية أو تلك التي تتسم بسمات الإسلام و(الجهاد). إن حجم العمليات التي قام بها التنظيم في سوريا، يصاحبها دور إعلامي منهجي نقل بدراية وقصد، فعاليات وعمليات قتل نوعية للتنظيم، جعل العالم، وخاصة الدول والأجهزة المعنية بالخلاص من الأوضاع الشاذة في سوريا، من البحث والتقصي في محاولة لمعرفة هوية هذا التنظيم المتطرف وطبيعة أهدافه وارتباطاته، خاصة بعد أن أثار البعض، ومازالوا، فرضيات متضاربة، كلها لا تستند فعليا لواقع معلوماتي دقيق وصحيح يمكن اعتماده، ومن هذه الفرضيات من يعتبره امتدادا لتنظيم القاعدة بعد التمرّد على زعيمه الظواهري، وآخرين يرونه تنظيم صنع بعناية في مطابخ الاستخبارات السورية والإيرانية ليشق صفوف المعارضة السورية التي كانت تحقق نجاحات عسكرية وشعبية كبيرة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، والآخر يرى أنه تنظيم نشأ وتطور نتيجة انهيار الحكم الوطني في العراق واعتماد الطائفية أساسا للتخطيط والتعامل مع الشعب في كل من العراق والشام بما خلق كما هائلا من المظالم والمظلومين أفرزت بعضا من القيادات التي استثمرت الدين كوسيلة جامعة لمواجهتها، كما يرى آخرون أنه تنظيم من صنع الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية لإسقاط فرضية (الإسلام هو الحل) بشقيها السياسي و(الجهادي). البغدادي .. سر «القاعدة» الكبير: في عام 2006، أعلن أبومصعب الزرقاوي عن تشكيل «مجلس شورى المجاهدين» بزعامة عبدالله رشيد البغدادي، وبعد مقتل الزرقاوي، شكلّ خليفته أبوحمزة المهاجر في نهاية عام 2006 تنظيما عسكريا جمع من خلاله كل التشكيلات الأصولية المنتشرة على الأراضي العراقية سماه «الدولة الإسلامية في العراق» وكان بزعامة أبوعمر البغدادي والذي قضى في أبريل من العام 2010، بعملية عسكرية أميركية في منطقة الثرثار استهدفت منزلا كان فيه هو وأبوحمزة المهاجر، وبعد حوالي عشرة أيام انعقد مجلس شورى الدولة الإسلامية في العراق ليختار أبي بكر البغدادي خليفة لأبي عمر البغدادي أميراً للدولة الإسلامية في العراق في السادس عشر من مايو 2010، والذي بات في يونيو 2014 (خليفة للمسلمين) !! أبوعمر البغدادي دكتوراه في الفقه الإسلامي واسمه إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري من مواليد 1971 في مدينة سامراء العراقية، لقب خلال عمله الدعوي والتنظيمي بعدة ألقاب منها «علي البدري السامرائي»، «أبو دعاء»، «الدكتور إبراهيم»، «الكرار»، وأخيراً « أبوبكر البغدادي». عمل أستاذا جامعيا في الجامعة الإسلامية في بغداد، ثم داعية، بمساعدة عائلته وأعمامه وعشيرة البوبدري عموما التي يمثل والده الشيخ عواد أحد وجهائها، ويقال إنه وبعض أفراد عائلته كانوا تحت المراقبة الدقيقة من قبل جهاز الأمن العراقي للاشتباه بعملهم مع أحد التنظيمات السلفية، لكن البعض يصف البغدادي بأنه مزارع اعتقل من قبل القوات الأميركية في عام 2004، ثم أودع في سجن بوكا الذي جمعه بعدد كبير من قيادات القاعدة، كما أثرّ فيه كثيرا طريقة التعامل القاسية وغير الإنسانية للمحتجزين في هذا المعتقل وسواه من قبل القوات الأميركية والمتعاونين معها من العراقيين حتى خرج منه محملا بكثير من التطرف لينخرط تماما في العمل مع تنظيم القاعدة حتى يصبح زعيمه في منطقة القائم الحدودية غرب العراق، وتقول إحدى وثائق البنتاجون «إن أبا دعاء كان يعمد إلى الترهيب والتعذيب وقتل المدنيين في القائم، وكان يخطف أفراداً أو عائلات بأكملها، يتهمهم ويحكم عليهم ثم ينفذ الحكم علناً». ورغم هذه المعلومات، فلا أحد يعرف الأسباب التي دعت القوات الأميركية لإطلاق سراحه، ومن ثم تعود وزارة الخارجية الأميركية في 4 أكتوبر 2011 لاعتباره إرهابيا عالميا وتعلن عن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه أو قتله ..! البغدادي الذي بات زعيما لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» وجد في الحرب السورية ميدانا رحبا لدخول تنظيمه على خط المواجهات هناك، وكباقي التنظيمات التكفيرية المسلحة، وجد البغدادي ما يحتاجه من فوضى وفقدان للأمن المركزي بما يمكنه من تحقيق المكاسب وتوسيع النفوذ، عبر الحدود السورية الواسعة مع العراق، ثم ما لبث أن أعلن اندماج تنظيمه مع تنظيم «جبهة النصرة» السوري وتشكيل تنظيم جديد سماه «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» والذي اختصر بمفردة «داعش»، لكن سرعان ما خرج قائد «النصرة» أبو محمد الجولاني لينفي وجود هذا الاتحاد لكنه لم ينف في ذات الوقت وجود علاقات مع تنظيم البغدادي. اللافت أن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، كشف مؤخرا، أن الاستخبارات الأميركية ونظيرتيها البريطانية «MI6 « و»معهد الاستخبارات والمهمات الخاصة» (الموساد) مهدت لظهور تنظيم «داعش». وبحسب وثائق سنودن، فإن البغدادي خضع لدورة مكثفة استمرت عاما كاملا خضع فيها لتدريب عسكري على ايدي عناصر في الموساد الإسرائيلي، أغلب الظن أنها خلال فترة اعتقاله من قبل القوات الأميركية في سجن بوكا، لكن ذلك لا يعد دليلا يعتد به حيث هناك من يؤكد أن الاستخبارات السورية والإيرانية هي صاحبة الامتياز الفعلي في صناعة كل التنظيمات التكفيرية (الجهادية) التي برزت لواجهة الأحداث بعد الاحتلال الأميركي للعراق 2003، ومنها (القاعدة في بلاد الرافدين، وتنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها) كانت غاياتها وما زالت تصب في إرباك بنية الدولة العربية وتفتيت قدراتها وتهميش جيوشها خدمة للمشروع الإيراني ومن قبله بالطبع المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط بكامله. ونجد هذا واضحا في إعلان العدناني الصوتي عن خلافة البغدادي «إنه بإعلان الخلافة صار واجبا على جميع المسلمين مبايعة ونصرة الخليفة (إبراهيم)»، وأن جميع الجماعات والولايات والتنظيمات التي يمتد إليها سلطانه ويصلها جنده أصبحت باطلة شرعا بعد تنصيب الخليفة وإعلان الخلافة».!! مسلحو العراق ودولة الخلافة: إن توقيت إعلان ما سمي بـ»دولة الخلافة» يعطي بوضوح انطباعا نفسيا وإعلاميا أن مجمل ما جرى من حراك في العراق ضد سياسة حكومة نوري المالكي رئيس الوزراء المنتهية ولايته، يمكن اختزالها بهذا الإنجاز «المسخ»، أي بإعلان «دولة الخلافة»، وإن كل هذا الحراك وكل تلك الانتصارات والهزائم المتحققة على الأرض إنما هي بفعل «داعش»، وهذا كله يعني في نهاية المطاف، حشد عالمي ومن قبله وطني وإقليمي ضد هذا المشروع، وهنا سيكون الخاسر الوحيد هو شعب العراق والرجال الذين خرجوا للتعبير عن رفضهم سياسات التهميش والظلم واجتثاث الفساد، والأهم بقاء واستشراء التواجد الاستراتيجي والأيديولوجي الإيراني في العراق ؟ مسلحو العراق المعارضون للمالكي تحديدا، اعتبروا إعلان البغدادي لدولته ضربا من الأعمال «الاستعراضية»، وفي حقيقة الأمر فإن البغدادي أخطأ كثيرا عندما قام فعلا بهذا العمل الاستعراضي لأنه عزل نفسه وتنظيمه عن كل الحراك العراقي، لماذا، لأن هذا الحراك لم ينطلق بهدف تخليص جزء من العراق (الموصل) من ظلم مفترض للحكومة المركزية ورفع راياته عليه، بل هو في حقيقة الأمر كان، وما زال، يعلن عن أهداف تقضي بتخليص العراق من حالة الفساد والطائفية والتدخل الإيراني في شؤونه من أقصاه إلى أقصاه، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود ما يقلق قيادات الفصائل المسلحة من إعلان البغدادي بما أشاعه من تصور بدا للمكون الشيعي في العراق وكأنه إعلان خليفة سني (تكفيري) متشدد يستدعي منهم حشد الصفوف لمقارعته بدواعٍ طائفية وذاك ما تبغيه إيران ويبغيه المالكي تحديدا ! إن إعلان البغدادي لـ»دولة الخلافة» يمكن تحليله سياسيا وفق عدة رؤى منها، أن يكون هذا الأمر مرتبطا بمخطط استخباراتي دولي سواء كان هذا المخطط أساسه غربيا - إسرائيليا يهدف لخلق مناطق توتر وعزل تحمي إسرائيل من جهة وتؤخر أي مشروع عربي تنموي من جهة أخرى، وتحليل آخر يقول إن هذا الإعلان مرتبط بمفهوم إلغاء الخيار الإسلامي في الحكم وذلك بعد أن أثبتت الوقائع فشل الإسلام السياسي، ولم يعد أي عربي مستعد لقبول خيار تسليم الحكم لحزب إسلامي سياسي، وبعد ذلك وربما قبله جاء الدور على مفهوم الجهاد في الإسلام، فجرى تشويهه بطريقة بشعة ولأغراض لا علاقة لها بدين الله وفقه الجهاد بما أعطى صورة مرعبة ورهيبة للمسلم قبل غيره عن مصطلحات مثل (الجهاد، السلفية، التكفيريين.. وغيرها). رأي آخر يقول إن هذا الإعلان هو رسالة تحذير للغرب الذي يخشى دائما قيام دولة خلافة إسلامية تعتمد الشريعة منهجا ودستورا لها، وأن هذه الدولة هي (بحسب هذه الرؤية) الأخطر على مشاريع الغرب وعلى أمنهم القومي والأهم على أمن إسرائيل، وهذا سيدفعهم بالتأكيد لمد جسور للتشاور والتحاور والتفاوض مع قيادات الفصائل المسلحة في العراق من أجل تعزيز قدراتهم وتحقيق أهدافهم بشرط القضاء على المشروع الوليد (دولة الخلافة)، ويشير البعض إلى احتمال تبني نائب الرئيس العراقي السابق عزت إبراهيم لمثل هذه الرؤية تحديدا، وقد أعلن عن ذلك صراحة في خطابه الأخير، أما الرأي الأخير، فهو الأسوأ، بما يرسمه من صورة قاتمة عبارة عن «دويلة» تمثل نذر سوء ببداية تقسيم فعلي للعراق وسوريا ستمتد آثارها بشكل سريع جدا تجاه الجنوب العربي وصولا لبحر العرب بالشكل الذي يجعل هذه المنطقة دائمة الاضطراب فاقدة لعناصر الأمن القومي والوطني لأمد ليس بالقصير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©