أظهرت كرة القدم قدرتها السحرية على تأليف النفوس المختلفة عندما حقق المنتخب الاسترالي تعادلاً ثميناً مع نظيره الكرواتي ليتأهل إلى الدور الثاني· ويقول ستيفن كينيسوفيتش المولود في سيدني لاب صربي وأم كرواتية أن الشعور الوطني تدفق داخله عندما سجل داريو سرنا الهدف الاول في المباراة لمنتخب كرواتيا في الدقيقة الثالثة فقط من عمر اللقاء الذي استضافته مدينة شتوتجارت· وأضاف المشجع الاسترالي ''عندما ترى المنتخبات تلعب تجد أنها تلعب بروح شعوبها· وقد ظن الكروات الهدف المبكر كافياً· لقد قللوا من شأن الروح الاسترالية''·
وأوضح كينيسوفيتش أن الهدف الاول أكد ولاءه لمسقط رأسه· بينما تركه هدف هاري كيويل الثاني لاستراليا في الدقيقة 79 من المباراة الذي تعادل للفريق 2/2 في حالة من السعادة المفرطة· وقال ''لم أحلق ذقني· فيداي ترتعشان لدرجة أنني قد أجرح نفسي بشفرة الحلاقة''·
وفي أستراليا التي يوجد لديها أبطال عالم في لعبات الرجبي والكريكيت وكرة الشبكة كانت كرة القدم تلقب باسم ''ووجبول'' - لعبة المهاجرين الهزل الذين هاجروا لاستراليا قادمين من أفقر أطراف أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية· أما ذلك الفريق الذي تعادل مع كرواتيا بالامس فقد كان يضم ستة لاعبين من أصول أسترالية وثلاثة لاعبين من أصل إيطالي· إلا أن هذا النجاح غير المعتاد في بطولة كأس العالم- حيث أن هذه هي المرة الاولى التي تشارك فيها أستراليا بنهائيات البطولة العالمية منذ عام 1974 إلى جانب أنها سجلت أول أهدافها وأول انتصاراتها في تاريخ البطولة هذا العام أيضا- أشعل حماس كل من كان يؤمن بهذه اللعبة العالمية·
ففي أستراليا يفوق عدد من يمارسون كرة القدم عدد من يمارسون رياضتي الرجبي والكريكيت مجتمعتين· كما أن الرياضيين الاعلى دخلاً في البلاد هم لاعبو كرة القدم المحترفون بالاندية الاوروبية· وأعرب رون ووكر عضو مجلس إدارة الاتحاد الاسترالي لكرة القدم والرجل الذي أدار دورة ألعاب الكومنويلث بملبورن في وقت سابق هذا العام عن سعادته الغامرة بنجاح الاستراليين في كأس العالم وبالتأثير الذي سيحدثه هذا النجاح على الجانب المالي للعبة· وقال ووكر ''سيفخر الاستراليون بوصولنا إلى هذه المرحلة المتقدمة· كان الحصول على رعاة للفريق أمراً صعباً للغاية· ولكن هؤلاء الرعاة جنوا ثمار تعاملهم معنا الآن''·
وجاءت الاحتفالات التي تفجرت في القارة الاسترالية مع عبور البلاد إلى دور ال16 من كأس العالم دليلاً جديداً على قوة الانطلاقة التي تحققها كرة القدم هناك حالياً· وتعتبر كرة القدم مظهراً رائعاً للمساواة في أستراليا· فالناس على مختلف مستوياتها تمارسها· وهي اللعبة الرياضية الاولى في آسيا· وتجتذب أعداداً مهولة من المشجعين في دليل آخر على أن ربع هذا الشعب ولد في بلدان أخرى· وهي قوة لإشعال حس الانتماء الذي لم يوجد بمثل هذه القوة من قبل·
وفي مدينة داروين في أقصى الشمال الاسترالي اجتمع الاستراليون من أصل إيطالي لمشاهدة مباراة أستراليا التي نقلت في الساعات المبكرة من الصباح بتوقيتهم المحلي في النادي الايطالي بالمدينة· وعبر رئيس النادي يوجيني سكاتوركيو عن مشاعره بمجرد إطلاق صافرة النهاية لمحطة ''آيه بي سي'' التليفزيونية المحلية قائلا '' جسدي يرتعد· وأشعر بوخز في معدتي· لم أتمكن من تناول الطعام طوال الليل''·
أما في النادي الكرواتي بضاحية موني بوندز بمدينة ملبورن فلم تعرف المشجعة الكرواتية الاصل جولي ميليسيفيتش ''43 عاما'' ما إذا كان عليها أن تبتهج أم تبكي بعد المباراة وقالت ''إننا سعداء وتعساء· لدينا مشاعر متضاربة ومتوازنة· وعندما تشعر بالحزن والسعادة معا يكون الأمر صعباً للغاية· كنا نهلل للفريقين أما الآن فلم نعد نهلل لاحد''· وبالنسبة للكثيرين من جماهير كرة القدم فإن ذكريات تأهل أستراليا السابق لنهائيات كأس العالم عالقة في أذهان آبائهم أكثر من أذهانهم· وأبدي المشجع دوني كابالو ''23 عاما'' الايطالي الأصل الذي جلس فوق سيارة فيات مطلية بالألوان الحمراء والبيضاء والزرقاء حيرته بشأن الفريق الذي سيشجعه عندما تلتقي إيطاليا بأستراليا في دور ال16 بمدينة كايزرسلاوترن الالمانية الاسبوع المقبل· وصرح كابالو ل''آيه بي سي'' أثناء احتفاله مع جماهير أخرى بفوز أستراليا بشارع نورتون ستريت بمنطقة ليتل إيطالي (إيطاليا الصغرى) بسيدني قائلا ''بدأت أشعر ببعض الوطنية الآن· سأشجع الفريقين· إنه الحل الوحيد· فالنسبة لي هي المرة الاولى التي أرى فيها أستراليا في نهائيات كأس العالم''·
وشاهد رئيس الوزراء الاسترالي جون هوارد المعروف بولعه بلعبتي الرجبي والكريكيت مباريات أستراليا الثلاث بالدور الاول من كأس العالم وشعر بسعادة كبيرة مثل بقية جماهير كرة القدم بالبلاد· وعلق هوارد على المباراة قائلا '' وقال هوارد عن نجم المنتخب الاسترالي هاري كيويل ''صار الآن الملك هاري بالنسبة جميعاً الآن''·
ونجح هوارد الذي يشغل منصبه القيادي منذ عشرة أعوام والمعروف بقدرته على قراءة مزاج الجماهير في فهم الواقع الاسترالي الحالي· فقد أصبحت كرة القدم هي الرجبي الجديد بأستراليا· وخرجت اللعبة الجميلة من سباتها العميق في البلاد وبات هذا الوضع يدفع السياسيين لمعانقة اللعبة الشتوية الأولى هناك·
عدد اليوم
