الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حمد بن صراي: تربيت على الصبر واحترام العلم

حمد بن صراي: تربيت على الصبر واحترام العلم
19 يوليو 2014 02:30
في صيف عام 1963 بإمارة رأس الخيمة ولد الدكتور حمد بن صراي، في مرحلة تعد الأمتع بالنسبة لمن كان يعيش فيها شاباً واليوم شائباً، وعاش في منزل الجد جمعة لأن والده كان كثير الانشغال فهو ممن تعلموا وتدربوا على إصلاح الدراجات الهوائية، ولذلك كان يقضي معظم وقته في العمل، وعندما يعود يكون متعبا فينام، وتربى على يد جدته موزة المياحي رحمة الله عليهما، التي كانت تعد شخصية قيادية وتدير كافة أمور الأسرة بكل أفرادها، ولم يكن أحد يستطيع أن يرد لها طلبا، لأن الجميع يعلم برجاحة عقلها وتفكيرها الصائب، وكان الفريج الأول قريباً من حصن الحاكم، ولا يزال يتذكر حتى اليوم أسماء الحارات التي تطلق أسماؤها حسب أشهر سكانها، مثل حارة قوم الزباد والزباد، كما هو معروف نوع من أنواع العطور ويستخرج من قط الزباد. موزة خميس (دبي) في منزل والدة الدكتور حمد بن صراي بمنطقة الظيت التقينا به، وتحدث لنا بأسلوب المستمتع باستعادة كل تلك الذكريات الجميلة، أو تلك المواقف الصعبة ذات يوم، ولكن اليوم أصبحت ذكرى جميلة بعد أن تحققت الأهداف، وقال بن صراي «عندما كنت طفلاً كنت لا أفهم لماذا يحملني الأهل بعض المسؤوليات، ولكن بمرور الوقت تعلمت من جدي الصبر، لأنه أشهر رجل يعمل في مجال تصنيع الأسلحة والذخيرة، وكان يجلس بالساعات منهمكاً صبوراً، لا يقطعه عن العمل إلا الآذان حيث يترك ما بيده ليتوضأ أو يكون على وضوء فيقوم للذهاب إلى المسجد، وعندما بلغت مبلغ الدخول لمدرسة تحفيظ القرآن، تم تسليمي إلى المطوعة مريم بنت كويتب، وكانت أمها آمنة أيضاً ممن يعلمن الأطفال قراءة القرآن وحفظه، وفي عمر السبع سنوات سجلوني في مدرسة القاسمية، حيث بقيت بها من الأول الابتدائي وحتى السادس الابتدائي، وكان جدي بنفسه يأخذني من وإلى المدرسة، حرصا علي وعلى دراستي، وفي ذلك مثال على حبه للعلم رغم إنه لم يكن متعلماً، إلا أنه يقدس العلم والتعلم، ويفهم تماما أهمية أن يتعلم الأبناء». المشاركة في النشاطات يقول بن صراي «في المرحلة الابتدائية وجدت نفسي أشارك في المسرح المدرسي، ولا زلت أذكر منظر مدرستي حتى اليوم، حين تسقط الأمطار وتصبح ساحة المدرسة بركة من الماء، بل إننا كنا نسميه غدير ويفرح الطلاب وكنت منهم، لأنهم يطلبون منا أن نعود للبيت، ولكن كنا نلعب في تلك المياه وكانها بحر بالنسبة لنا، ومن أجمل الأوقات بالنسبة لنا عندما يدخل شهر رمضان، ربما نفطر بدون علم الأهل لأننا لا نعلم الواجب الديني، بل إننا لجهلنا وخاصة أننا أطفال أو شباب لا نسأل عن الفرق بين العيب والحرام، فكنا نعتقد أن ريق الصائم أن تم بلعه يفطر، ولكن فترة العصر والمساء من أروع الأوقات، وكأن الدنيا تضيئ لنا فتصبح منيرة فنلعب خارج البيوت تلك الألعاب الشعبية القديمة، وجدتي كانت تأخذني معها عندما تذهب في زيارات بعد صلاة التراويح، وعندما كنت في المرحلة الإعدادية أتذكر أن الإمام الذي كان يصلي بنا هو سلطان الشرهان». ويتابع «بالنسبة لفترة الصيف ننتقل إلى النخيل حيث المزارع، ورغم إنها كانت صغيرة إلا أنها كانت مزارع كثيرة الخير وربما هكذا كنا نراها، وأهم ما في تلك المزارع وجود البركة التي تجمع فيها المياه الجارية، لتنتقل تلك المياه فيما بعد إلى الجداول نحو الأشجار والنباتات، فكنا كأطفال ننتظر الوقت الذي يسمح لنا أن نذهب فيه إلى الضاحية فنقفز إلى الحوض وربما نبقى لساعات طويلة، وفي غالب الوقت كنا لا نخرج حتى يأتي لنا من يجبرنا على الخروج، لأن الضاحية بها كل ما نريد ومنها أننا إن جعنا نجد الثمار وإن شعرنا بالعطش شربنا من تلك المياه الجوفية العذبة، وإن شعرنا بالحر قفزنا إلى الحوض». ويوضح «كان بيت جدي عبارة عن ساحة لمئات القطع من الأسلحة، وجدي محترف ويأتي له أناس من معظم الإمارات، وقد حاول كثيراً أن يعلمني المهنة حتى تبقى في العائلة، ولا تندثر بعد كل تلك السنوات، ولكني كنت أنشغل بالدراسة واللعب بعد إنهاء الفروض، ومن بين أصدقائي الذين صاحبوني عبد الرحمن الموسى وعبد الرحمن النقي وسالم سعيد الشرهان، وعبد الرحمن بن صقر، والدكتور عبد الله علي الطابور». المرحلة الابتدائية يقول بن صراي «بعد الابتدائية انتقلنا إلى مدرسة الصديق وهي إلى جانب القاسمية أيضاً، وهناك درست الإعدادية ثم انتقلت إلى مدرسة رأس الخيمة الثانوية، ولا زالت أذكر لليوم بعض الأخوة ومنهم أحمد خلفان فراج وإبراهيم بن علي المستريح، وقد بقوا معي حتى المرحلة الجامعية، وأذكر إننا في فضل الشتاء نفضل أن نعود للبيوت سيراً على الأقدام، لأن المنطقة كانت تصبح خضراء، والكثبان الرملية حمراء ذهبية، ونجد كميات كثيرة من الحماض نحملها معنا إلى بيوتنا، وأتذكر أننا في تلك المرحلة لم نكن ندرس المنهج على فصول، بل كان علينا أن نمتحن في كامل الكتاب دفعة واحدة، وعلينا توقع الأسئلة من الأول أو الوسط أو نهاية الكتاب، ولذلك كنا نجتهد لنحفظ». وعن المرحلة الثانوية، يقول «شعرت أني بدأت في التعلق بمادة التاريخ، وقد شعر جدي بحبي للقراءة فكان يشتري لي الكتب، حتى أصبحت لدي مكتبة تضم ما يقارب 40 كتاباً، وكنت كلما قرأت كنت أذهب للمعلمين وأناقشهم فيما قرات وفهمت، ولا زلت أذكر معلمي طلعت جاسم وهو عراقي الجنسية، لأنه ترك بي أثراً طيباً لطيب ولطف تعامله وقد كان معلم التاريخ، وأيضاً محمد النواجحة معلم اللغة العربية، ومعلم اللغة الإنجليزية التي لم أكن أحبها ولكني كنت أحب معلمها وهو الضو البشير». ويضيف «في الثانوية العامة عندما نجحت كان مجموعي في مادة التاريخ 99 في المائة، رغم أن الدراسة كانت صعبة، إلا أني فرحت بالنتيجة وفي معظم أنحاء الإمارات تبث نتائج الناجحين في الثانوية العامة بالإذاعة، ومعروف أن كل منزل به ناجح يوزع أهله مشروبات غازية على بقية البيوت، حتى وإن كان ناجحا في الابتدائية، ومن بين الاهتمامات التي رافقت القراءة وحبي للتاريخ، إلى جانب تكريس الوقت للثانوية ممارسة كرة القدم، وكنت العب في خط الدفاع وفي الغالب وقبل حصولي على الثانوية العامة، كان جدي يمنعني من اللعب خشية أن أرسب في بعض المواد، ولكن الحمد لله مرت الأمور بسلام، وعندما بدأت الإجازة بدأت في القراءة لقضاء الوقت، واستهوتني القصص البوليسية كما كنت قد سجلت قبل ذلك عندما كنت في الإعدادية في مجلة ماجد، كما كنت أقود دراجتي الهوائية في بعض الأوقات وربما أذهب للسباحة». حول حياته الجامعية، يقول «مباشرة بعد الحصول على الثانوية العامة قمت بالتسجيل في جامعة الإمارات، وتناقشت مع رفقاء الدراسة وهم أصدقاء حول الكلية التي سنسجل فيها، وكان مجرد اسم جامعة الإمارات بالنسبة لنا رمزا للحياة المشرقة والمستقبل الزاهر، وقد أجمعنا الرأي على التسجيل في كلية التربية، وقد درست فصلا واحدا وفي عام 1982 فكرت في مادة العصر الأموي، وكان الدكتور حسن علي حسن أستاذنا، ولا زلت أذكر أن أستاذنا طلب مني بحث عن الخليفة الوليد بن عبد الملك والبحث كان ثلاثين صفحة وجئت له بخمس وعشرين صفحة عبارة عن قائمة المصادر، وقد قام بالثناء علي عند الطلاب وحصلت على 20 من 20 عن ذلك البحث». ويتابع «بعد ذلك انتقلت إلى كلية الآداب وكان التاريخ به ثلاثة تخصصات التاريخ المنفرد والتاريخ المزدوج والتاريخ الفرعي، وقد طلب أستاذي مني أن اختار التاريخ المنفرد كنصحية منه، وقد مكنني الله أن أتعلم على يد نخبة من الأساتذة وكانوا من أكثر المشجعين لي ومنهم الدكتورة أمال العمري وكل نتائج التاريخ أمتياز والحمد لله وقد درسني كل أستاذ ثلاث مواد». رحلة الدكتوراه عن مرحلة رحلته للدكتوراه، يقول «عملت مدرسا في ذات المدرسة التي تعلمت فيها الإعدادية وهي مدرسة الصديق، وبقيت بها مدة ستة شهور، ولكن طلبتني إدارة الجامعة لأعمل معيدا والتخصص كان التاريخ القديم، ومباشرة ذهبت إلى المقابلة وكنت قبلها قد استشرت أستاذي التوم، فقال لي إن سألوك في المقابلة عن التاريخ الإسلامي أخبرهم أنك تموت في التاريخ القديم، رغم أني أحب التاريخ الإسلامي وفي تلك الفترة وبمجرد عودتي كأستاذ لجامعة الإمارات تزوجت، وكنت في ذات الوقت أبحث عن جامعة تناسب تخصصي في التاريخ القديم، وحصلت على قبول في جامعة ميتشجان وأيضاً من ليفربول، وقد اشترطوا أن أسجل ماجستير بالنسبة لليفربول». ويتابع «في عام 1987 سافرت إلى بريطانيا وكانت أول سفره إلى دولة أوروبية، وكنت أخشى كثيرة من عدم فهمي للغة الإنجليزية، لأني لم أكن «شاطرا» فيها وتعرفت هناك على الدكتور جمال المهيري إلى كان قد سبقنى في الدراسة هناك، وكانت البداية معهم أن أتعلم وأتقن اللغة الإنجليزية، وبعد ذلك عدت في إجازة لآخذ زوجتي معي، وأتذكر أن في ذلك العام صادف وقفة عرفة وقد قررنا الصيام ولم نكن نعلم بالوقت حتى نستعد له، ولا زلت لليوم أتذكر أننا صمنا 20 ساعة لأن الإمساك الساعة الثانية بعد منتصف الليل، والحمد لله مكننا الله من أداء الصيام في الغربة وفي نهار طويل وليل أقصر من القصير». ويضيف «لديَّ صديق اسمه أحمد النجار وهو يدرس في جامعة في منطقة صغيرة موحشة آنذاك أسمها درم والجامعة تحمل ذات الاسم، ولم يكن معي أحد من الإماراتيين في ليفربول، وقد تفاهمت مع أستاذي على أن أحول إلى تلك الجامعة شمال بريطانيا، حيث التقيت مع الدكتور جون هيلي وتعرفت هناك على نخبة من الشباب من الخليج العربي، ومنهم من الإمارات ولأجل التاريخ القديم تعلمت فوق اللغة الانجليزية ست لغات حية وميتة، ومنها السيرياني والسبأشي والعبري والأشوري واللاتيني واليوناني وكانت أصعب فترة بالنسبة لي، لأني كنت أترجم كل ذلك إلى اللغة الإنجليزية». الدكتور جون هيلي لم يكن كبيراً في العمر، ولكنه كان معلما محترفا وشديد الصرامة في الدراسة وهو دقيق جداً، وقد بقيت في درم لمدة عام واحد ثم صدر قرار من الحكومة البريطانية بغلق تلك الجامعة وكنت أريد أن أبقي في درم بعد أن أعتدت عليها، والدكتور جون كان يجب أن ينتقل إلى مانشيستر والماجستير يحتاج إلى سنتين، فانتقلت إلى مانشيستر لأن جون هيلي لم يوافق أن أبقى إلى درم وأذهب للدراسة فقط، والحمد لله أني انتقلت لأني التقيت مع حارب بن مسلم بن مسري الظاهري الذي أصبحت جارا له، وخفف ذلك عني وعن أسرتي الكثير من الشعور بالغربة». ويتابع «الظاهري هو من بحث لي عن منزل مجاور له، وأصبحت الأسرتان كالبيت الواحد، وكنا نلتقي في المناسبات مثل الصلاة والجمع وفي الأعياد، ورغم كل الصعوبات بمجرد أن حصلت على الماجستير عام 1991، سجلت مباشرة للدكتوراه مع ذات الدكتور هيلي، ولا زلت أذكر فضل هذا الرجل الذي رغم قسوته معي لأنجح إلا أنه أصبح بعد ذلك خير معين لي، وهو أول من علمني الطباعة بالحاسوب، وسألني عن الدكتوراه وما أرغب فيه، فأخبرته أني اخترت تاريخ الخليج العربي القديم، وكنت أقضي أثنتي عشرة ساعة يومياً في المكتبة أبحث عن المراجع وفي المراجع، وفي عام 1993 سلمت الرسالة وتم تحديد موعد المناقشة وأول من حضنني كان الدكتور جون هيلي بعد أن أنهيت المناقشة وقد حصلت على مكافأة من جامعة الإمارات، لأني أنهيتها قبل ثلاثة شهور من الموعد المحدد، وكانت المكافأة راتب ثلاثة شهور، والحمد لله اليوم لا زلت أعمل في جامعة الإمارات ولي 15 كتابا منشورا ، ثلاثة بحثو منشورة وحضرت فوق 35 مؤتمار، وبالنسبة لجون هيلي قمت باستضافته في الإمارات، وهو يعرف 13 لغة حية وميتة، وقد أسر لي أنه لم يكن يعلم كم هي جميلة الإمارات، وأعجب كثيراً بشعبها وأهلها». صعوبات الثانوية عن صعوبات تلك المرحلة الثانوية، يقول حمد بن صراي «لا أنسى كل من أمدني بعنوان مرجع ولا أنسى كل من ساعدني خاصة أصحابي ومنهم أحمد بن عبد الله بن درويش، الذي وفر علي عناء الطريق من وإلى العين، لأننا كنا نذهب بالحافلات ونتوقف طويلاً في ظروف صعبة في انتظار بقية الزملاء مهما كان الطقس سيئاً، ولكن بن درويش أصبح يأخذني ويعيدني مع آخرين إلى رأس الخيمة بسيارته، وفي جامعة العين كنا نأكل في مطعم الجامعة في مقر السكن بمنطقة المويجعي، وكنا نقف من الساعة السابعة صباحاً بانتظار أن يفتح كي نفطر، ثم نعود مساء عند السابعة لأجل العشاء، وأيضاً كنا نعد بعض الوجبات الخفيفة في السكن، ولا أنسى فضل جامعة الإمارات، التي عرفتني على شخصيات من مختلف أرجاء الدولة، وأكثر ما كان يقلقني معدلي في اللغة الإنجليزية، لدرجة إني عندما أخبروني أني قد نجحت أجهشت بالبكاء فرحاً». ويوضح «أنهيت البكالوريوس في عام 1986 في أقل من ثلاث سنوات، وكان المعدل 3.4 وكل مساقات التاريخ امتياز، ومباشرة قدمت أوراقي لوزارة التربية والتعليم».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©