الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليماحي يقتفي أثر الآباء ويأكل مما يزرع

اليماحي يقتفي أثر الآباء ويأكل مما يزرع
30 سبتمبر 2010 21:46
يثبت كبار السن من آبائنا يوماً بعد يوم أنهم متمسكون بشيمة العطاء وأهمية العمل، وأنهم على الرغم من النهضة التي تعيشها الدولة في المجالات كافة لا يزالون يواصلون دورهم الفاعل ويساهمون على طريقتهم في عملية البناء من خلال رعاية ممتلكاتهم - بأياديهم - والعناية بها خاصة المزروعات المتجذرة في عمق هذه الأرض الطيبة. فالوالد محمد بن أحمد بن راشد اليماحي على الرغم من كونه تجاوز 85 عاماً من عمره، لم يتوقف يوماً عن رعاية مزرعته ومتابعتها يومياً بنفسه. قبل أن ترسل الشمس خيوطها الذهبية يبدأ الوالد محمد اليماحي خطواته باتجاه الحقل، ولا يعيقه تقدمه في السن عن مواصلة نشاطه على الرغم من بعد مزرعته عن بيته. فهو يعيش مقتفياً أثر الأجداد والآباء الذين سخروا جلّ اهتمامهم من أجل زراعاتهم وفي مقدمتها النخلة. حديث الذكريات خلال التوجه معه خطوة بخطوة من بيته باتجاه مزرعته في “وادي الفاي”. بدأ اليماحي حديث الذكريات، حيث تعود به ذكرياته إلى الأربعينيات من القرن الماضي عندما كان صبياً، يقول: “إن وادي الفاي الذي لا تنقطع مياهه تتجمع حوله قوافل الركبان، فالإبل القادمة من (رأس الخيمة والغيل والطويين ووادي كوب والرويضة) باتجاه دبا تبرك هنا للتزود بالماء ويتحلق الناس حول البرك والغدران وبعضهم ينحر الذبائح ويتحول الوادي إلى منطقة تعج بالناس في منظر يظهر مكانة وادي الفاي منذ القدم”. ويشير الوالد اليماحي إلى أن وجود الإبل في مكان ما يؤكد أن الدنيا لا تزال بخير. متحسراً على ما آل إليه الوادي، حيث جفت المياه خلال السنوات العشرين الماضية ويبست معظم أشجار النخيل والأشجار المحيطة بالوادي. عندما اقتربنا ونحن نمشي على الأقدام من مدخل وادي الفاي باتجاه المزرعة، ذكر الوالد محمد أن معظم الأشجار التي كانت حول هذه المنطقة الجبلية مات نظراً لندرة الأمطار، كما يعتقد أن تراجع الناس عن الاهتمام بالزراعة أثر بشكل سلبي على انتشار اللون الأخضر في هذه المناطق التي كانت تشتهر بزراعة أجود أنواع النخيل والهمبا البلدي والليمون. فاعتماد أغلب المزارعين على اليد العاملة الآسيوية وابتعاد أصحاب المزارع أدى إلى فقدان النخلة إلى عنصر الرعاية. فالزرع بشكل عام والنخلة على وجه الخصوص تفتقد صاحبها إذا غاب ثلاثة أيام وتحزن كثيراً على هذا الغياب. الطريق الوعرة لا يركن الوالد اليماحي إلى تسليم مزرعته لليد العاملة - كما يقول - على الرغم من أنه تجاوز 85 سنة من عمره، ويعاني ضعف النظر، إلا أنه يصر على زيارة زرعه صباحاً ومساء غير آبه بالمسافة الطويلة التي تصل إلى 7 كيلو مترات يومياً، يقطعها سيراً على الأقدام، وهي محفوفة بالمخاطر، من أجل الوصول إلى نخيله والاطمئنان على حلاله. عندما اقتربنا من مزرعته البسيطة على تلال سفوح وادي الفاي وبدأنا نصعد على الأدراج الصخرية، شمر الوالد عن ذراعيه وقال “كونوا حذرين فالطريق وعرة جداً”. وكان على حق. وهكذا صعدنا بحذر، إلى أن وصلنا إلى الجزء الأول من الحقل الذي به بقايا ما زرعه من البصل والطماطم والثوم. ثم انتقلنا إلى الجزء الآخر الذي زرع فيه خضراوات الملفوف والخس والفجل. فيما زرع في الجزء الأعلى من الحقل أشجار النخيل و هي لا تزيد على 25 نخلة، إلا أن منظرها بديع وهي تطل على الوادي حيث تتمايل الأغصان مع نسائم الوادي الباردة. محطات مهمة جلسنا إلى الوالد اليماحي ليحدثنا عن أهم محطاته في الحياة، فعرفنا أنه متزوج من 3 نساء، أنجبن له ولدين و3 بنات. وقبل 30 سنة غادر إلى الهند للزواج كما أدى مناسك الحج قبل 20 سنة. يقول: “كنا في الماضي نتنقل عبر الوديان والجبال بشق الأنفس، فالبعض يقطع المسافات سيراً على الأقدام والبعض الآخر تتوافر له وسيلة النقل وهي الحمار أو الإبل (المطية)، وكنا نتاجر بالحطب والعسل ولم تكن تزيد قيمة “غرشة” العسل عن 6 روبيات (تباع اليوم بقيمة 600 درهم)، وعلى الرغم من أن الحياة في الماضي كانت صعبة للغاية إلا أن توفير الاحتياجات والمواد الغذائية لا يتطلب منا إلا القليل من المال مما سهل على أن تلك الأيام تكون بسيطة في معانيها”. ويسترسل اليماحي مضيفاً: “تتوافر اليوم الأموال بشكل كبير وازداد الدخل إلا أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير جداً ما جعل الناس يتذمرون من ارتفاع الأسعار ويتحسرون على بساطة الزمن الماضي”. لدى الوالد اليماحي موقف مع الخدم فهو لا يعتقد بضرورة وجود الخدم في المنازل. وهو يفضل أن يقوم بإعداد الطعام بنفسه على أن يجلب الخدم إلى البيت. لأنه يعتقد أن “البيوت أسرار” ووجود الخدم يفشي هذه الأسرار فهم يجلبون الغرباء والمشاكل - على حد قوله. جيل الشباب حول نظرته لجيل اليوم، يقول الوالد اليماحي: “جيل الشباب في عصرنا هذا ليس مثل بعضه” ويشير إلى أصابع كفه، موضحاً: “هناك من هو متسلح بالعلم والأخلاق ويرضي الله ووالديه وهو نافع لهم، وهناك من لم يتشرب من هذه المعاني والقيم وأصبح وبالاً على أسرته ووطنه”. ويقدم اليماحي مجموعة من النصائح لجيل اليوم من الشباب والشابات، ويقول: “نصيحتي لهم أن يتمسكوا بالمبادئ والقيم الصحيحة وأن يحافظوا على عادات وتقاليد مجتمعهم العربي الإسلامي وأن يكونوا نعم المواطنين الصالحين. كما عليهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم من جهود لخدمة وطنهم وألا يتقاعسوا عن خدمته ومبادلته العطاء بالحب والإخلاص، فالإنسان الذي لا يعمل ليس له قيمة في نظر الناس. أما الصحة والبركة فيأتي بهما العمل والنشاط. فاليد التي تعمل أحب إلى الله ورسوله من التي لا تعمل”. يضيف اليماحي: “فرحتي أن أرى الناس جادة في عملها ساعية في طلب الرزق. وأملي من أصحاب المزارع أن يهتموا بحلالهم ويشرفوا على مزارعهم بأنفسهم وألا يتركوا زرعهم في أياد غريبة، فهذه اليد مهما كانت مخلصة لن تهتم وترعى الأشجار كما يرعاها صاحبها”. ودعنا الوالد محمد اليماحي وهو يتنفس هواء الحقول ويرعى مزروعاته فسعادته وراحة باله في ألا تغفل عينه عن متابعة مزرعته صباحاً ومساء. زايد والد الجميع كعادة الشواب يذكرون بكل فخر واعتزاز تاريخ - المغفور له - بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة، ويتحدثون عن الخير العظيم الذي قدمه للوطن. يذكر اليماحي عام 1971 واصفاً فرحة المواطنين بخبر إعلان الاتحاد وقيام الدولة وكيف عمت البهجة كل مناطق الإمارات. مشيراً بحب وتقدير إلى شخصية القائد زايد - رحمه الله - وحبه بترسيخ قيم المحبة والعطاء والسلام في ربوع الإمارات. وكيف أن بفضله - رحمه الله - ازدهر الوطن وأصبح المواطنون يعيشون اليوم بنعمة ورخاء بعد مشقة وتعب وفقر، داعياً لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة - حفظه الله - بالمزيد من الصحة وسداد الخطى.
المصدر: الفجيرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©